المذاهب الهدامة

المذاهب الهدامة | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

2222 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

 يقول كارل ماركس وأتباعه: إن الأديان أفيون الشعوب، وإن الناس يقبلون على الدين لأنه يخدرهم ويلهيهم عن شقاء الحياة.
 
وهذا القول الهراء عن الدين آخر وصف يمكن أن ينطبق عليه، وأول وصف ينطبق على مذهب كارل ماركس بجميع معانيه.
 
فالشعور بالمسئولية والمسكرات نقيضان، وما من دين إلا وهو يوقظ في نفس المتدين شعورًا حاضرًا بالمسئولية في السر والعلانية، ويجعله على حذرٍ من مقارفة الذنوب بينه وبين ضميره، ويوحي إلى الفقراء والأغنياء على السواء أنهم لن يستحقوا أجر السماء بغير عمل، وغير جزاء.
 
وشتان هذا، وقول القائلين: إن الدين يخدر المرء، كما تخدره المسكرات وعقاقير الأفيون.
 

مذهب كارل ماركس

إنما المُسكر حقًّا هو مذهب كارل ماركس من جميع نواحيه؛ لأنه يرفع عن الضمير شعوره بالمسئولية ويغريه بالتطاول والبذاء على ذوي الأقدار والعظماء.
 
إنه يرفع عن الضمير شعوره بالمسئولية؛ لأنه يلقي بالمسئوليات كلها على المجتمع، ويقول ويعيد للعجزة وذوي الجرائم والآثام إنهم ضحاياه المظلومون، وإن التبعة كلها في عجزهم وإجرامهم واقعة عليه، ويتمم عمل السكر بحذافيره حين يطلق ألسنتهم بالاتهام على كل ذي شأن ينظرون إليه نظرة الحسد والضغينة، ويعز عليهم أن يساووه بالعزيمة والاجتهاد.
 
ولو أنك نظرت إلى فعل «السكرة» في المخمور لم تجد لها في نفسه شهوة تستهويه غير هذا الشعور بإسقاط المسئولية، وهذا التطاول على أعظم عظيم، كما يقول كل سكران غابت به السكرة عن حقائق الأشياء. وما كان للماركسية من سحر يستهوي السفلة إليه غير هذا السحر الذي يبذلون فيه الدراهم ويجدونه في الماركسية جمًّا بغير ثمن، وعليه المزيد من التغرير بالعقول، وشفاء أدواء الحسد والانتقام.
 
سكرة رخيصة لا أكثر ولا أقل.
 
وإنهم ليتحدثون عن «المذهب العلمي» أو يتحدثون عن التفسير «العلمي» للتاريخ، ويكثرون من ذكر العلم والبحث والاستقراء، ثم تنظر فيمن يستهوونهم بهذا الهراء، فلا ترى أحدًا منهم يحفل بالعلم، أو يعنيه أمر المعرفة والاستقراء، ولكنك واجد فيهم — على يقين — من يعميهم الحسد عن كل فضيلة، وتندفع بهم الغرائز كما تندفع السائمة على غير هداية، ومن يعملون ولا يفكرون في عاقبة ما يعملون.
 
إن «الماركسية» إذن لهي الحقيقة بما تفتريه من وصف للأديان والمعتقدات، وإنها لأفيون الشعوب بغير مراء، وكلما بحثت عن سبب صالح لشيوع المسكرات في بيئة من البيئات؛ فاعلم أنه سبب صالح كذلك لشيوع المذاهب الهدامة، ولتفسير هذه الشهوات التي تتلخص في أول الأعراض التي تبدو على السكران: بإسقاط للتبعة، وخلع للحياء، واستمراء للتطاول والبذاء على كل محسود، وإن لم يكن من الأغنياء.
 
وفي هذه الكلمة الوجيزة — وما يلي من الأحاديث المذاعة في حينها — تنبيه سريع إلى هذه الحقيقة البينة.
 
ولكنه تنبيه لمن؟ لا للمخمور الغارق في سكرته، فإنه لا يفيق، ولا يحب أن يفيق، وفي رأسه بقية من خمار... ولكنها تنبيه لمن ينظرون، لا يكلفهم إلا أن يديروا إليه الآذان والعيون.

 


 

المصدر:

  1. عباس محمود عقاد، أفيون الشعوب، ص7
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية | مرابط
تفريغات

ضعف العقل وإدراك الحكمة الإلهية


إن عقل الإنسان هو كحال الإناء منه ما يمكن أن يضعه في الإناء ويستوعبه ومنه ما لا يستوعبه الإنسان وما لا يستوعبه الإنسان ككثير من الحكم الإلهية في خلق الله سبحانه وتعالى للكون وكذلك العلل التي لا يدركها الإنسان فعقل الإنسان إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره فلينظر إلى حجمه من الكون حتى يدرك مقدار العقل الذي يمكن للإنسان أن يستوعب الحكم الإلهية من خلق المخلوقات وإجراء المجرات وسير هذه الكواكب والأفلاك وما جعل الله عز وجل فيها من سنن إلهية قدرية تحير الألباب.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
273
مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2 | مرابط
مناظرات

مناظرة الباقلاني مع ملك الروم ج2


اشتهر أبو بكر الباقلاني بمفصاحته وقدرته على المناظرة والبيان والذب عن الإسلام وقد ناظر في عهده الكثير من النصارى أشهر هذه المناظرات كانت لما أرسله عضد الدولة إلى ملك الروم الأعظم ليظهر له رفعة الإسلام ويناظره في معتقده وبالفعل جرت المناظرة بينهما واستعان ملك الروم بكثير من علماء النصارى حتى يقدروا عليه وكان المناظرة سبب في إسلام الكثير من النصارى وأظهر الباقلاني فصاحة عالية ورؤية ثاقبة وقدرة مبهرة على الرد والبيان

بقلم: القاضي عياض
2053
في أخبار الآحاد | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين

في أخبار الآحاد


أخبار الآحاد هو أن يخبره عدل يثق بخبره ويسكن إليه بأمر فيغلب على ظنه صدقه فيه أو يقطع به لقرينة به فيحمل ذلك مستندا لحكمه وهذا يصلح للترجيح والاستظهار بلا ريب ولكن هل يكفي وحده في الحكم هذا موضع تفصيل

بقلم: ابن القيم
684
أسلمة العلمانية | مرابط
مقالات العالمانية

أسلمة العلمانية


ظاهرة الأسلمة شملت حتى الفكرة العلمانية ذاتها فالفكر العلماني الذي نشأ منابذا للخيار الإسلامي تحديدا ما دار عليه الزمان حتى صار العلمانيون يقدمون أنفسهم مجتهدين في فهم النص الشرعي ومستمسكين بتفسير من تفسيراته ومعتمدين على أقوال المذاهب وفتاوى العلماء يعني هذا: أن جمال هذه الأسلمة يجب أن لا يخدع العين عن إبصار أشكال التحريف التي تأتي على الأحكام الشرعية في ثناياها بغض النظر عن الدوافع النبيلة التي قد تحركها

بقلم: د فهد بن صالح العجلان
2257
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
701
الأمركة والكوكلة والعلمنة | مرابط
فكر

الأمركة والكوكلة والعلمنة


الأمركة فى تصوري هى محاولة صبغ أي مجتمع أو فرد بالصبغة الأمريكية وإشاعة نمط الحياة الأمريكية ويوجد مصطلح طريف قريب منه للغاية هو مصطلح الكوكلة أو الكوكاكوليزيشن cocacolization والكوكاكولا هى رمز نمط الحياة الأمريكية وانتشارها وتدويلها وقال أحدهم أن الأمر ليس كوكلة وحسب وإنما هى كوكاكولونيالية بدلا من كولونيالية أي أن الكوكلة هى الاستعمار فى عصر الاستهلاكية العالمية وهى استعمار لا يلجأ للقسر وإنما للإغواء كما كتب أحد علماء الاجتماع كتابا بعنوان the macdonaldization of the world أي مكدلة العا

بقلم: عبد الوهاب المسيري
1930