الأمة الوسط الجزء الثاني

الأمة الوسط الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: عمر الأشقر

856 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله

قضية الإعجاز منحة من الله عز وجل للأمم السابقة عن طريق رسلها، ولنا عن طريق نبينا وحبيبنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان الإعجاز للرسل السابقين إعجازًا ماديًا، تمثل فيما شهدوه من خوارق العادات، وإبطال السنن الكونية للأشياء المألوفة؛ فإن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كان أكبر من ذلك، لقد وقع على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإعجاز ما كان إعجازًا ماديًا عطلت فيه سنن الكون، وشهد بذلك صحابته من حوله.

 

الإعجاز التشريعي

من إعجاز الرسول صلى الله عليه وسلم: الإعجاز التشريعي، والإعجاز البياني، والإعجاز العلمي.
سلامة البشرية كلها هو في منهج الإسلام التشريعي، ويستحيل أن تسعد البشرية إلا تحت ظلال هذا الدين، وانبثاقًا من شريعته السمحة الشاملة الكاملة الخالدة، وفي كل قضية من قضاياها.

ومن أجل أن يبقى هذا التشريع مكتوبًا له الديمومة والخلود والقدرة على حل المشكلات الطارئة في حياة الأمة؛ فقد جعل الله في هذا التشريع قواعد كلية وقضايا عامة، ثم كانت قضية الاجتهاد التي جاءت لنوعية خاصة من الناس، وهم الذين توافروا على هذا العلم فأدركوه لغة وفهمًا للقرآن والسنة، ولمقاصد تشريعاته، فيأتي هؤلاء المجتهدون وقد أخذوا وعلموا علم اليقين تلك القواعد فيقيسون عليها الحوادث الجزئية الطارئة المتجددة، فيقولون الحكم في كل قضية تطرأ في حياتهم.

وإذا كانت هذه الشريعة قد اتسعت لأمة ضاربة من جاكرتا شرقًا إلى طنجة غربًا في يوم عزها، فإنها تستطيع أن تنقذ البشر اليوم بعد أن جرب ويلات البعد عن هذا المنهج، بل وويلات تطبيق المناهج الأخرى، وسيكون للشريعة قبول أكثر بعد أن جربت الأمم الجاهلية وويلاتها.

وما أكثر شهادة العلماء والعقلاء وذوي الحصافة حتى من غير المسلمين لنا في هذا الجانب، حتى أن ذكرها يعتبر من باب الأمور المألوفة التي سمعها الناس كثيرًا، واستفاضت في أوساطهم، ولا مانع أن أذكر لكم كلمة بعد حوار أجريناه في مدينة من مدن ألمانيا في قضية الاقتصاد الإسلامي، وخرج معنا نخبة من كبار أساتذة الاقتصاد الإسلامي في العالم الإسلامي كله، خرجنا لنتحاور مع فريق من علماء الاقتصاد الغربيين، وكان على رأسهم عالم اسمه البروفيسور ألبخ، وهو من جامعة كولون في ألمانيا الغربية، وبعد حوار دام عشرة أيام في قضية اقتصادية، وقف هذا الرجل يقول: لست رجلًا شرقيًا تحركني العواطف، ولكني رجل يلزمني إقراري بالحقائق العلمية، فأقول لكم: إن إنقاذ العالم من مأساته الاقتصادية هو من عندكم معشر المسلمين، لكني علمت من خلال استماعي لكم أن المنهج الاقتصادي مرتبط ارتباطًا عضويًا بالعقيدة الإسلامية، فكأنكم تقولون لنا: اسلموا لنحل مشكلتكم الاقتصادية.

هذا الرجل يفطن لما لم تفطن له كليات التجارة في عالمنا الإسلامي، التي تقرر قضايا الربا وقضايا أخرى فيها انحراف معين.

 

الإعجاز العلمي

الإعجاز العلمي لهذا الدين -ولله الحمد- يظهر في كل يوم بجديد، وقد توافر لهذا الأمر نخبة كانوا في جامعة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، وسعدت بأن صحبتهم فترة بتمثيل جامعتي في هذه اللجنة، وكنت أستمع إلى الإعجاز العلمي الموجود في القرآن، والتقيت ببعض العلماء في المؤتمرات العلمية البحتة كالشيخ محمد الصالح العثيمين، وذلك في المؤتمر الطبي السعودي الثامن، واستمعنا إلى الحقائق التي اكتشفها العلم، ثم تعرض على العلماء في آيات قرآنية وأحاديث نبوية، فيذهلون منها، وفي آخر المؤتمر الطبي السعودي الثامن أسلم عالم من كبار علماء الأجنة، أعلن إسلامه وقال: يستحيل أن تكون هذه الحقائق التي استمعنا إليها في علم الأجنة قد جاءت بحكم الصدفة أو أنها من عند بشر؛ لأني أعلم أنا ومن معي من العلماء أن علم الأجنة ما أصبح علمًا يدرس كعلم يعترف به إلا قبل نحو خمسين أو ستين عامًا، وهذه الحقائق توجد عند المسلمين من قبل ألف وأربعمائة سنة!

وقد أثبت المتخصصون في هذا الجانب أكثر من سبعين حقيقة علمية في علوم مختلفة تحدث القرآن أو السنة الصحيحة عنها قبل ألف وأربعمائة سنة! من ذلك قول الله تعالى: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:15-16]، كنت من قبل أتساءل: كيف تكون الناصية -وهي مقدمة الرأس- كاذبة خاطئة؟! وكنت أقول في نفسي: لو قال: لسان كاذب خاطئ، أو يد كاذبة خاطئة؛ لكان ذلك معقولًا، لكن قوله: ناصية أمر غريب! وكنت أقول: آمنا بالله، فإني لم أدرك معنى ذلك لقصوري، حتى التقى أحد إخواننا بعالم من كبار علماء العقل، وإذا به يحدثه عنه فيقول له: إن العقل مقسم إلى عدة فصوص، والفص الجبهوي منه -الذي في مقدمة الجبهة- هو الفص الذي يصدر الأوامر السلوكية لكل الحواس، فهو الذي يأمر اللسان بالكذب، ويأمر اليد بالبطش أو السرقة، فصدق الله إذ يقول عن هذه الناصية التي فيها القيادة العليا، واللجنة المركزية: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:16].


المخلوقات آثار دالة على صفات الخالق

هناك الحجج العقلية القاطعة التي تدل على أن كل ما نشهده مخلوق لخالق قادر سبحانه وتعالى، فهذه الحجج تتمثل في أن لكل فعل فاعلًا، وأن الفعل مرآة لقدرة فاعله ولبعض صفاته، فأنا أستطيع أن أتصور أن هذا الكأس صنع في مصنع، وهذا المصنع فيه الأدوات الأولية لتصنيع البلاستك، وفيه مجموعة من الكئوس المصنعة الموجودة، ثم جيء به إلينا في هذا المكان، فهذه التصورات استطعت أن أتعرف عليها من خلال معرفتي لهذا الكأس، فأنا أعرف الصانع من خلال مصنوعه.

ويوم أن أشهد هذا الإنسان في خلقته السوية، أعلم أن من رحمة الله به أن خلقه في أحسن تقويم، فإنه فجر فيه أنهارًا أربعة في الوجه: دمع في العين، ولعاب في الفم، ومخاط في الأنف، وشمع في الأذن؛ فأعلم أن وراء هذه الحكمة حكيم، وأن هذه الحكمة لا تكون إلا من الله الخالق الرازق المدبر سبحانه وتعالى.

كل هذه الأدلة بأجمعها أدلة تشهد بأن الله هو ربنا، وأن المبلغ عن الله عز وجل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن ما طلب منا أن نستجيب له هو هذا الدين الذي نستسلم له.. وهي أصول ثلاثة أقام هذا الدين عقيدة المسلم الإيمانية وتصوره الاعتقادي عليها. فهو يشهد أن الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي منبثقًا من شهادته اليقينية أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله


الأمة الربانية


الأستاذ عمر : أيها الإخوة! لا يشاركنا أحد من غيرنا من الأمم في الوقت الحاضر في أننا أمة ربانية في عقيدتها وتصورها وتشريعها وأخلاقها وقيمها؛ لأن ذلك كله منزل من عند الله تبارك وتعالى، حتى ثقافة هذه الأمة إنما هي نتاج تفاعل هذه الأمة مع هذا الدين وهذا التشريع، والأمم الأخرى تصوغ تشريعها ثم يحكمها تشريعها تمامًا، كما كان ينحت المشركون الصنم ثم يسجدون للصنم، وكذلك هم الآن ينحتون تشريعًا وقانونًا ثم بعد ذلك يحكمون القانون في رقابهم، إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا [العنكبوت:17]، فمما يخلقه البشر هو هذه التشريعات والقوانين.

وفي الماضي كانت توجد أمم لها تشريع إلهي رباني، أما في الوقت الحاضر فلا يوجد ذلك إلا في أمة الإسلام، فاليهودية دينها حرف، والنصرانية دينها حرف، وبقية الأمم لا تزعم أن لها دينًا ربانيًا سماويًا، وبقي التشريع الوحيد الصافي الخالص الذي لم يخالطه دخن، والذي لم يتأثر بتشريعات البشر؛ هو ما احتواه كتاب الله تبارك وتعالى وسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

إذًا: فالإسلام هو الذي صاغ عقيدتنا، وهو الذي صاغ شريعتنا، وقيمنا، وهو الذي رسم سلوكنا، فنحن أمة ربانية تنتسب إلى الله تبارك وتعالى في ذلك كله، فمن يشاركنا في ذلك؟ ومن يطاولنا أو يفاخرنا فيه؟

الأمم وضع أخلاقها، وقيمها، وتشريعاتها، ومفكروها، وعباقرتها، وأساتذة القانون فيها، والعادات والتقاليد التي ورثوها عن الآباء والأجداد، أما نحن فصنعنا الله تبارك وتعالى بهذا الدين، كما قال لعبده ورسوله موسى عليه السلام: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وهذه الأمة عندما تستقيم على منهج الله يكون الإسلام قد صنعها، وتكون أمة ربانية سماوية.

 


 

المصدر:

https://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=5674#175585

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الوسطية
اقرأ أيضا
طريقة القراءة | مرابط
تفريغات ثقافة

طريقة القراءة


أنت إذا تعلمت كيف تقرأ كلام العلماء صرت على الطريق الذي يمكن أن تكون منهم يوما ما ولذلك مسألة القراءة وكيف نقرأ وكيف نحاور ما نقرأ وكيف نفهم ما نقرأ وكيف نتعامل مع ما نقرأ: مسألة في غاية الأهمية ولو لم تعلم جامعاتنا طلابنا إلا طريقة القراءة لكان ذلك كافيا

بقلم: د محمد أبو موسى
397
قصص السلف ليست خيالية | مرابط
اقتباسات وقطوف

قصص السلف ليست خيالية


بعض الناس إذا سمع ما يذكر عن السلف عن سلف هذه الأمة من عبادة وتلاوة لا يصدق ويقول: هذا ضرب من الخيال هذا ليس بصحيح هذه مبالغات لكن لو جربه مرة لنفسه وجد الأمر ميسورا ويوجد الآن -ولله الحمد- من يعان على ذلك ويقرأ القرآن في ثلاث في الأيام العادية فضلا عن أيام المواسم موجود مع أنه يؤدي جميع ما عليه ما هو إنسان عاطل المسألة مسألة توفيق وتعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة لا أكثر ولا أقل ومن التجأ إلى الله بصدق أعانه أعانه على أمور دينه ودنياه.

بقلم: د. عبد الكريم خضير
209
السمة المركزية الغائبة | مرابط
تفريغات تعزيز اليقين

السمة المركزية الغائبة


كان الإنسان يفتش دائما ويقرأ ويطالع في سيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: ما هو المعامل الإيماني ما هو المكون العقدي ما هو الشيء الذي وجد عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم غائب عند أبناء المسلمين بحيث لو استطعنا أن نعزز من هذه القيمة في نفوسنا استطعنا أن نخلق حالة من حالات الحصانة من الذوبان في المعطى الحضاري الغربي كيف يستطيع الإنسان أن يحصن نفسه من ضغط هيمنة النموذج الثقافي الغربي؟

بقلم: عبد الله العجيري
376
عداء اليهود للمسلمين الجزء الأول | مرابط
تفريغات

عداء اليهود للمسلمين الجزء الأول


تمكن المسلمون من فتح الأندلس ثم خرجوا منها وليس ذلك بسبب قوة أعدائهم وإنما بتفرق كلمتهم وتجزئهم وانقسامهم فأزال الله سبحانه وتعالى دولتهم وخرجوا من تلك الديار بعد أن عمروها مئات السنين واليوم في وسط بلاد المسلمين تقوم دولة لليهود اغتصبت جزءا من ديار المسلمين في أول الأمر ثم زادت عليه فأخذت فلسطين كلها وأخذت أجزاء أخرى من بلاد المسلمين وهي تطمع غدا في احتلال الأردن وسوريا ومصر والعراق وتصل إلى منابع النفط وإلى المدينة المنورة وإلى خيبر حيث كان يقيم آباؤهم وأجدادهم في الماضي

بقلم: عمر الأشقر
1188
التكليف والحرية | مرابط
فكر مقالات

التكليف والحرية


من شروط التكليف طاعة وحرية وهذه بديهية يغفل عنها كثير من المجادلين في قضية القدر وفي قضية الإيمان وفي قضية التكليف والجزاء فيقصرون النظر على شرط الحرية ويهملون شرط الطاعة كأنه مناقض للجزاء وكأنه من اللازم عقلا أن يكون الجزاء مقرونا بالحرية المطلقة وهي في ذاتها استحالة عقلية بكل احتمال يخطر على البال في فهم خلق الإنسان

بقلم: عباس محمود العقاد
1780
مغالطة الإحراج الزائف | مرابط
تعزيز اليقين

مغالطة الإحراج الزائف


سألت مرة عددا من الطلاب الرائعين الذين أسعد بتدريسهم في الجامعة سؤالا وأردت أن يحددوا الجواب الصحيح: لأننا لا نرى بأعيننا نعيم القبر ولا عذابه فعندنا شخص يقول: أنا لا أؤمن بهذا لأنه يخالف العقل ونجد في مقابله شخصا آخر يقول: أنا أؤمن به ولو خالف العقل فأنت مع أي الرأيين في هذا؟.. فكانت الإجابة: نؤمن به ولو خالف العقل!

بقلم: د. فهد بن صالح العجلان
389