في أخبار الآحاد

في أخبار الآحاد | مرابط

الكاتب: ابن القيم

704 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الطريق الثاني والعشرون أخبار الآحاد: وهو أن يخبره عدل يثق بخبره ويسكن إليه بأمر، فيغلب على ظنه صدقه فيه، أو يقطع به لقرينة به، فيحمل ذلك مستندا لحكمه، وهذا يصلح للترجيح والاستظهار بلا ريب، ولكن هل يكفي وحده في الحكم، هذا موضع تفصيل.

فيقال: إما أن يقترن بخبره ما يفيد معه اليقين أم لا، فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز أن يحكم به، وينزل منزلة الشهادة، بل هو شهادة محضة في أصح الأقوال، وهو قول الجمهور، فإنه لا يشترط في صحة الشهادة ذكر لفظ " أشهد " بل متى قال الشاهد: رأيت كيت وكيت، أو سمعت، أو نحو ذلك: كانت شهادة منه، وليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضع واحد يدل على اشتراط لفظ " الشهادة "، ولا عن رجل واحد من الصحابة، ولا قياس، ولا استنباط يقتضيه، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، ولغة العرب تنفي ذلك.

وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وظاهر كلام أحمد، وحكي ذلك عنه نصا. قال تعالى: {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم} [الأنعام: 150] ومعلوم قطعا: أنه ليس المراد التلفظ بلفظة " أشهد " في هذا، بل مجرد الإخبار بتحريمه. وقال تعالى: {لكن الله يشهد بما أنزل إليك} [النساء: 166] ولا تتوقف صحة الشهادة على أنه يقول سبحانه " أشهد بكذا ". وقال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق} [الزخرف: 86] أي أخبر به، وتكلم به عن علم، والمراد به التوحيد.

ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل فيه: " أشهد أن لا إله إلا الله " بل لو قال: " لا إله إلا الله محمد رسول الله " كان مسلما بالاتفاق. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» فإذا تكلموا بقول: " لا إله إلا الله " حصلت لهم العصمة، وإن لم يأتوا بلفظ " أشهد "

وقال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30] {حنفاء لله غير مشركين به} [الحج: 31] وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله». وقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقول الزور. وفي لفظ ألا، وشهادة الزور». فسمى قول الزور شهادة، وإن لم يكن معه لفظ " أشهد ".

وقال ابن عباس: شهد عندي رجال مرضيون - وأرضاهم عندي عمر - " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نهى عن الصلاة بعد العصر، حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس» ومعلوم أن عمر لم يقل لابن عباس " أشهد " عندك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك، ولكن أخبره فسماه ابن عباس شهادة.

وقد تناظر الإمام أحمد وعلي بن المديني في العشرة - رضوان الله عليهم - فقال علي: أقول " هم في الجنة، ولا أشهد بذلك " بناء على أن الخبر في ذلك خبر آحاد، فلا يفيد العلم، والشهادة إنما تكون على العلم، فقال له الإمام أحمد: " متى قلت: هم في الجنة، فقد شهدت " حكاه القاضي أبو يعلى، وذكره شيخنا - رحمه الله -.

فكل من أخبر بشيء فقد شهد به، وإن لم يتلفظ بلفظ " أشهد ". ومن العجب: أنهم احتجوا على قبول الإقرار بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: 135]. قالوا: هذا يدل على قبول إقرار المرء على نفسه، ولم يقل أحد، إنه لا يقبل الإقرار حتى يقول المقر " أشهد على نفسي " وقد سماه الله شهادة.

قال شيخنا: فاشتراط لفظ " الشهادة " لا أصل له في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا قول أحد من الصحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظ " الشهادة " لغة على ذلك، وبالله التوفيق. وعلى هذا: فليس الإخبار طريقا آخر غير طريق الشهادة.

 


 

المصدر:

ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، ص170

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-القيم
اقرأ أيضا
مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى | مرابط
اقتباسات وقطوف المرأة

مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى


ومن أعظم صور المكابرة للفطرة وللعقل في الفكر الليبرالي: هي مكابرة عدم التفريق بين الذكر والأنثى وبهذا يهونون من الغايات كفاحشة الزنى لو وقعت وأن الغايات لا تستحق لأجلها وضع كل هذه الوسائل التي يسمونها عراقيل وعقبات فهم ينظرون لزنى الجنسين كمصافحة الكفين لبعضهما بل من المسلمين من يعظم أمر مصافحة الجنسين الأجنبيين بعضهما البعض أعظم من تعظيم زناهما في الفكر الليبرالي انتكست الفطرة وزالت الغايات وزالت الوسائل معها

بقلم: عبد العزيز الطريفي
979
فساد الدين | مرابط
اقتباسات وقطوف

فساد الدين


يقع فساد الدين من طريقين اثنين الأول يأتي من جهة الاعتقاد الخاطئ فهذا هو الأساس وبما أن الخلل قد أصابه فالطبع سيلزم عنه فساد في الدين والثاني هو العمل بما يخالف الحق مع العلم به وهنا مقتطف من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الأمر

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
2160
الوسائل المعينة على القراءة النافعة ج1 | مرابط
تفريغات

الوسائل المعينة على القراءة النافعة ج1


أمة الإسلام مكلفة بالقراءة فهي مخاطبة في أول سورة أنزلت على نبيها محمد صلى الله عليه وسلم بأن تقرأ فهي ضرورية وليست هواية وللقراءة الصحيحة النافعة ضوابط ووسائل ومجالات لا بد للمسلم من معرفتها حتى تكون قراءته نافعة وبين تفريغ لجزء من محاضرة الدكتور راغب السرجاني ويدور حول الوسائل المعينة على القراءة النافعة

بقلم: راغب السرجاني
1764
شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم


بين يديكم رد على الشبهة المتكررة التي يزعم مروجوها أن سيدنا إبراهيم عليه السلام شك في ربه وذلك استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فيقول البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الشك إلى إبراهيم وإلى نفسه.. بين يديكم رد على هذا الزعم.

بقلم: قاسم اكحيلات
404
أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية | مرابط
تفريغات

أهل البدع يتوارثون الحقد على ابن تيمية


هذا الرجل النبيل الكريم البحر العلم الذي ما يزال يرمى بالكفر حتى هذه الساعة وكثير من المسلمين لا يعرفون شيئا عنابن تيمية حياة شيخ الإسلامابن تيميةحياة لا تعلم إلا بمطالعة كل ما كتب عنه سواء بقلمه أو بقلم أتباعه فإذا كنت ممن يحبه بالغيب تزداد له حبا وإن كنت ممن يتوقف في محبته فتحبه بلا تردد وإن كنت ممن عاديته فتراجع نفسك على أقل تقدير

بقلم: أبو إسحق الحويني
648
أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1 | مرابط
فكر مقالات

أين أخطأ المقاصديون الجدد في نظرتهم إلى مقاصد الشريعة ج1


يبدو أن موضوع مقاصد الشريعة يحظى باهتمام بالغ في الساحات العربية خصوصا بعد أحداث سبتمبر فالسياسيون اهتموا به لتمرير أجندتهم السياسية والإعلاميون تمسكوا بها لتبرير مخالفة الإعلام للشريعة وكثير من الدعاة تمسك بها من أجل المزيد من المكتسبات سواء لدى عامة الناس أو لدى شرائح الملأ وتولت مقاصد الشريعة مع ظاهرة الخروج عن مألوف الشريعة المعهود لدى المسلمين بحجة نبذ التقليد والعمل بالدليل مهمة تمرير لبرلة الإسلام وعصرنته وكان أخطر ما في الأمر تبني شرائح إسلامية عديدة لهذا الفكر الأصولي الفقهي فكانوا...

بقلم: الدكتور هيثم بن جواد الحداد
1878