فجوة الإبداع

فجوة الإبداع | مرابط

الكاتب: علي محمد علي

561 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

 

ظاهرة فجوة الإبداع  creativity Gap ظاهرة ممكن تسبب إحباطا للمبتدئين ومع ذلك فغياب هذه الظاهرة قد يحرم المحترفين من مزيد التطور

 

أي شخص قرر يتعلم مهارة أو يمارس هواية معينة طبيعي يكون اتجه لهذه المهارة بعد فترة اهتمام ورغبة ومتابعة للمحترفين في هذه المهارة أو الهواية، خصوصًا إن حاليا أصبح من السهل متابعة المحترفين وأعمالهم في كل مجال بمنتهى السهولة، من خلال يوتيوب أو فيسبوك أو مواقع متخصصة بالمهارات.. متابعتنا للمحترفين وأعمالهم بترفع لدينا مستوى التذوق والحس النقدي في المهارة أو مجال العمل الذي نهتم به، يعني قدرتنا على التمييز بين الأعمال الجيدة والرديئة تصبح عالية، لكن المشكلة إن مستوى قدراتنا في المهارة دي ليس عاليا ﻷننا مازلنا في البداية ولم نكتسب الحرفية التي تمكننا من إنتاج عالي الجودة يتوافق مع ذوقنا وحسنا النقدي = وهذا يجعلنا ننظر لإنتاجنا بإحباط.

 

وبالتالي، فجوة الإبداع هي الفرق بين مستوى قدراتنا ومستوى تذوقنا أو حسنا النقدي.. عيب فجوة الإبداع أنها عندما تكون أكبر من اللازم تتسبب في يأس وإحباط المبتدئ ومن ثم انسحابه وتوقفه عن تعلم المهارة. طبعا السبب الذي يُكبّر الفجوة هو كثرة المتابعة مع قلة الممارسة الفعلية يعني تتفرج يوميا بالساعات على فيديوهات المحترفين ولكنك لا تمارس المهارة بنفسك بالقدر الكافي، وكثير مننا يقع في هذا الفخ لأن المشاهدة سهلة وممتعة بينما الممارسة عادة فيها صعوبة وتحديات.

 

مع ذلك فجوة الإبداع لها ميزة جيدة وهي إنها ضرورية للتطور وتحسين المهارة، يعني تخيل شخص حسّه النقدي ضعيف، في نفس مستوى قدراته، كونه مبتدئ طبيعي ينتج أعمال جودتها ضعيفة، لكن ﻷن حسه النقدي ضعيف فهو بينظر لأعماله على أنها جميلة ورائعة وبالتالي لن يحاول أن يطور من نفسه، فهو يرى عمله رائعًا، والغريب أن هذا قد يحدث مع المحترفين بعد فترة طويلة من الزمن، بعد ما يكون مستوى إنتاجه عالي الجودة فتكون فجوة الإبداع عنده صغيرة جدًا، وهذا ما يدخله في نطاق الراحة أو ما يسمى بالcomfort zone وبالتالي لا يوجد دافع قوي لمزيد من التطور.

 

يتضح من كلامنا إن وجود فجوة الإبداع في حد ذاته ليس بالمشكلة، بل هو ضروري، لكن المشكلة في حجم هذه الفجوة؛ لو الفجوة أكبر من اللازم = هذا يسبب الإحباط واليأس، بينما لو كانت صغيرة جدًا أو غير موجودة = فهذا يحرمك من التحسن والتطور.

 

أيه الحل؟

بالنسبة للمبتدئ = لا بد أن تمارس المهارة بمعدل أكبر من متابعتك للمحترفين وأعمالهم، يعني من الخطأ أن تشاهد يوميا لمدة ساعتين أعمال المحترفين لكنك لا تمارس المهارة إلا ساعة أو أقل، لا بد أن يكون وقت الممارسة أكبر.

 

بالنسبة للمحترفين = ممكن يكون صعب بعد الوصول لدرجة عالية من الاحتراف أن تستمر في رفع حسك النقدي بمعدل ملحوظ، ولكن من الممكن أن تسعى للتميز بالتنوع وتجربة أساليب جديدة، فتكون صاحب أسلوب وطابع مميز عن بقية المحترفين، وتحاول أن تجرب أشياء جديدة لم تجربها من قبل، فلا تكون فقط محترفًا وإنما تكون مبتكرًا أيضًا.

 

أفراد، بل وشركات كثيرة جدا لما استسلمت لنطاق الراحة الذي وصلت له بعد سنوات طويلة من العمل والاجتهاد ولم تحاول أن تجدد وتبتكر = انقرضوا، وظهر أفراد وشركات جديدة بمنتجات جديدة خطفت النجاح من القدامى الذين رفضوا تجريب أي شيء مختلف. (نموذج شركة نوكيا ثم الشركات الموجودة حاليا والأكثر انتشارا، آبل سامسونج ..إلخ)

 

نقطة أخيرة مهمة بخصوص فجوة الإبداع للذين يعانون من المثالية أو طلب الكمال perfectionism، لا بد أن تعرف أن الصورة الكاملة أو الرائعة في ذهنك مبنية على ذوقك وحسك النقدي الذي هو أعلى من قدراتك، ومن الطبيعي ألا يخلو العمل الذي تنتجه من العيوب من وجهة نظرك، لكن لا ينبغي أن يمنعك هذا من العمل، لا بد أن تعرف أن الطريق الوحيد لتحسين مستواك وجودة إنتاجك هو الاستمرار في الممارسة والعمل رغم العيوب الظاهرة لك، كذلك فالعمل لا يشترط فيه أن يخلو من العيوب أو يكون مثاليا حتى يحقق الهدف المطلوب.

 

في النهاية فجوة الإبداع ظاهرة طبيعية ومطلوب وجودها لكن بالحجم المناسب الذي لا يسبب الإحباط ويدفعنا للتطور باستمرار.
 

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#فجوة-الإبداع
اقرأ أيضا
هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني | مرابط
تاريخ فكر مقالات

هل يمكن أن نعيد رسم التاريخ الجزء الثاني


في حياة الشعوب كثير من المنعطفات التي غيرت مسار التاريخ صعدت بها إلى الأعلى أو هبطت بها إلى الأسفل والتاريخ -في نهاية الأمر- ليس إلا رجل وموقف وعبر سلسلة من الرجال والمواقف يكتب التاريخ أحداثه لذا فنحن قادرون على رسم التاريخ وأن نورث لأبنائنا تاريخا خيرا من الذي ورثناه عن أجدادنا فلقد ورثنا عنهم من الخبرة مالم يتوفر لهم كما سنورث أبناءنا من الخبرات ما يجعلهم قادرين على أن يورثوا أولادهم تاريخا خيرا مما ورثوه منا كل ذلك شريطة أن يتولى رسم المسار رجال يؤمنون بالتعايش بين بني الإنسان فيتصرفون...

بقلم: راغب السرجاني
1193
قصور العقول عن إدراك مسألة القدر | مرابط
مقالات

قصور العقول عن إدراك مسألة القدر


وقصور عقول البشر سبب لإنكار كثير مما لا تدركه من أحكام الله وأداره فالله خلق عقل الإنسان وجعله كالوعاء يحوي به وجعل الأوعية مختلفة لم يجعل للأوعية طاقة باستيعاب كل شيء فإن منها ما لا يصلح لها ومنها ما يمكن أن يحتوي منه بقدر وما زاد فاض. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله وطلبه أن يحوي كل شيء به وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني لو سكبت عليه طوته وضاع فيها وتحير.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
238
شبهات حول القرآن الكريم | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

شبهات حول القرآن الكريم


يناقش هذا المقال بعض الشبهات والأباطيل المثارة حول القرآن الكريم ومن أبرزها: ادعاء وجود أخطاء لغوية في نص القرآن الكريم وادعاء وجود أخطاء علمية أو آيات مخالفة لأمور علمية ثابتة والأخير هو ادعاء وقوع التناقض في نص القرآن والكاتب أحمد يوسف السيد يرد على هذه الشبهات الثلاث بالدليل الدامغ

بقلم: أحمد يوسف السيد
2339
لقاء العظيمين | مرابط
مقالات

لقاء العظيمين


تخيل معي أنه قد اجتمع اليوم أهم رمزين من رموز الفكر العربي أو أهم رجلين من رجال السياسة في في عالمنا العربي أو دع المقترح يكون أكثر مرونة ولنتخيل اجتماعا انعقد اليوم يضم أهم شخصيتين في العالم الإسلامي برأيك وفي تقديرك: ما هو الموضوع الذي تتوقع أن يفتح على طاولة الاجتماع

بقلم: إبراهيم السكران
833
العلم.. بين الإيجاز وكثرة البيان | مرابط
اقتباسات وقطوف

العلم.. بين الإيجاز وكثرة البيان


وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وزيد بن ثابت كيف كانوا كلامهم أقل من كلام ابن عباس وهم أعلم منه وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة والصحابة أعلم منهم وكذلك تابعوا التابعين كلامهم أكثر من كلام التابعين والتابعون أعلم منهم. فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال ولكنه نور يقذف في القلب يفهم به العبد الحق ويميز به بينه وبين الباطل ويعبر عن ذلك بعبارات وجيزة محصلة للمقاصد.

بقلم: ابن رجب الحنبلي
260
تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام


يبدو أن العداء الصريح للإسلام كان هو السمة التي ترسخت في الشخصية الجمعية الغربية وجاء ذلك نتاج الحروب الصليبية التي لم تتوقف على الصدام العسكري المسلح فقط وإنما نتج عنها الكثير من التشوهات الفكرية والثقافية التي ظلت باقية في المخيلة والعقلية الأوروبية فيما بعد

بقلم: محمد أسد
2064