فضل تعلم اللغة العربية

فضل تعلم اللغة العربية | مرابط

الكاتب: محمد حسن عبد الغفار

394 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

القرآن الكريم هو دستور هذه الحياة، والقرآن الكريم هو شرف هذه الأمة، ولا تعتز الأمة إلا بالتمسك بهذا الكتاب العظيم، الذي هو كلام الله جل في علاه.
إن الله جل في علاه أناط الشرف والقيادة والسيادة والريادة لهذه الأمة بهذا الكتاب، حيث قال جل في علاه: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء:10] أي: إن شرفكم وعلوكم وسيادتكم وقيادتكم وريادتكم لا تكون إلا بالكتاب.

 

ووافقت هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) ألا وهو كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

والسنة لا يمكن أن تفترق عن الكتاب، فكتاب الله هو عز هذه الأمة، والتمسك بكتاب الله شرف هذه الأمة، والقيادة والسيادة والريادة لا تكون إلا بهذا الكتاب، ولذلك قال عمر بن الخطاب عندما أرسل باعثه إلى مكة وجاء له بالوالي فقال له: من تركت أو من خلفت في مكة؟ قال: فلانًا من الموالي، قال: أتركته يتسيد عليهم؟ قال: إنه يحفظ كتاب الله ويعلم الفرائض، فقال له عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويخفض به آخرين).

 

فالناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جل في علاه ومراد الله في كتابه، وهذا لا يكون إلا باللغة العربية، ولذلك فإن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة على ذلك، ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن.

 

ونحن أعاجم لسنا بعرب، فكثير من كلمات المصنفين لا نستطيع أن نعرف معانيها إلا بالرجوع إلى المعاجم اللغوية، فاللغة العربية لها أهمية قصوى؛ لأنها من علوم الآلة التي بها استقامة اللسان، واستقامة اللسان ممدحة في الشرع، وكذلك العقل عن الله جل في علاه وفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

واللغة العربية فيها التقديم والتأخير، فيتقدم المفعول على الفاعل والخبر على المبتدأ، وهذا يجعلك تتوسع في فهم كلام الله جل في علاه، فعندما يقرأ القارئ قول الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فإن لم يعرف المفعول من الفاعل ولم يعرف سهولة هذه اللغة التي فيها التقديم والتأخير، وأن هذا التقديم فيه أسلوب الحصر، فإنه لا يعرف مراد الله جل في علاه، فيتعجب العامي من سماع هذه الآية ويقول: إن الله يخشى منهم؟ فهذا من الفحش؛ لأنه أخطأ ولم يتعلم العربية، فلو علم أن المفعول يتقدم على الفاعل علم معنى الآية، فـ(الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والعلماء: فاعل، فهم الذين يخشون الله جل في علاه.

ومن ذلك قول الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا [الحج:37].

 

فالتقديم والتأخير عندما يعرفه المسلم فإنه يفهم ويعقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده، ولذلك كان من الأهمية تعلم اللغة العربية، وكانت العرب قبل الإسلام أصحاب سليقة وفصاحة وبلاغة وشعر، فكان لهم علو كعب في اللغة العربية، وجاء الإسلام بفضل الله وبهذا الكتاب العظيم الذي ينظم ويرتب هذه اللغة ويجعلها في زيها الجميل الذي نراه الآن، والدين كله كان في الجزيرة العربية.

 

والعرب في الجزيرة العربية ينقسمون إلى عرب الشمال، وعرب الجنوب، ويسمى عرب الجنوب العرب العاربة وهم القحطانيون ومنهم الذين في اليمن أما عرب الشمال الذين هم من ولد إسماعيل وهم العدنانيون، واللغة التي كانت تجمعهم هي اللغة العربية، لكن كان هناك اختلاف في اللهجات، ولذلك نزل القرآن على سبعة أحرف كلها في اللغة العربية مع اختلاف ظاهره ( فتثبتوا ) كانت تقرأ ( تبينوا ) و(لامستم) تقرأ (لمستم)، و(أماناتهم) تقرأ (أمانتهم)، فهذا هو الخلاف في القراءات، ويجمعها أصول اللغة العربية.

 

ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد، ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فحدث الجهاد مع الأعاجم، ثم حصل السبي للعبيد والإماء، فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن، فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب، وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا، ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية؛ حتى لا يحدث اللحن في ديننا وفي كتاب ربنا، وهذا الذي أهال عمر بن الخطاب عندما جاءه أعرابي يطلب منه أن يقرأ عليه القرآن..

 

فأخذه رجل ليعلمه القرآن فأضاعه، فقرأ في سورة براءة قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] بخفض لرسوله) فقال الأعرابي: أبرأ ممن برأ منه الله جل في علاه، أي: يبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه التي تهدم الدين بأسره، فلما قال الأعرابي ذلك وسمعه عمر قال له: لا تقرأ هكذا، فقرأ عليه  أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] فقال: أبرأ ممن برأ منه الله ورسوله، ففهم الأعرابي لما شكل له التشكيل الصحيح فهمًا صحيحًا.
من هنا قال العلماء: إن عمر بن الخطاب أمر أبا الأسود الدؤلي أن يبدأ في وضع قواعد النحو والصرف.

 

وبعض العلماء قال بأن علي بن أبي طالب هو أول من أشار على أبي الأسود أن يضع القواعد في اللغة، ولا مشاحة في ذلك، فاللغة قد وضعت لها القواعد سواء بأمر عمر أو علي أو بسبب أبي الأسود الدؤلي. وأشهر النحاة الذين انبروا في ساحات اللغة عند أهل الإسلام منهم أبو الأسود الدؤلي وأيضًا أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وتلميذه العظيم في اللغة سيبويه وهذا الاسم فارسي، سيب معناه: التفاح، وويه: الرائحة، فإذًا سيبويه : رائحة التفاح، ونفطويه رائحة النفط أي: رائحة البترول، فأشهر النحاة سيبويه وأيضًا والفراء والكسائي.
ومهبط وضع قواعد اللغة كان في البصرة، وأهل العراق عندنا فرسان الميدان في اللغة وفي غيرها، فاللغة أصالة مهبطها البصرة، ولذلك ترى كثيرًا من المتمكنين يقولون: واختلف في هذه المسألة البصريون والكوفيون فأول علماء اللغة برعوا في البصرة، ثم تتلمذ على أيديهم أهل الكوفة، وأصبح الخلاف بين أهل الكوفة وأهل البصرة.


المصدر:

محاضرة شرح المقدمة الآجرومية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
أفنيت عمري في علم الكلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفنيت عمري في علم الكلام


يشتمل القرآن على مختلف أنواع الأدلة التي قد يصبو إليها الإنسان وكذب من قال أنه خلو من الأدلة العقلية فراح يسعى ويلهث وراءها في ظلمات الفلسفة ومتاهات الكلام ففي كتاب الله الدواء الشافي والدليل الكافي وهذا مقتطف عن أحد المتكلمين ينقله ابن القيم رحمه الله

بقلم: ابن القيم
1909
إرادة العبد | مرابط
تعزيز اليقين

إرادة العبد


حسنا هل لإرادة العبد وقدرته تأثير؟ فالجواب أن التأثير لفظ مجمل إن أريد التأثير المستقل عن الله فباطل وإن أريد التأثير السببي فهذا حق والتأثير السببي يكون بقدرة تامة وإرادة جازمة للعبد مع مشيئة الله بتوفيق العبد التي مدارها على الإعانة وحبس المانع المعارض عنه.

بقلم: إبراهيم السكران
410
الكتاب المعجز الجزء الثاني | مرابط
تعزيز اليقين

الكتاب المعجز الجزء الثاني


ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشائه لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه المدون في كتب السنة والحديث ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلا فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلاهما كلام بليغ لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده

بقلم: د منقذ السقار
696
تضخيم الألم | مرابط
اقتباسات وقطوف

تضخيم الألم


هذه العملية عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة تجعلك تؤمن أن ما حدث لك أكبر من قدرتك على التحمل فتشعر بالعجز والانهيار عند حدوث المشكلة وتصف المشكلة بألفاظ مبالغ فيها لا تساوي حجمها الحقيقي

بقلم: د إسماعيل عرفة
632
مفاهيم تحتاجها الأمة ج1 | مرابط
تفريغات

مفاهيم تحتاجها الأمة ج1


وأنا سأطرح بعض المفاهيم التي أشعر أن الأمة بحاجة لها وأخاطب بها كل مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا حاكما كان أو محكوما عربيا كان أو عجميا قريبا كان أو بعيدا يعيش في بلد محتل أو حر

بقلم: د راغب السرجاني
640
تجربة محاكم التفتيش الأوروبية على الشواطئ الإسلامية | مرابط
تاريخ

تجربة محاكم التفتيش الأوروبية على الشواطئ الإسلامية


شكلت المكائد الأوروبية للنيل من المسلمين والتنكيل بهم وتهجيرهم من الأندلس بداية موجة صليبية ثانية بعد الموجة الصليبية الأولى التي شنتها على بلاد الشام ومصر القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين فحقد الإسبان والبابوية على المسلمين والرغبة في الانتقام منهم في الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م جعلهم يؤسسون ما سمي في الأدبيات التاريخية بمحاكم التفتيش التي حاولوا نقل تجربتها من مدن الأندلس إلى شواطئ شمال إفريقيا المسلمة في المراحل اللاحقة فما هي محاكم التفتيش

بقلم: علي محمد الصلابي
2300