من يملك حق التفسير

من يملك حق التفسير | مرابط

الكاتب: عبد الله بن صالح العجيري

2779 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

انطلاقا من قسمة ابن عباس لطبيعة التفسير القرآني "التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله"، فثمة مجال تفسيري يجب أن لا يتحدث فيه إلا ذوو الاختصاص من أهل العلم، وذلك لاختصاصهم بجملة من المعارف والعلوم تؤهلهم لمثل هذا النظر الشرعي في القرآن الكريم.

 

التخصص والتقليد

 

وهذه بدهية عقلية وشرعية، بأن للمختص امتيازا في مجاله العلمي عن غيره، وعليه فمنازعة أهل العلم قراءتهم للنص الشرعي في هذا المجال التفسيري لا شك خطأ، ثم ترتيب نتائج على مثل هذه المنازعة خطأ وضلال مركب، بل الواجب على من كان جاهلا سؤال العالم "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" بدل الوقوع في مصيبة "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" والعلم نقطة كثرها الجاهلون، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.
 
ومن المغالطة بل من الجهل المركب أن يقال: إن التخصص مطلوب في العلوم التطبيقية، دون العلوم الشرعية، بحجة أن الدين مكلف به كل مسلم والتكليف يستلزم العلم؟
 
هذا الكلام يشهد على صاحبه بأنه غير متخصص إطلاقا، وأنه عاجز تماما عن التصور الصحيح لمسائل العلم؛ ذلك لأن التكليف وإن كان يشترط له العلم، إلا أن الله لم يكلف الخلق كلهم أن يكونوا علمهم تفصيليا مبنيا على نظر في الأدلة وموازنة بين الأقوال والخلافات، ولو كلف الله الخلق كلهم بذلك لكلفهم فوق ما يطيقون.
 
فالمسلم ليس بالضرورة أن يكون متخصصًا حتى يقيم عباداته وتكاليفه، إذ قد جعل الله للناس مخرجًا "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" وسؤال الناس للعالم فيما أشكل عليهم، مما تبرأ به ذممهم، ولم يكلفهم الله أكثر من ذلك، ومن ظن أن التكليف يستلزم العلم المفصل فقد أبعد النجعة وأطال الهجعة.

 

ذم التقليد

 
ومن الخلط هنا استجلاب كلام الأئمة في ذم التقليد وأنه لا يجوز إلا للضرورة كي ينقض بها مسألة التخصص؟
 
فهل معنى كلامهم أن على الجميع التوصل للحكم التفصيلي بالاجتهاد الشخصي، المبني على النظر في الأدلة والموازنة بينها والترجيح بين الأقوال؟ لو صح هذا الكلام لكان على جميع المسلمين أن يدعو علومهم الآخرى وشؤونهم الدنيوية، ويقلبوا على تعلم (الفقه، والأصول، واللغة، والعقائد والتفسير وسائر علوم الشريعة)، ولكان طلب العلم الشرعي بجميع صوره وأشكاله واجبا متعينا على كل أحد لا يجوز تركه إلا في حالات الضرورة المشابهة لأكل الميتة، وهو ما لا يمكن أن يقول به أحد.
 
أهل العلم حين يتحدثون عن ذم التقليد وإباحته حال الضرورة، إنما يعنون بذلك أهل العلم المتخصص الذي آتاهم الله العلم، ومع ذلك يصرون على تقليد علماء آخرين متخصصين مثلهم، كالأئمة الأربعة ونحوهم.
 
فمثل هؤلاء قعلهم فاسد ظاهر الفساد؛ ﻷن التقليد لا يشرع للعالم الذي يقوى على الاجتهاد، إذ عنده آلة العلم والفهم ما يؤهله للنظر واستنباط الأحكام، فليس له أن ينصرف عن علمه تقليدا لعلم آخر. أما عموم الناس، فإن التقليد مباح لهم كشرب الماء، وليس عليهم فيه أدنى حرج، ومن قال إن التقليد بالنسبة لجميع الخلق لا يجوز إلا للضرورة؛ فقد شق على المسلمين وكلفهم ما لا يطيقون.
 
وبكل حال فالخروج عن تفسير أهل العلم للقرآن موقع للإنسان في الخطأ ولا شك، وكم أتألم حين أجد متحدثا في هذه المسائل يريد أن يقرر حقه في الاستقلال بتفسير القرآن وأنه رجل في هذا الباب كما الأئمة رجال، ثم إذا سألته عن معنى شيء من غريب قصار المفصل احتار وعجز، فما أبعد هذا الصنف عن إصابة الحق.

 


 

المصدر:

  1. عبد الله بن صالح العجيري، ينبوع الغواية الفكرية، ص212
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
زهد عائشة رضي الله عنه | مرابط
مقالات

زهد عائشة رضي الله عنه


حدثنا عبد الله حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رحمها الله قالت: ما شبعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم من طعام إلا ولو شئت أن أبكي لبكيت وما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم حتى قبض

بقلم: أحمد بن حنبل
1145
استمداد المذاهب من خارج أهلها | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

استمداد المذاهب من خارج أهلها


يتصور البعض أن المذاهب الفقهية أسوار مغلقة أقرب إلى القنوات المتجاورة التي تسير بجنب بعضها لكنها لا تتمازج أي أنها كانت تجتهد وتفكر وتنتج داخل فضائها الفقهي الخاص فقط وهذا غير دقيق فهناك فقهاء يمكن تسميتهم الفقهاء العابرين للحدود وهم فقهاء أثروا على مذاهب أخرى تأثيرا جوهريا أوجزئيا وفي هذا المقال يناقش المؤلف هذه المسألة ويحلق بنا في فضاء الفقه الإسلامي

بقلم: إبراهيم السكران
1492
محاولة لاستثارة النخوة لدى عديمي النخوة | مرابط
فكر مقالات

محاولة لاستثارة النخوة لدى عديمي النخوة


لم يعد يجدي مع بعض طبقات مجتمعاتنا أن تذكر لهم نصوصا من الكتاب والسنةفهم يرونها جزءا من تراث لا يحبونه ولا يعتزون به هم أنفسهم يدعون إلى إحياء التراث غير الإسلامي كدعوات إحياء الفخر بالحقب الفرعونية وعروبة ما قبل الإسلام

بقلم: د إياد قنيبي
882
التجديد في أصول الفقه؟ | مرابط
تفريغات

التجديد في أصول الفقه؟


بعض المدارس اليوم تقول: التجديد في أصول الفقه ويقولون ما شأننا بقواعد أصول الفقه التي سار عليها الإمام الشافعي فقد مر عليها أكثر من ألف سنة نحن نضع قواعد للفهم تتناسب مع العصر الحاضر أو بعبارة أخرى نحن نريد هدم القواعد التي سار عليها السلف ليست قضيتهم وضع قواعد بالعكس هم يريدون الأمر كما يقولون: قدسية النص وحرية القراءة.

بقلم: عامر بهجت
422
أصل دين الأنبياء واحد وإنما تنوعت الشرائع | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

أصل دين الأنبياء واحد وإنما تنوعت الشرائع


وتنوع الشرائع في الناسخ والمنسوخ من المشروع كتنوع الشريعة الواحدة فكما أن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم هو دين واحد مع أنه قد كان في وقت يجب استقبال بيت المقدس في الصلاة كما أمر المسلمون بذلك بعد الهجرة ببضعة عشر شهرا وبعد ذلك يجب استقبال الكعبة ويحرم استقبال الصخرة فالدين واحد وإن تنوعت القبلة في وقتين من أوقاته فهكذا شرع الله تعالى لبني إسرائيل السبت ثم نسخ ذلك وشرع الجمعة فكان الاجتماع يوم السبت واجبا إذ ذاك ثم صار الواجب هو الاجتماع يوم الجمعة وحرم الاجتماع يوم ا...

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
800
سأستعمر مصر | مرابط
اقتباسات وقطوف

سأستعمر مصر


سأستعمر مصر كانت هذه هي العبارة التي نزلت كالصاعقة على الجميع عندما تحدث بها نابليون بونابرت وكأنها تكشف نواياه الحقيقية وأطماعه الداخلية في مصر ولكنه يحاول أن يزينها ويحيطها ببعض الحرص على التطوير والتنمية وهذا مقتطف رائع للشيخ محمد جلال كشك من كتاب ودخلت الخيل الأزهر

بقلم: محمد جلال كشك
2303