الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1 | مرابط

الكاتب: راغب السرجاني

720 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة، التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسَّة، ونتيجة لفُرقة المسلمين وتشتتهم. وهي أرض إسلامية خالصة، ولقد فصَّلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان "قصة الإسلام في الصين"، كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى، والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها، وهذا في مقال آخر بعنوان "كنوز التركستان الشرقية". وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأخيرة، وما هي خُطَّتها للسيطرة على دولة التركستان المسلمة.

 

خطط الصين لمحو المسلمين

نستطيع أن نُجمِل خطة الصين الشيوعية في النقاط التالية:

 

أولًا: القمع الدموي وسياسة تكسير العظام:

وهو أسلوب شيوعي معروف، وكانت وتيرة هذه الدموية قد خفّت نسبيًّا في فترة السبعينيات والثمانينيات إلا أنها عادت من جديد مع أوائل التسعينيات، وذلك عندما تحررت الجمهوريات الإسلامية في جنوب الاتحاد السوفيتي، وبدأت تظهر دعوات "حق تقرير المصير" في التركستان الشرقية، فكان الرد عنيفًا جدًّا من الحكومة الصينية، وامتلأت السجون بأصحاب الرأي، وقُتل من التركستان أعداد غفيرة، وتم نفي بعض الرموز إلى خارج الصين. ولقد زارت منظمة العفو الدولية منطقة التركستان في سنة 1998م، وكتبت تقريرًا مفصَّلًا عن الظلم والاضطهاد الصيني، وقد بلغت عدد صفحات التقرير 92 صفحة، ومع ذلك ذكرت منظمة العفو الدولية أن هذا التقرير لا يمثِّل إلا قمَّة جبل الثلج، وأن معظم التعدِّيات لم يصلوا إلى تفصيلاتها؛ للحظر الإعلامي والمعلوماتي المضروب على إقليم التركستان بكامله.

ولقد زادت وتيرة الاضطهاد أكثر وأكثر بعد أحداث سبتمبر 2001م في أمريكا؛ وذلك لتحرُّك العالم فيما أطلقت عليه أمريكا "الحرب ضد الإرهاب"، واستغلت الصين الفرصة، وأعلنت عن اكتشافها خلايا إرهابية في التركستان متعاونة مع تنظيم القاعدة! ومن ثَمَّ أصبحت الحرب الصينية على المسلمين علنية، وكان على أمريكا أن تغضَّ الطرف طبعًا؛ لكي تغض الصين طرفها عن التعدّيات الأمريكية في العراق وأفغانستان وجوانتانامو، والضحية في كل الحالات مسلمون!

ولعلّ ما شاهدناه من أحداث أخيرة يدلنا على طريقة تعامل الصين مع شعب الإيجور التركستاني؛ فالمظاهرة السلمية التي تُنادي بفتح تحقيق لمقتل اثنين من الإيجور ظلمًا جُوبِهت بتحركات من الجيش والشرطة، وتحليق طيران، وحظر تجوُّل، وقانون طوارئ، وقتْل ما يقرب من مائتين في الإحصائيات الصينية، وما يزيد على ستمائة في الإحصائيات التركستانية، هذا غير المصابين والمعتقلين.

إنها صورة مكرورة من البطش والإرهاب تحت دعوة الحرب ضد الإرهاب، وقديمًا قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].

 

ثانيًا: محو الهوية الإسلامية:

فالشيوعيون يدركون أن سرَّ قوة المسلمين في عقيدتهم، وأنهم طالما يتمسكون بدينهم فمن الصعب أن تكسرهم؛ لذا كان من الوسائل الرئيسية التي تستخدمها الصين في حربها ضد أهلنا في التركستان طمس الهوية الإسلامية بكل الطرق، فهم يُغلقِون الكثير من المساجد والمدارس الدينية، ويمنعون الشباب تحت 18 سنة من الصلاة في المساجد، ويمنعون الشباب في الجامعات من حمل المصحف، ويصادرون ما يجدونه من مصاحف في أي مؤسسة بما فيها المساجد! ولقد ذكر الأستاذ فهمي هويدي أنه زار التركستان الشرقية في الثمانينيات، فلم يجد مصحفًا واحدًا في أي مسجد! وذكر أن إعطاء أحد أئمة المساجد مصحف كهدية كان سببًا في بكائه من شدة الفرح؛ لأن المصاحف عملة نادرة جدًّا في التركستان المسلمة!

وتمنع الحكومة الصينية التلاميذ في المدارس من تأدية الصلاة، وتمنع المدرِّسين من إطلاق اللحية، وتحظر الحج على من هو أقل من 50 سنة! ويصل الأمر أحيانًا إلى استفزازات لا معنى لها، وذلك مثل ما ذكرته صحيفة التايمز اللندنية من أن الرموز الإسلامية في التركستان تُجبَر على احتساء الخمر قبل إعدامها! وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]. وما ذكرناه مجرَّد أمثلة، والأمر أكبر من أن يُستقصى في مقال.

 

ثالثًا: سياسة الاحتواء:

حيث تحاول الحكومة الصينية إقناع المسلمين في التركستان أنهم يمتلكون حكمًا ذاتيًّا داخل الدولة الصينية، ويأتي على رأس هذه الحكومة الذاتية شخصٌ هو أقرب الناس للحكومة الصينية، وهو أشدّ المواطنين ولاءً لها، وهو علماني أكثر من العلمانيين الصينيين، وهو أشد عنفًا من الشيوعيين! وهكذا تُنفَّذ السياسة الشيوعية بأيدٍ مسلمة، وهذه صورة نراها في كثير من البلدان المسلمة، حيث تكون الحكومة المسلمة أشد ضراوة على أبنائها من الاستعمار الخارجي، بل قد يتدخل الاستعمار الخارجي أحيانًا لتحرير البلاد المسلمة من حكامها!

 

رابعًا: سياسة التهميش السياسي وتقليل الأعداد:

فالصين تقلِّل دومًا من أعداد المسلمين، وخاصة من عِرقية الإيجور أهل التركستان الأصليين، وتقول إنهم ثمانية ملايين فقط، بينما إحصائيات الإيجور تؤكِّد زيادة عددهم عن الثلاثين مليونًا. وتقلل الصين أيضًا من أعداد المسلمين بشكل عام في الصين فتذكر أنهم ستون مليونًا، بينما هم يزيدون على مائة مليون. كما أن الصين لا تعترف بالديانات أصلًا، ومِن ثَم فهي تقسِّم المسلمين إلى عِرقيات تسعة، وبذلك تصبح كلُّ عرقيَّة قليلة العدد جدًّا؛ مما لا يسمح لها بالتمثيل في البرلمان، أو الوصول إلى إدارة المحليات، أو غيرها من الإدارات.

ولا تسمح الصين أبدًا بوجود رمز تركستاني بارز في المجتمع الصين، ولقد خالفت هذه القاعدة مرَّة عندما سمحت لإحدى رموز التركستان النسائية بالنمو والظهور، وهي "ربيعة قادر" التي صارت من النماذج الاقتصادية البارزة، إلا أنه بمجرد تمسُّك ربيعة قادر ببعض الثوابت الإسلامية، ورفضها أن تنفصل عن زوجها المنفي في أمريكا بتهمة النشاط الانفصالي، فإنّ الحكومة الصينية تنكرت فورًا للاقتصاديَّة ربيعة قادر، وقامت بإلقاء القبض عليها، ومحاكمتها بسرعة، وإصدار حكم بالسجن خمس سنوات، ثمّ تمّ نفيها بعد ذلك إلى أمريكا بعد مصادرة أعمالها. ولقد قام الغرب على الفور بترشيح ربيعة قادر لجائزة نوبل للسلام ! ليس حبًّا في المسلمين بالطبع، ولكن طعنًا في الصين، وردت الصين بالتنديد بهذا الترشيح؛ حيث تعتبر ربيعة قادر من المخرِّبات لوَحدة الصين!

إن هذا التهميش السياسي المتعمَّد يَحْرِمُ التركستانيين من أي قناةٍ يصلون فيها برأيهم إلى الدولة، ولا يوجد منصب واحد من المناصب الكبرى في دولة التركستان إلا ويتولاه صيني من عرقية "الهان"، وهي العرقية الغالبة على أهل الصين، أما "الإيجور" وبقية المسلمين فلا وجود سياسيًّا لهم.

 

خامسًا: سياسة التهجير للمسلمين من التركستان إلى بقية أجزاء الصين:

وخاصةً من عرق الإيجور؛ وهذا بهدف تذويبهم في المجتمع الصيني. إضافةً إلى تقليل أعدادهم في الدولة الأم التركستان، وهذا التهجير يكون عن طريق الترحيل القسريّ للعمال والمزارعين ليعملوا في أماكن بعيدة عن التركستان، وكلها أعمال متدنِّية بسيطة. ولعلَّ من أكبر الكوارث في هذا المجال ما ذكرته ربيعة قادر من أمر ترحيل أكثر من مائة ألف فتاة إيجورية غير متزوِّجة تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 25 سنة من التركستان إلى مناطق مختلفة من الصين في عام 2007م رغمًا عن أنوف أهلهن؛ مما سبَّب حالة من الاحتقان الشديد في التركستان، خاصةً أن ذلك قد يدفع هؤلاء الفتيات إلى امتهان أعمال غير أخلاقية في ظل غياب المال والأسرة.

 

سادسًا: التهجير العكسي للصينيين من عرقية الهان إلى التركستان الشرقية:

والتوطُّن الدائم هناك؛ وذلك بُغية تغيير التركيبة الديموجرافية للسكان، فتصبح المنطقة بعد فترة من الزمان غير إسلامية بشكل تلقائي، وهي نفس سياسة اليهود في فلسطين حيث يقدِّمون إغراءات كبيرة لليهود في العالم للقدوم إلى أرض فلسطين، كذلك يفعل الصينيون، خاصةً بعد اكتشاف البترول في التركستان في الثمانينيات، وقيام عدد من الصناعات البتروكيماوية الضخمة هناك؛ مما أعطى الصينيين الفرصةَ للتوجُّه إلى دولة التركستان للعمل والحياة هناك..

ونتيجة هذه السياسة المنتظمة، إضافةً إلى ما ذكرناه في النقطة السابقة من ترحيل الإيجور من التركستان، فإنّ التركيبة السكانية قد تغيَّرت بالفعل بشكل كبير وخطير؛ فتذكر الإحصائيات الصينية أنه في سنة 1942م كانت نسبة المسلمين في إقليم التركستان الشرقية 90% (78% من الإيجور و12% من عرقيات أخرى)، وكانت نسبة عرقية "الهان" الصينية 6% فقط، بينما هناك 4% من العرقيات المختلفة الأخرى.. أما في إحصائية 2008م فقد وصل الصينيون من عرقية "الهان" إلى نسبة 40% من السكان!! مما يشكِّل خطورة كبيرة جدًّا على مستقبل هذه المنطقة، خاصةً أنها منطقة واعدة اقتصاديًّا، ولا تعجز الصين عن إرسال عدة ملايين آخرين لقلْب النسبة تمامًا لصالح "الهان" الصينيين.

 


 

المصدر:

موقع قصة الإسلام

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#راغب-السرجاني #الصين #تركستان
اقرأ أيضا
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3


ومن عيوب الديمقراطية تعارض المصالح الفردية والمصالح الجماعية فإن الديمقراطية من حيث هي منهج ونظرية تصور لكل إنسان أنه سيحقق رغبته كما يراها بينما الواقع العملي لها هو أن الذي يحقق رغبته هم مجموعة محددة كما بينا أما الديمقراطية المستوردة التي استوردها كثير أو بعض بلدان المسلمين فقد أصبحت مطية وحذاء ونعالا ينتعلها هؤلاء متى شاءوا ويتركونها متى شاءوا فينتعلونها في مصالحهم ويقذفون بها في غير مصالحهم وأصبحت لعبة يتلاعب بها كثير من الناس

بقلم: عبد الرحيم السلمي
693
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب | مرابط
فكر مناقشات

خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب السر وقانون الجذب


ولقد طالعت هذا السر وقرأته فوجدت كتاب دجل وخرافة يراد تمريرها عبر بهرجة لفظية وزخرفة كلامية ودعاوى فارغة فتركت الكتاب ولم أحفل به كونه من الباطل البين ولم أعن حينها بالكتابة حوله كونه مكتوبا بلغته الأم مما ساهم في تحجيم انتشاره وتضييق عدد قرائه عندنا لكن حين ترجم الكتاب إلى العربية وأخذت إعلاناته تطل علينا في الشوارع ويسوق له على مستوى عال تغير الحال وتبدل الرأي

بقلم: عبد الله العجيري
659
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة | مرابط
مقالات

وجعلنا بعضكم لبعض فتنة


وقد شاء الله أن تكون الدنيا دار امتحان واختبار وبلاء وليست دار جزاء ولا حكم بين العباد ولا فصل بينهم فيما هم فيه يختلفون وأنواع الابتلاءات متعددة ومتنوعة وليست قاصرة على الشر والمحن والمصائب فقط كما أن الناس بعضهم لبعض فتنة وموضع اختبار وامتحان وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا

بقلم: أحمد قوشتي
479
مختصر قصة الأندلس الجزء الثاني | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة الأندلس الجزء الثاني


سلسلة مقالات مختصرة تطوف بنا حول الأندلس لنعرف قصتها من البداية حتى النهاية من الفتح إلى السقوط سنعرف كل ما دار من أحداث بين لحظة الفتح والصعود ولحظة الانهيار والأفول والهدف من ذلك أن ندرك ونعي تاريخنا بشكل جيد وأن نتعلم منه حتى نبني للمستقبل

بقلم: موقع قصة الإسلام
1555
من يسمع ولا يعقل | مرابط
اقتباسات وقطوف

من يسمع ولا يعقل


وجعل الأكثرين أضل سبيلا من الأنعام لأن البهيمة يهديها سائقها فتهتدي وتتبع الطريقفلا تحيد عنها يمينا ولا شمالا والأكثرون يدعونهم الرسل ويهدونهم السبيل فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم

بقلم: ابن القيم
691
لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات الإلحاد

لماذا لم يخلق الله عالمنا بلا شر الجزء الأول


يتصور البعض أن وجود الشرور في العالم وانتشار بعض صور الخراب والدمار تعني بصورة ما أنه ليس هناك إلها خالقا مدبرا حكيما لهذا الكون وإلا لما كان يوجد هذا الشر المستطير وعلى النقيض يؤمنون أن وجود الخالق مرهون بانتفاء الشر من العالم وهذه شبهة قديمة يرد عليها الدكتور سامي عامري في هذا المقال ويوضح الخطأ فيها

بقلم: د سامي عامري
1990