تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ

تأثير استخدام الأدوات والتقنيات على المخ | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

326 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 

مخنا فيه قدرة مهمة جدًا اسمها المرونة العصبية neuroplasticity، المرونة العصبية هي قدرة المخ على التغير والتشكل على مدار حياتك. نتيجة الخبرات التي تتعرض لها البيئة التي تعيش فيها، أو التقنيات والأدوات التي تستخدمها، المرونة العصبية ممكن ينتج عنها تقويض دوائر عصبية خاصة بوظيفة معينة لو كنت تقول بهذه الوظيفة لو كنت تقوم بها في شكل دوري، وينتج عنها أيضًا ضعف في الدوائر العصبية الخاصة بأي وظيفة أنت توقفت عن القيام بها.

 

عضلات المخ

الأمر يأتي من العضلات، العضلات  التي تستخدمها في شكل دوري تكون قوية، والعضلات التي لا تستخدمها تضمر وتضعف. أي تقنية أو أداة تستخدمها، عادة تجعلك تستخدم قدرات ذهنية معينة بشكل أكبر، وتقلل اعتمادك على قدرات ذهنية أخرى.

 

وبالتالي استخدامك لهذه الأداة أو التقنية، يعيد تشكيل مخك، يقوي بعض القدرات الذهنية، ويضعف قدرات أخرى. الكتاب يضرب أمثلة لعدة أدوات وتقنيات قديمة، يعني انتشار استخدام الساعات مثلًا، كما ساعدنا في معرفه الوقت بدقة وسهولة، هو أضعف  قدراتنا على تخمين الوقت بالنظر لضوء النهار وشكل الظلال، لأن بمجرد وجود الساعة لم تعد هناك حاجة أن نركز مع الظواهر، التي تساعدنا على تخمين الوقت خلال اليوم.

 

في الواقع الساعات غيرت طريقة تفكيرنا عن الوقت، من كونه خط مستمر، إلى فترات زمنية متقطعة تقدر بالساعات والدقائق. وحتى شيء قديم مثل الكتابة، اعتمد الإنسان على كتابة الأشياء المهمة، حتى لا يفقدها، جعلته يقلل اعتماده على الذاكرة، وبالتالي نتج عنها ضعف في قوة الذاكرة.

 

ومثال آخر أيضًا يطرحه الكتاب عن كاتب مشهور في نهاية القرن التاسع عشر، هذا الكاتب استبدل الورقة والقلم بالآلة الكاتبة، بعد فترة من استخدامه لهذه الأداة الجديدة، لاحظ أن أسلوبه في الكتابة، تغير، لاحظ أنه أصبح يستخدم عبارات أكثر وكلمات أبسط في الكتابة، يمكن لأن الكتابة في الآلة الكاتبة بالنسبة له كانت أصعب من استخدام الورقة والقلم، فهذا بشكل غير واع جعله يستخدم أسلوب يسهل عليه الكتابة.

 

أي أن اختلاف الأداة جعله يغير أسلوبه في التعبير عن أفكاره، والملاحظة المهمة هنا أن هذا تم بدون قصد منه. هذا ليس معناه أن أداة معينة لها بعض السلبيات أنها سيئة في المجمل، أو المفروض أن تتوقف عن استخدامها. التصرف المنطقي أن نوازن بين قدر المنفعة الذي نحصل عليه من هذه الأداة وبين قدر الضرر الناتج عن استخدامها

 

ونختار من ثلاثة خيارات:

أن نستمر في استخدام التقنية رغم الضرر: ربما لأن الضرر بسيط مقارنة بمقدار المنفعة، يعني مثلًا أنا أستخدم أدوات رقمية لحفظ وتنظيم أفكاري ومشاريعي، هذا سينتج عنه أني سأقلل اعتمادي على ذاكرتي. وهذا ينتج عنه بعض الضعف في قوة الذاكرة مثلًا، ولكن أنا أرى أن هذا ضرر بسيط مقارنة بالفائدة الكبيرة التي أحصل عليها من حفظ وتنظيم أفكاري ومشاريعي، وسهولة تطويرها وتقليل الضغط النفسي وضمان عدم نسيان أي تفاصيل مهمة.

 

نستمر في استخدام التقنية لكن نحاول أن نصلح الضرر الناتج عنها: أي لو استخدمت نفس المثال السابق، أنا من الممكن أن أستمر في استخدام الأدوات الرقمية لحفظ وتنظيم أفكاري. وفي نفس الوقت ممكن أن أعمل تمارين لتقوية الذاكرة من وقت إلى آخر، وهذا الخيار يفترض أن المنفعة التي أحصل عليها، من التقنية هذه تستحق الجهد الإضافي الذي سأفعله لإصلاح الضرر الناتج عنها

 

نتوقف عن استخدام هذه التقنية: وهذا في حالة أن الضرر أكبر من المنفعة، ومقدار المنفعة لا يستحق الوقت والجهد الإضافي الذي من الممكن أن نضيعه في محاولة إصلاح الضرر. طبعًا اختيار أي واحد من هذه الخيارات، يتوقف على مدى معرفتك وتقديرك للمنفعة والضرر، أنت ممكن تستخدم أداة أو تقنية معينة، بدون أن تدرك بمقدار الضرر الحقيقي، الذي يسببه لك.

 

فلو سنتحدث عن الإنترنت كأداة تقنية، نستخدمها كلنا بشكل يومي حاليًا، بالنسبة للمنفعة، لن نتحدث عنها كثيرًا، فكلنا نعرف كم الفرص التي يتيحها الإنترنت، في مجالات العمل والتعلم والتواصل. استخدام الإنترنت أصبح ضرورة لمعظمنا، بشكل يجعل التوقف عن استخدامه لا يبدو خيارا مطروح من الأساس. أما بالنسبة للضرر، فهل نحن مدركين لكل أضرارها بشكل يسمح لنا حتى أننا نحاول إصلاح هذه الأضرار، ونقلل منها قدر الإمكان؟

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المخ
اقرأ أيضا
معرفة مذهب السلف | مرابط
اقتباسات وقطوف

معرفة مذهب السلف


فإنا لما أردنا أن نبين مذهب السلف ذكرنا طريقين: أحدهما: أنا ذكرنا ما تيسر من ذكر ألفاظهم ومن روى ذلك من أهل العلم بالأسانيد المعتبرة والثاني: أنا ذكرنا من نقل مذهب السلف من جميع طوائف المسلمين من طوائف الفقهاء الأربعة ومن أهل الحديث والتصوف وأهل الكلام كالأشعري وغيره فصار مذهب السلف منقولا بإجماع الطوائف وبالتواتر لم نثبته بمجرد دعوى الإصابة لنا والخطأ لمخالفنا كما يفعل أهل البدع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
534
كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال | مرابط
تاريخ فكر مقالات ثقافة

كيف استطاع هتلر أن يتحكم بالأطفال


في الموروث الثقافي الألماني يكون الأب هو سيد البيت والبقية لا يملكون سوى الطاعة من غير سؤال وهكذا كان هتلر بالنسبة للمجتمع الألماني هو الوحيد المسؤول وهو الوحيد الذي له السمع والطاعة فقد نقل مفهوم الأب من البيت إلى إدارة الدولة وكان دائما يستخدم في خطابه مع الأطفال مفاهيم الأبوة فكان يقول: إنه يهتم بأمرهم وبمستقبلهم وإنه يحبهم ويرعاهم

بقلم: محمد علي فرح
413
نقض أصول الإلحاد الإيجابي | مرابط
الإلحاد

نقض أصول الإلحاد الإيجابي


لا يمكن لإنسان أيا كان في قضية وجود الخالق أن يحكم على الخالق بحكم إلا وقد سبق ذلك الحكم تصور معين عن الخالق الذي يريد الحكم عليه. حتى الملحد الجلد لا يمكنه إنكار الصانع إلا وحكمه فرع عن تصور معين لخالق يأباه ولا يوافق عليه إذ يستحيل أن يخوض الملحد في قضية ممتنعة لذاتها أو قضت ضرورة العقل بانتفائها فهذا عبث وسفه.

بقلم: عبد الله بن سعيد الشهري
315
أوقات الحفظ | مرابط
اقتباسات وقطوف

أوقات الحفظ


مقتطف هام لابن الجوزي من كتابه صيد الخاطر يتحدث فيه عن الحفظ يحدثنا فيه عن أوقات الحفظ وأماكن الحفظ وما يحفظ وما لا يحفظ وغير ذلك من الإضاءات الهامة لكل من يعاني مشكلة في الحفظ أو يرغب في زيادة قدرته على ذلك

بقلم: ابن الجوزي
477
أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر

أسباب سقوط الأندلس الجزء الثاني


في هذا المقال نعود إلى تاريخ الأندلس لنقف على أهم الأسباب التي أدت إلى سقوطها في النهاية ولنعتبر بكل ما جرى في تلك المرحلة التاريخية الهامة ونستخلص عوامل الانهيار والانحدار التي أوصلت المسلمين إلى فقد هذه الحضارة الزاهية فالمستقبل لا يبنيه إلا من علم أخطاء الماضي وتحاشاها وتجنبها قدر طاقته واستطاعته وإدراك أسباب سقوط الأندلس يعيننا على فهم السنن الكونية وفهم عوامل الصعود وعوامل السقوط

بقلم: علي محمد الصلابي
2386
أمريكا التي رأيت | مرابط
تفريغات

أمريكا التي رأيت


أنا أعرف أن غالبية الناس يقولون: الأمريكان من أذكى الناس ولا يمكن أن يكون الأمريكي إلا ذكيا الذي يعرف وينقل مثلما نقله مختار المسلاتي: أن العقول المنتجة ليست من أمريكا أصلا إنما استوردت والعجيب أنهم يقولون: إن عقل الأمريكي كالبيضة لا يعرف ما وراءه ولذلك الدكتور في الجامعة لا يهتم حتى بالصحف اليومية ولا يدري ما العالم فيه بل يهتم بمادته ويعود إلى بيته ومن بيته إلى هناك حتى أنه لا يعرف الولاية التي بجانبه وهذا أمر معلوم.

بقلم: عائض القرني
427