كلام محرج للاختلاطيين

كلام محرج للاختلاطيين | مرابط

الكاتب: قاسم اكحيلات

487 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

هل مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد بغير تقارب لا يدخل في الاختلاط المحرم؟
هل المقصود بالاختلاط المحرم في كلام العلماء هو الامتزاج والتلاصق وتقارب الرجال بالنساء، وذلك مثل ما يوجد في عامة الأفراح، أو ما يوجد في الجامعات المختلطة من التقارب والتلاصق، أو ما يوجد في الموالد؟
هل مجرد وجود النساء والرجال تحت سقف واحدٍ بغير تقارب بأن يكون هؤلاء في جانب وهؤلاء في جانب ليس هو الاختلاط المنهي عنه في كلام العلماء أصلًا؟

مسألة التلامس

الجواب:
كلام محرج حقيقة، فلمس النساء والاحتكاك بهن ليس محل بحث الفقهاء في هذا الباب، لأن مستحله كافر إجماعا، قال حافظ المغرب في وقته ابن أبي راشد الوليدي: «وأما من غلب على ظنك أنه يعلم ذلك [يقصد الملاصقة] ويستبيحه، فهذا كافر يجب جهاده إن قدرت بيدك أو بلسانك، فإن لم تقدر فبقلبك وأما من يعتقد تحريم ذلك ويفعله فهو عاصٍ وأمره إلى الله إن لم يتب من ذلك وتغيير ذلك عليه مما يختص بالحاكم» (1)
وله نص آخر في تعليم الرجل للنساء سنذكره لك فلا تمل منا.

وقال أبو بكر محمد العامري: "اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب، فقد كفر..". (2) فمحاولة حصر كلام العلماء عن الاختلاط في الاحتكاك والتلامس فهم مغلوط.

الاختلاط لغة واصطلاحا

وربما نقلوا نصوصا من اللغة تفيد هذا، وحقيقة هذا نصف العلم، فالكلمة أوسع من ذلك، ففي المصباح المنير: «خلطت الشيء بغيره خلطا ‌من ‌باب ‌ضرب ‌ضممته إليه فاختلط هو وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات». (3)

وجاء في لسان العرب (4) "خلط القوم خلطا وخالطهم: داخلهم. وخليط الرجل: مخالطه. وخليط القوم: مخالطهم كالنديم المنادم، والجليس المجالس". وفي مقاييس اللغة (5) "والخليط: المجاور". قال ربنا: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ ‌الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: 24].

وكذا قول النبي ﷺ: «المؤمن ‌الذي ‌يخالط ‌الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (6)
وعن أنس قال: «كان رسول الله ﷺ ‌يخالطنا». (7)

أما في اصطلاح الفقهاء وهذا أهم من اللغة لأننا نتحدث عن مصطلح، فإنه يدل على اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد. قال الحسن البصري: «وإن اجتماع ‌الرجال ‌والنساء ‌لبدعة». (8)

لفظ الاختلاط في كلام العلماء

العجيب أن ابن رجب الذي توفي سنة (795هـ)، عبر عن كلام الحسن بـ(الاختلاط) فقد قال بعدما أنكر ونفى تواجد الرجال والنساء في مجلس واحد على عهد النبي ﷺ: «وأصل هذا، ‌أن ‌اختلاط ‌النساء ‌بالرجال ‌في ‌المجالس بدعة كما قال الحسن البصري». (9) فانظر رحمك الله كيف عبر عن اجتماع الرجال والنساء بـ(الاختلاط)، وهو يقصد كلام الحسن.

وقال خليل وهو العمدة عند المالكية: «‌وينبغي ‌أن ‌يفرد ‌وقتا أو يوما للنساء: كالمفتي والمدرس». (10)
فانظر لخليل فهو يتحدث عن فصل الرجال والنساء، وكل جنس له يومه، العجيب أن شارح الكتاب نص على أن مخالفة ذلك (اختلاط)، جاء في التاج والإكليل: «(‌وينبغي ‌أن ‌يفرد ‌وقتا أو يوما للنساء) أشهب: إن رأى أن يبدأ بالنساء فذلك له على اجتهاده ولا يقدم الرجال والنساء مختلطين، وإن رأى أن يجعل للنساء يوما معلوما أو يومين فعل». (11)

اجتماع الرجال والنساء بغير ملامسة

الوجه الثالث: تحدث الفقهاء عن اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد من غير ملامسة ومنعوا منه -وسمه ما شئت- قال الحسن البصري: «وإن اجتماع ‌الرجال ‌والنساء ‌لبدعة». (12)

وقال ابن العربي المالكي: «فإن المرأة لا ‌يتأتى ‌منها ‌أن ‌تبرز ‌إلى ‌المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده». (13)

وقال ابن قدامة الحنبلي: «‌والذكورية ‌شرط ‌لوجوب ‌الجمعة ‌وانعقادها، لأن الجمعة يجتمع لها الرجال، والمرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال». (14)

وقال ابن الهمام الحنفي: «غير أن ‌المرأة ‌إنما ‌تخالط ‌المرأة ‌لا ‌الرجل الأجنبي». (15)

وقال الغزالي الشافعي عند حديث عن مجالس الوعظ: «ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من ‌النظر ‌فإن ‌ذلك ‌أيضا ‌مظنة ‌الفساد والعادات تشهد لهذه المنكرات ويجب منع النساء من حضور المساجد للصلوات ومجالس الذكر إذا خيفت الفتنة بهن فقد منعتهن عائشة رضي الله عنها». (16)

وقال ابن أبي راشد الوليدي المالكي وقد سئل عن تعليم الرجل للنساء: «وأما مباشرتكم لهن لتعليم ذلك وإيقاظهن للتوبة من ذلك، وربما أذن لكم في ذلك أزواجهن، فهذا مما لا سبيل لكم إليه بوجه، وإنما يجب على مثلكم تعليم زوجته ما يلزمها من العقائد وفروع الشريعة. وأن مما يجب عليه أن يتعلم ما يجب على زوجته من ذلك في حق الله تعالى وفي حق نفسه، فتتعلم هي منه ما يلزمها من ذلك وما يلزمها التوبة منه، وما لا يلزم، وذلك أن زوجها بعد أبيها في حال البكارة هو المكلف بتأديبها بآداب الشريعة والقيام بأمرها كله.. وكون الزوج يأذن لكم في ذلك أو يوكلكم عليه فلا يجوز له ولا لكم ذلك، لأن ذلك مما لا تصح النيابة فيه مطلقاً وإن سألتكم عن شيء فلا يكون السؤال إلا من وراء حجاب كما أمر الله تعالى» (17)

من نصوص العلماء في منع الاختلاط

فأنت ترى حديث الفقهاء في تحريم اجتماع الرجال والنساء في موضع واحد، وهذا ما يسمى بـ(الاختلاط) فإذا أحببت لفظا غيره فلك ذلك، والمبنى لا يتغير بالأسماء.

ونصوص العلماء كثيرة تمنع الاختلاط في مجالات مختلفة وسنكتفي لك بذكر بعض المالكية:

- منع الاختلاط منذ النشأة في التعليم: قال سحنون المالكي:"وأكره للمعلم أن يعلم الجواري ولا يخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهم". (18)

وقال القابسي: “ومن صلاحهم، ومن حسن النظر لهم، أن لا يخلط الذكران واللإناث”. (19)
والعجيب أن هذا قول تقي الدين الهلالي، قال رحمه الله: “يجب أن تكون مدارس الإناث مفصولة عن مدارس الذكور من روضة الأطفال إلى شهادة الدكتوراه” (20)

-إجابة الدعوة: قال النفراوي المالكي عند موانع إجابة دعوة الوليمة: "(ولا منكر بين) أي مشهور ظاهر، كاختلاط الرجال بالنساء". (21)

-القضاء: جاء في منح الجليل: «‌وأما ‌المخدرات ‌واللاتي ‌يخشى ‌من ‌سماع صوتهن الفتنة بهن فيوكلن من يخاصم عنهن أو يبعث لهن في منازلهن ثقة مأمونا. ابن عرفة سحنون يعزل النساء على حدة والرجال على حدة». (22)

- الوصية فهي لا تنفذ: قال الدسوقي: «أو يوصي بإقامة مولد على الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من ‌اختلاط ‌النساء ‌بالرجال ‌والنظر ‌للمحرم ونحو ذلك من المنكر». (23)

-التجارة: جاء منح الجليل: «وتجوز ‌الشركة ‌بين ‌النساء ‌وبينهن وبين الرجال. اللخمي يريد إن كانت متجالة أو شابة ولا تباشره في التجارة لأن كثرة محادثة الشابة الرجل يخشى منها الفتنة، فإن كان بينهما واسطة فلا بأس». (24)
قال الغرياني: "تجوز شركة النساء فيما بينهن، وتجوز الشركة بينهن وبين الرجال.. ولا تخالط الرجال، بأن كان هناك محرم ينوب عنها". (25)

والنصوص كثير جدا تركنا أعظمها خوف السآمة، فهل يعقل أن هؤلاء العلماء خطأوا في فهم معنى الاختلاط!.


الإشارات المرجعية:

  1. [المعيار المعرب.(274/1)].
  2. [أحكام النظر.ص:278].
  3. [المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 177)].
  4. لسان العرب [293/7].
  5. مقاييس اللغة [209/2].
  6. [سنن ابن ماجه (5/ 160 ت الأرنؤوط)].
  7. [مسند أحمد (19/ 233 ط الرسالة)].
  8. [القصاص والمذكرين (ص301)].
  9. [تسلية نفوس النساء والرجال عند فقد الأطفال (ص7 بترقيم الشاملة آليا)].
  10. [مختصر خليل (ص219)].
  11. [التاج والإكليل لمختصر خليل (8/ 119)].
  12. [القصاص والمذكرين (ص301)].
  13. [أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 483)].
  14. [المغني لابن قدامة (3/ 204 ت التركي)].
  15. [فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته ط الحلبي (5/ 222)].
  16. [إحياء علوم الدين (2/ 337)].
  17. [المعيار المعرب.274/1]. 
  18. [آداب المعلم].
  19. [الرسالة المفصلة].
  20. [حكم الإسلام في الإختلاط.جمعية الإصلاح.ص:65].
  21. [الفواكه الدواني.322/2].
  22. [منح الجليل شرح مختصر خليل (8/ 306)].
  23. [الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 427)].
  24. [منح الجليل شرح مختصر خليل (6/ 251)].
  25. [مدونة الفقه 370/4].
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الاختلاط
اقرأ أيضا
الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج2 | مرابط
أبحاث الليبرالية

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج2


المراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي ووقف على أبرز محطاته وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة أزمة في المصطلح وأزمة في الخلفيات الفلسفية وأزمة في السلوكيات اليومية وأزمة في الالتزام بالقيم وأزمة في الاتساق مع المبادئ وأزمة في الاطراد وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطع...

بقلم: سلطان العميري
1381
الإسلام والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام والإيمان


ملخص: مقتطف من كتاب جامع العلوم والحكم يفسر فيه ابن رجب الحنبلي رحمه الله معنى الإسلام ومعنى الإيمان عند إفرادهما وعند الجمع بينهما فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها والإيمان هو الأعمال الباطنة وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل أي أن الإيمان داخل فيه العمل فكيف هذا يجيبنا ابن رجب رحمه الله على السؤال

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2106
دوران الإنسان حول نفسه | مرابط
فكر

دوران الإنسان حول نفسه


من سمات العصر عند كثير من الناس دوران الإنسان حول نفسه وتعليق نجاحه على شهرته أو بروز ذاته بين مجتمعه والشعور بأنه في معركة لتحقيق ذاته وكأن الذات شيء متردد بين الوجود والعدم ويجب خوض الصراع لإثباته عن طريق التمرد على المحيط والتفرد في الشكل والأفكار ومسار الحياة!

بقلم: د. طارق عنقاوي
298
مجتمع ما بعد التحضر | مرابط
اقتباسات وقطوف

مجتمع ما بعد التحضر


يبدو أن بريق كلمة التحضر أو التقدم قد أسر قلوب عامة الناس حتى ظنها الكثيرون من أسمى الأهداف التي من الممكن السعي إليها في الحياة ولكن الحقيقة أن الذي حدث هو العكس وباتت المجتمعات المتحضرة تتراجع إلى الوراء خصوصا في المجال الأخلاقي والإنساني وهذا مقتطف ماتع لمالك بن نبي يشير إلى هذه الإشكالية

بقلم: مالك بن نبي
2216
لحظة فداء | مرابط
فكر مقالات

لحظة فداء


كل ما نعرف من رحمة الأبوة والأمومة بأطفالهم فإنه سيذهب بها هول لحظة مشاهدة النار يوم القيامة فيتمنى الأب العطوف والأم الحنون أن يتخلصوا من هذه النار حتى لو أرسلوا فلذات أكبادهم إليها يقول الحق تبارك وتعالى في مشهد مرعب: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه أطفالهم الذين كانوا يفدونهم ويقدمونهم على أنفسهم ستأتي لحظة الفداء الكبرى التي تصعق فيها النفوس من شدة الهلع حين تسمع فوران نار يوم القيامة وشهيق لهبها وهي تأكل الناس والحجارة وأمام ذلك المشهد فإن الوالد يود لو يفتدي من عذاب يومئذ ببني...

بقلم: إبراهيم السكران
1311
النساء ضحية! | مرابط
المرأة

النساء ضحية!


قال ابن قتيبة: وكان بإحدى البلاد امرأة صالحة عاقلة وكانت معها فتاة فإذا أرادت الخروج من البيت تقول لابنها: اخرج مع أختك فإن المرأة دون رجل يحميها ويوسع لها الطريق كالشاة بين الذئاب يتجرأ عليها أضعفهم

بقلم: د. ليلى حمدان
207