من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير

من آفات السوشيال ميديا: التغيير من أجل التغيير | مرابط

الكاتب: د إسماعيل عرفة

427 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

من أجل استمرار تدفق اللايكات إلى حسابك، أو في سبيل أن تصبح إنسانا عاديا في 2020م، ينبغي عليك أن تتايع التريندات أولا بأول، أو تطور أجهزتك الإلكترونية باستمرار، أو أن تقرأ المنشورات الحديثة للشخصيات والصفحات المشهورة يشكل يومي، نحن نعيش في حالة مجنونة من السرعة، كل لحظة هناك شيء جديد وأمر متغير.

يقول ثيودور زورن، أستاذ التواصل المؤسسي بجامعة نورث كارولينا: إننا جيل نقدس التغيير، ننفق عشرات الثواني والدقائق والساعات في هوس البحث عما هو جديد، وصرنا كائنات تعبد السرعة: القهوة الفورية، الحميمية الفورية، الفيديو الفوري، والإشباع الفوري لاحتياجاتنا. نريد أن ننجز كل شيء في أسرع وقت.

هذه الحالة من التغير المستمر أصبحت هوسا لدينا: هوس التصفح عن الجديد، هوس البحث عن الإثارة، هوس السخرية من كل شيء من أجل إضافة لمسة جديدة، هوس السفر وتغيير محل الإقامة، هوس التقاط السيلفي الأمثل في النزهة أو في البيت.. لقد أصبح التغيير قيمة بذاتها نسعى إليها كل دقيقة.

أما على الناحية الأخرى، فإن التركيز والثبات والروتين فهي أمور، حسنا، مملة، لنكن واقعيين أمام أنفسنا. يقول زورن: (هوس التغيير أصبح سريعا جدا وساخنا جدا وغير عقلاني بالمرة لدرجة أننا بالكاد نمتلك وقتا للتفكر في حياتنا وللتأمل في المعاني العميقة للمفاهيم التي نؤمن بها... ورغم أننا لا ندرك ذلك لكن يصبح التغيير مشكلة عندما يصبح التغيير هدفا من أجل التغيير لا وسيلة لأجل شيء آخر، هذا العائم السريع لا يعطيئا وقتا لملاحظة مقدار الحياة التي نفقدها بسبب هذا الهوس بالتغير).

ويستكمل: (يبدو أن هناك مللا في ثقافتنا العامة حيث لا يمكننا التقيد بتقليد معين ولا أن نكتفي بالحالي. من يريد أن يكون تقليديا وهو يستطيع أن يكون متطورا؟ من يريد أن يكتفي بالوضع الراهن الذي بين يديه وهناك إمكانية أن يحصل على شيء جديد فقط على بعض خطوات أو نقرات؟).

لكن ما هو ضرر هذا التغيير المستمر في كل شيء في حياتنا؟ يقول: (البرامج التليفزيونية التي تعرض في نصف ساعة فقط أزمة ما والحل لها، تخلق انطباعا خاطئا عن كيفية التعامل مع أغلب المشاكل الحياتية).

يوضح ريتشارد سيئيت، أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيويورك، أن ثقافة التغيير المستمرة هذه مضرة للإنسان: (السمة الملموسة لثقافة التغيير هي أنه «لا يو جد أمر طويل المدى».. وهذا أمر يفسد الثقة، والولاء، والالتزام المتبادل).

وبسبب تحول كل مؤسساتنا ومجتمعاتنا إلى حالة مستمرة من التغيير، أصبحت أفكارنا (تتطاير بسرعة، غير يقينية، غامضة) بتعبير كارين فاريس، الكاتبة الأسترالية. كما تسبب الثبات على التغيير في تطعيم نفسياتنا بحالة دائمة من التوقعات المرتفعة جدا والإحباطات المتكررة جدا، فالجميع يشعر بالاستحقاق، والجميع يشعر بالملل. يتوقع جيل المراهقين بالإنجاز السريع والنجاح الفوري في كل شيء، وأمام صدمة الحياة، يبدأ في التململ من الحياة عامة والدخول في دوامة اكتئاب وهروب من تحمل أي مسئولية لا يعلم مداها إلا الله.

وهذا التغيير المستمر منعنا من التغير الحقيقي للأحسن في حياتنا، وهو ما أشار إليه الداعية البريطاني حمزة تزورتيس بقوله: (إن أغلبنا صار كالكراسي الهزازة، نتحرك كثيرا لكنا لا نذهب إلى أي مكان. هناك الكثير من الأفعال لكن لا يوجد تحولات في حياتنا).

وبسبب سرعة الملل فقدنا أي قدرة حقيقية على الإنجاز، فكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: آفة المتعلم الملل وقلة صبره على الدرس والنظر، والملول لا يكون حافظا، إنما يحفظ من دام درسه وكد فكره، وسهر ليله، لا من رفه نفسه)!


المصدر:
د. إسماعيل عرفة، الهشاشة النفسية، ص112

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الهشاشة-النفسية #سوشيال-ميديا
اقرأ أيضا
حجاب الغفلة | مرابط
مقالات

حجاب الغفلة


حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
245
أساليب الخطاب في القرآن الكريم | مرابط
تفريغات

أساليب الخطاب في القرآن الكريم


وهذا الزمان الذي كثرت فيه الأخطاء ووقعت فيه المصائب على الأمة تعالوا ننظر إلى لغة الحوار والخطاب من الدعاة إلى المدعوين ومن العلماء إلى من يعلمون ومن المدرسين إلى تلامذتهم ومن الأزواج إلى زوجاتهم ومن الآباء إلى أبنائهم نعلم أن هناك أخطاء كثيرة وجسيمة ولكن هل هذا الزمان زمان التقريع وعد الأخطاء وجلد الظهور بالسياط وإبراز هذه المشاكل الضخمة بصورة قد تقعد صاحبها عن الحركة وعن العمل وعن إعادة الإصلاح من جديد أم زمن مد اليد وبث الأمل والتفاؤل في النفوس وإعطاء الأمة فرصة جديدة للقيام وهي لا شك ست

بقلم: د راغب السرجاني
657
منزلة المحبة | مرابط
اقتباسات وقطوف

منزلة المحبة


فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان ولتعطلت منازل السير إلى اللهفإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها بل هي حقيقة الإخلاص بل هي نفس الإسلام فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله فمن لا محبة له لا إسلام له ألبتة بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله فإن الإله هو الذي يألهه العباد ذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة له بمعنى مألوه وهو الذي تألهه القلوب أي تحبه وتذل له

بقلم: ابن القيم
1139
مفهوم العبادة | مرابط
اقتباسات وقطوف

مفهوم العبادة


وأما العبادة الخاصة وهي العبادة الشرعية وهي التذلل لله سبحانه وتعالى شرعا فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص وخاص فوق ذلك فالخاص الأخص كعبادة الرسل عليهم الصلاة والسلام

بقلم: ابن عثيمين
312
الإنسان في تصوير الإسلام | مرابط
تعزيز اليقين فكر اقتباسات وقطوف

الإنسان في تصوير الإسلام


الإنسان في تصوير الإسلام هو ذلك الكائن المزدوج الطبيعة المكون من قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله ممتزجتين مترابطتين غير منفصلتين ومن ثم لا يكون قبضة طين خالصة فيهبط كالجماد أو الحيوان ولا نفخة روح خالصة فيؤله أو يتأله

بقلم: محمد قطب
2402
الأمة الوسط الجزء الثاني | مرابط
تفريغات

الأمة الوسط الجزء الثاني


من المتفق عليه أن الخصيصة الأولى والمقوم الأساسي للأمة الوسط هو كونها أمة ربانية وهذه الخصيصة خاصة بهذه الأمة لا تشاركها فيها الأمم الأخرى فالأمة الإسلامية أمة ربانية في عقيدتها وتصورها وتشريعها وأخلاقها وقيمها لأن هذا كله منزل من عند الله تبارك وتعالى

بقلم: عمر الأشقر
841