ما أنت في عالم الإلحاد

ما أنت في عالم الإلحاد | مرابط

الكاتب: سامي عامري

542 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

إنك شيء لا يُفكّر، ولا يحسّ، ولا يحبّ.. حتى ارتعاشة القلب استجابة لخاطر الحب، شيء لا قيمة له؛ ﻷنها مجرد استجابة آلية من كيان مادي لا يحمل عاطفة حقيقية في جوفه.. ولذلك على الملحد العاقل ألا يقول لزوجته: أنا أحبك! إذ هو لا يملك فؤادًا، وإنام عليه أن يقول لها بصدق: زوجتي.. إن الدوبامين قد أغرق النواة المذنّبة في دماغي. فما الحب غير عملية غير إرادية لها علاقة بالدماغ والهرمونات والأعصاب.. إننا -إلحاديا- لا نحب ولا نعشق، إنما نُظهر في أنفسنا مظاهر خادعة للحب في استجابة للكيمياء الفائرة فينا.. إننا هنا كائنات بلا عاطفة صادقة، وإنما هي كتلة من العضل تسمى قلبًا تدفع الدم في اتجاه العروق.

 

إن إنكار الإرادة الحرّة ليس قضية نظرية يتداول أطرافها المترفون ذهنيًا من الثرثارين، وإنما هي دعوى لها ضريبة عمليّة مُشاهدة؛ وهي اعتقاد الإنسان أنه لا حريجة من إيذاء الغير؛ ﻷن الفاعل مسلوب الإرادة، فما يجترحه من آثام لا يُحسب ضمن منكراته؛ ﻷنه لم يختره؛ فهو مجرّد آلية تستثمر البنية الفسيولوجية لصناعة مجموعة أعمال مادية تظهر على الجوارح دون اختيار واع.

 

وقد كشف باحثان من جامعتين أمريكيتين في دراسة لهما نُشرت في مجلة psychology science أن الإيمان بالجبرية يُعزّز ظاهرة الكذب والخيانة، من خلال تجربة تمّت على مجموعة من المشاركين تعرّضوا بكثافة لمفهوم الجبرية. وقد انتهى الباحثان إلى أن السّجال حول حرية الإرادة قضية لها تداعيات مجتمعية خطرة.

 

وذاك ما أكدته تجارب أخرى أجراها متخصصون، منها تجربة شارك فيها طلبة جامعات، قُدّمت فيها لهم تقريرات لعلماء يدافعون فيها عن إنكار واقعية حرية الإرادة، ثم طُلب من هؤلاء الطلبة أن يقدّموا وجبة طعام لمجموعة من الناس لا يحبّون الأكل المخلوط بالبهارات؛ فقدّموا لهم أكلا بهاراته كثيرة، رغم أنه قد قيل لهم إن الجالسين عليهم أن يأكلوا ما يُقدّم لهم دون خيار.

 

وقد لخص جري كوين حقيقة الأمر بصيغة إيجابية، عندما زعم في محاضرة له عنوانها: أنت لا تملك إرادة حرة.. في مؤتمر بعنوان: تصوّروا لو أنه ليس هناك دين! أن لإنكار وجود الإرادة الحرة فضيلة عظيمة، وهي أن تتخلّص من شعور الذنب كليّة، وتعيش بلا ضمير يؤنبك وأن تنتقل لتسويغ أنانيتك من لوم الأسرة أو الزوج أو المجتمع إلى ألا تلوم أحدًا؛ فآثامك بضعة من بنائك الفسيولوجي.

 

ذاك هو الملحد، يؤمن أنه آلة، وأنه آلة واعية تدرك أنها بلا إرادة، رغم أن الوعي يحتاج إرادة مدركة حتى تتمكن النفس من التقدم للوصول إلى فهم الواقع.. والملحد يؤمن أن عليه أن يتعايش مع خرافة الإرادة الحرة لأنه يعجز أن يختار أو يتحرك أو يرد الفعل إذا واجه حقيقة أنه بلا إرادة.. ثم هو يدعو إلى مجتمع أخلاقي، مع علمه أنه مجتمع مسلوب الإرادة وأن علمه أنه لا توجد إرادة حرة سيأكل من ضميره الذي يؤنبه إذا اجترح سيئة.

 

أن تكون ملحدًا هو أن تصنع خرافة، ثم تتعايش معها، وتجلد بسيف العلم من لم يتابعك في إيمانك بالخرافة.. وكل ذلك صارف عن فهم الحكمة في خلف الكون، والحكمة من رسالات الوحي.. نفي الإرادة الحرة من لوازم الإلحاد المادي، ومبطل لكل فضيلة أخلاقية أو معرفية يدّعيها الملحد.

 


 

المصدر:

سامي عامري، الإلحاد في مواجهة نفسه، ص85

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الإلحاد
اقرأ أيضا
السمة المركزية الغائبة | مرابط
تفريغات تعزيز اليقين

السمة المركزية الغائبة


كان الإنسان يفتش دائما ويقرأ ويطالع في سيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: ما هو المعامل الإيماني ما هو المكون العقدي ما هو الشيء الذي وجد عند صحابة النبي صلى الله عليه وسلم غائب عند أبناء المسلمين بحيث لو استطعنا أن نعزز من هذه القيمة في نفوسنا استطعنا أن نخلق حالة من حالات الحصانة من الذوبان في المعطى الحضاري الغربي كيف يستطيع الإنسان أن يحصن نفسه من ضغط هيمنة النموذج الثقافي الغربي؟

بقلم: عبد الله العجيري
376
شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج2 | مرابط
تفريغات

شرح حديث إذا أنا مت فأحرقوني ج2


قال المؤلف رحمه الله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت قال: خشيتك يا رب أو قال: مخافتك فغفر له

بقلم: محمد ناصر الدين الألباني
786
كن طبيبا لنفسك | مرابط
اقتباسات وقطوف

كن طبيبا لنفسك


اعلموا أنه من لم يحسن أن يكون طبيبا لنفسه لم يصلح أن يكون طبيبا لنفس غيره ومن لم يحسن أن يؤدب نفسه لم يحسن أن يؤدب نفس غيره. واعلموا أن من لم يعرف ما لله عزوجل عليه في نفسه مما أمر به ونهاه عنه ولم يأخذ نفسه بعلم ذلك كيف يصلح أن يؤدب زوجته وولده وقد أخذ الله عزوجل عليه تعليمهم ما جهلوه؟! وما أسوأ حال من توانى عن تأديب نفسه ورياضتها بالعلم وما أحسن حال من عني بتأديب نفسه وعلم ما أمره الله عزوجل به وما نهاه عنه وصبر على مخالفة نفسه واستعان بالله العلي العظيم.

بقلم: الآجري
194
يا حبذا نوم الأكياس | مرابط
اقتباسات وقطوف

يا حبذا نوم الأكياس


فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته ولا ببدنه والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح قال تعالى ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وقال لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وقال النبي التقوى ههنا وأشار إلى صدره

بقلم: ابن القيم
459
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج3


ومن عيوب الديمقراطية تعارض المصالح الفردية والمصالح الجماعية فإن الديمقراطية من حيث هي منهج ونظرية تصور لكل إنسان أنه سيحقق رغبته كما يراها بينما الواقع العملي لها هو أن الذي يحقق رغبته هم مجموعة محددة كما بينا أما الديمقراطية المستوردة التي استوردها كثير أو بعض بلدان المسلمين فقد أصبحت مطية وحذاء ونعالا ينتعلها هؤلاء متى شاءوا ويتركونها متى شاءوا فينتعلونها في مصالحهم ويقذفون بها في غير مصالحهم وأصبحت لعبة يتلاعب بها كثير من الناس

بقلم: عبد الرحيم السلمي
692
القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الثاني | مرابط
فكر مقالات العالمانية

القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي الجزء الثاني


عندما يجري الحديث عن القراءة العلمانية للتاريخ الإسلامي فإن الأمر يتجاوز الحديث عن وقائع معينة تمت روايتها وتدوينها في كتب التاريخ ليجري الحديث عن الأرضية التي يجري على أساسها تحليل واستنباط النتائج من الوقائع كما أن هذا يشمل المنهج المتبع في التحقق من تلك الوقائع إنه في المقام الأول حديث عن فلسفة التاريخ عن المنهج الذي يسلكه المحلل في قراءته وتوظيفه للأحداث التاريخية في نسقه التحليلي قبل المنهج المتبع في التحقق من صدق الرواية التاريخية

بقلم: يوسف سمرين
1391