العربية الفصحى وبداية اللحن

العربية الفصحى وبداية اللحن | مرابط

الكاتب: د نفوسة زكريا

419 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

فلما انتشر الإسلام وامتدت فتوحاته ازداد اختلاف لهجات المحادثة بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وانتقال العربية إلى الأمصار واختلاف القبائل العربية النازلة بتلك الأمصار واختلاف الشعوب الأعجمية المجاورة لها. وكان من أول مظاهر ابتعادها عن الفصحى اللحن وهو أول أدواء العامية. قيل إنه ظهر في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، فقد رى أن رجلا لحن بحضرته، فقال "أرشدوا أخاكم فقد ضل" كما رويت أخبار كثيرة عن شيوع اللحن منذ القرن الأول في عصر الأموية واستهجان خلفائها وولاتها وأدبائها له.

فقد روى أن عبد الملك كان يحذر أبناءه من اللحن ﻷنه كان يرى أن اللحن في منطق الشريف أقبح من آثار الجدري في الوجه وأقبح من الشق في ثوب نفيس. وري أيضًا أنه لم يكن يستعمل صيغًا ملحونة حتى في المزاح وأنه كان يقدر الدقائق اللغوية حق قدرها.

وروي أن ابنه مسلمة كان يمقت السائلين الذين يلحنون في لغتهم، هذا ما روي عن خلفاء الدولة الأموية. أما ولاتها فقد كان منهم من يقيم وزنًا كبيرًا للعربية الخاصة، مثل الحجاج الذي روي أنه لم يكن يحرص على أن ينطق عربية ناصعة فحسب، بل كان يلزم بها المتصلين به، ويزعم بعضهم أن كثير بن أبي كثير البصري الذي أراد الحجاج إكراهه على عمل يتولاه تخلص منه بأن أساء إلى أذنه بلحن فظيع في القواعد.

ولم يقل عن الحجاج في تعظيم العربية أيضًا عمر بن هبيرة الذي كان واليا على العراق، فكان يرى أن من يحسن العربية أعلى من غيره مقاما في الجنة.

ومن الشعراء الذين اتخذوا العربية الخالصة مقياسا للمفاضلة بين الناس رؤبة 140 هـ، فقد قال في مدحه لبلال بن أبي بردة قاضي البصرة: "فزت بقدحي معرب لم يلحن". وعلى النقيض من ذلك يحقر يحيى بن نوفل الحميري خالد بن عبد الله القسري والي العراق في قوله:
وألحن الناس كل الناس قاطبة ... وكان يولع بالتشديق في الخطب

فلما ازدادت الأدواء التي طرأت على اللسان العربي من أثر اللحن والتحريف والدخيل اتجه علماء اللغة إلى كلام العامة محاولين إصلاحه لا تدوينه، وألفوا في ذلك عشرات الكتب منبهين إلى لحن العوام أو الخواص الذين تطرق الفساد إلى ألسنتهم، نذكر منها:

1- ما تلحن به العوام للكسائي
2- ما تلحن فيه العامة، ﻷبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب الأصمعي
3- البهاء فيما تلحن فيه العامة: ليحيى بن زياد الديلمي المعروف بالفراء
4- ما تلحن فيه العامة: ﻷبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب
5- لحن العامة: ﻷبي عبيدة
وغيرها

لم تكن هذه المؤلفات تهدف إلى دراسة العامية لذاتها كما فعل المستشرقون ومن حذا حذوهم في عصرنا، بل كانت تهدف إلى خدمة الفصحى عن طريق تقويم ألسنة العامة وتصحيح أخطائهم، ﻷن العلماء كانوا في ذلك الوقت يعتبرون العامية تحريفًا للعربية الفصحى لا لغة جديدة تختلف عن الفصحى اختلافا جوهريًا ولذلك كانت مؤلفاتهم فرعا من دراستهم للفصحى ومن خدمتهم لها ومحافظتهم عليها سالمة من التحريف واللحن والدخيل.


المصدر:
د. نفوسة زكريا، تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر، ص5

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
الوكلاء المحليون للأكاديميا الغربية! | مرابط
فكر

الوكلاء المحليون للأكاديميا الغربية!


هراوة الموضوعية تكون في أشد حالاتها حين تسلط على نتاج الباحثين العرب أما حين تستقبل كعبة الأبحاث الأعجمية فثمة رسالية محببة عند بعضهم تفضي إلى الانتصار والدعوة لكل ما دون بأحرف غير عربية. إننا بإزاء حالة من التسويق الرديء بوكالات محلية لنتاج الأكاديميا الغربية لبواعث من أخصها النكاية بالنتاج العربي والاستطالة على الباحثين العرب .. حالة من الخنوع البحثي تبصر القذاة في عين الأبحاث العربية وتنسى الجذوع في أعين الأبحاث الأعجمية!

بقلم: مشاري الشثري
358
بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم | مرابط
تعزيز اليقين

بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم


والمحكم ضد المتشابه وهو ما لا يحتمل في الشريعة إلا قولا ووجها سائغا واحدا وعرف أحمد المحكم: بأنه الذي ليس فيه اختلاف ومراده: ما استقل بالبيان بنفسه فلم يحتج لغيره فقد روى ابن أبي حاتم وابن المنذر والطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: محكمات الكتاب: ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل بهوبنحو هذا قال عكرمه ومجاهد وقتادة وغيرهم.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
261
في التحذير من فتن إبليس ومكايده | مرابط
اقتباسات وقطوف

في التحذير من فتن إبليس ومكايده


مقتطف لابن الجوزي من كتاب تلبيس إبليس يحذر فيه أهل الإسلام من مكائد إبليس وفتنته ويشير إلى طبيعة الإنسان منذ خلقه حيث ركب فيه الهوى والشهوة وبيده أن يختار طريق الهدى أو طريق الضلال بيده أن يجلب ما فيه نفعه وصلاحه أو ينساق وراء شهواته وحبائل إبليس

بقلم: ابن الجوزي
1663
مغالطة يوثيفرو ضد دلالة الأخلاق والقيم على ضرورة وجود الله | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر مقالات

مغالطة يوثيفرو ضد دلالة الأخلاق والقيم على ضرورة وجود الله


من أشهر الاعتراضات التي يوردها الملاحدة على دليل القيم والمبادئ ما يسمى معضلة يوثيفرو euthyphro وهو رجل من اليونان نسبت إليه المعضلة وقد كانت نتيجة حوار بينه وبين سقراط وكان يرى أن مصدر الأخلاق يرجع إلى الإله فقال له سقراط: هل الأخلاق حسنة لأن الله يريدها أم أن الله أرادها لأنها حسنة

بقلم: سلطان العميري
1137
أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2 | مرابط
تفريغات

أشراط الساعة رواية ودراية: الدرس الأول ج2


سميت أشراط الساعة أشراطا لأنها علامات على قيام الساعة وهي على الأغلب إن كانت على ذلك وقد يسمى من أشراط الساعة ما لم يكن علامة عليها وإنما هو داخل في أثنائها وذلك أن من علامات الساعة انكدار النجوم وسقوطها أثناء قيام الساعة والساعة حينئذ قد قامت وعليه يعلم أن علامات الساعة منها ما هو سابق لها ومنها ما هو في أثنائها فالعلامة يذكرها على أنها ما يسبق الساعة ويكون تمهيدا لقيامها ومنها ما يكون هو داخلا فيها ومتغلغلا فيها وذلك أن أكثر أشراط الساعة هو سابق لها سواء كان من الكبرى أو من الصغرى

بقلم: عبد العزيز الطريفي
610
تعلمت من أوقات الفراغ | مرابط
فكر مقالات

تعلمت من أوقات الفراغ


أوقات العمل تملكنا ولكننا نحن الذين نملك أوقات الفراغ ونتصرف فيها كما نريد فهي من أجل هذا ميزان قدرتنا على التصرف وميزان معرفتنا بقيمة الوقت كله وليست قيمة الوقت إلا قيمة الحياة فالذي يعرف وقته يعرف قيمة حياته ويستحق أن يحيا وأن يملك هذه الثروة التي لا تساويها ثروة الذهب لأن مالك وقته يملك كل شيء ويصبح في حياته سيد الأحرار

بقلم: عباس محمود العقاد
4942