شبهة حول الأمر بضرب الزوجة

شبهة حول الأمر بضرب الزوجة | مرابط

الكاتب: د منقذ السقار

686 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة:
قالوا: القرآن ظلم المرأة حين أجاز لزوجها أن يضربها: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: ٣٤).

الرد عليها:
سبق لنا التعرف على منهج القرآن في التعامل مع المرأة، ورأينا ما فيه من التكريم والإجلال الذي عزَّ أن نجد مثيله في كتب الآخرين، فهذا هو الأصل في معاملة المرأة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان نموذجًا لهذا الأصل «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (1)، وصفته أم المؤمنين عائشة: (ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قط بيده، ولا امرأة ولا خادمًا؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل) (2).

وهكذا، فالأصل تكريم المرأة، لكن للقاعدة شواذ، فالإنسان مكرم، لكن اللص والمجرم يهان، والأصل- في الإنسان- حفظ حياته، أما القاتل فيقتل، والأصل في المرأة تكريمها، لكن الناشز المستخفة برباط الزوجية تُضرب وتؤدب إذا لم تنفع معها وسائل الإصلاح، ولو قَتلت تُقتل.

وقد أذن القرآن الكريم للزوج بتأديب زوجه، بل أوجب عليه ذلك، فلو كانت زوجة الواحد منا لا تصلي مثلًا أو امرأة ناشزًا؛ فإن الزوج يندب إلى وعظها، ثم هجرها إن أصرت على النشوز وتدمير الحياة الأسرية، فإن لم ترعوي فإن الله أذن له بضربها ضربًا خفيفًا غير مبرح.

وهذا التأديب- كما سبق - ليس أصلًا في معاملة المرأة، بل هو خاص بالزوجة الناشز سيئةِ الخلق والدين، وهو نوع من الرحمة بها والوقاية لها من حساب الله وعقابه، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ الله كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء: ٣٤)، فالضرب آخر وسائل الإصلاح، ويكون بعد الوعظ والهجر واستفراغ الجهد في التقويم والإصلاح.

وحين نتحدث عن الضرب تدور في مخيلة البعض النماذج السيئة التي يئن العالم في شرقه وغربه منها، فقد أصبح العنف مع النساء والقسوة معهن مرضًا عالميًا مزريًا بالإنسان اليوم، وهو بالطبع مما يحرمه القرآن الذي لا يأذن بالضرب المبرح، فالجائز في ضرب الناشز؛ الضرب غير المبرح، وقد مثلوا لها بضربها بالسواك، وهو عود صغير لو ضرب به طفل لما تأذى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - منبهًا على قدر الضرب المسموح به: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (3).

أما الضرب المبرح الذي يترك أثرًا على الجسد فهو حرام، وبخاصة إذا كان على الوجه، فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضرب الحيوان على وجهه، فما بالنا بالزوجة: «أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها» (4).

ولما دخل معاوية القشيريُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعه يؤكد على حقوقها ويقول: «لا تضربِ الوجه، ولا تقبِّحْ، وأطعمْ إذا أُطعمت، واكسُ إذا اكتسيت، ولا تهجُر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض؛ إلا بما حل عليهن» (5).

وذمًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأولئك الذين يضربون زوجاتهم وقف - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يوصي بالنساء، فيقول: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها من آخر يومه» (6).

وذات مرة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يشكو زوجته، فقال: يا رسول الله، إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وإيذائها؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «طلقها». فقال: يا رسول الله، إنها ذات صحبة وولد؟ قال: «فأمسكها وأْمُرها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك ضربَك أَمتَك» (7)، فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن ضربها رغم سوء معاملتها وخلقها.

وخشية من وقوع بعض الأزواج في الظلم والتعدي والتعسف في التأديب قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تضربوا إماء الله»، لكن بعض الزوجات أسأن إلى أزواجهن، إذ لا يصلح حالهن إلا التأديب، فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئِرنَ النساءُ على أزواجهن (أي نفرن واجترأن)، فرخص - صلى الله عليه وسلم - في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» (8).

وهكذا نرى وصاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لكل حر شريف أن يتقي الله تعالى في زوجه، وأن يعف لسانه ويكف يده بالأذى عنها، كما كان يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ما ضرب زوجًا ولا قبحها، وأما أولئك المسيئون الذين يضربون زوجاتهم فحسبهم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم أنهم ليسوا من خيار المؤمنين، فخيرهم خيرهم لأهله، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرنا لأهله.

لقد أوجب القرآن العشرة بالمعروف حال الحب والكراهية {عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: ١٩)، فإن وقع طلاق ثم انتهت عدتها؛ فإما أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: ٢٢٩).

وهذه العشرة بالمعروف للزوجة تصبح ميزانًا للخيرية عند الله يستبق فيه المسلمون إلى محبة الله ورضاه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (9)، وفي رواية: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا وألطفُهم بأهله» (10)


الإشارات المرجعية:

  1. أخرجه الترمذي ح (٣٧٩٥).
  2. أخرجه مسلم ح (٢٣٢٨).
  3. أخرجه مسلم ح (١٢١٨).
  4. أخرجه أبو داود ح (٢٥٦٤).
  5. أخرجه أحمد ح (١٩٥٤١).
  6. أخرجه البخاري ح (٤٩٤٢)، ونحوه في مسلم ح (٢٨٥٥).
  7. أخرجه أبو داود ح (١٤٢)، وأحمد ح (١٥٩٤٩).
  8. أخرجه أبو داود ح (٢١٤٦)، وابن ماجه ح (١٩٨٥).
  9. أخرجه الترمذي ح (٣٧٩٥).
  10. أخرجه الترمذي ح (٢٦١٢)، وأحمد ح (٢٣٦٨٤).

المصدر:
د. منقذ بن محمود السقار، تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين، ص270

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
تربية الأبناء: مآلات الإهمال | مرابط
فكر

تربية الأبناء: مآلات الإهمال


زوجتك وأسرتك أولى بوقتك من أي أحد وينبغي أن تكون سعادتك معهم وبهم لابد أن تكثر الكلام والجلوس والأنس واللعب معهم وأن يكون لديك معهم أعمال نافعة تجتمعون عليها ويشاركونك وتشاركهم وكل من أهمل بيته أو انفصل عنهم سواء بهاتفه أو على المقهى أو عند أصحابه فسيجد آثار ذلك الإهمال عليهم وعليه

بقلم: حسين عبد الرازق
373
الإنجاز اليومي | مرابط
مقالات

الإنجاز اليومي


التمهيد لابن عبدالبر الفتح لابن حجر المغني لابن قدامة إلخ.. لم تكن وليدة شهر ولا سنة ولكنها خلاصة عمر ومشروع حياة نراها في نسختها الأخيرة فنتعجب من قدرة أصحابها التصنيفية - وحق لنا ذلك - لكنا لو نظرنا إلى تدرج تأليفها لعلمنا أن رأس مال الأمر في الجد والمصابرة

بقلم: مشاري الشثري
367
عن ركعات قيام الليل | مرابط
مقالات

عن ركعات قيام الليل


قيام رمضان لم يؤقت النبي فيه عددا معينا بل كان هو لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد على الركعات

بقلم: حسين عبد الرازق
439
لا أحد يملك الحقيقة المطلقة | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

لا أحد يملك الحقيقة المطلقة


من المقولات الفكرية الرائحة على كثير من الألسنة قولهم: الحقيقة نسبية أو لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة أو أن الحق ليس حكرا على أحد ونحو ذلك من عبارات تكشف عن رؤية سيالة تلغي وجود معيار ثابت يميز من خلاله الحق عن الباطل أو الصواب من الخطأ فما هو حق عندك لا يلزم أن يكون حقا عند غيرك ولا أن يكون حقا في الأمر نفسه والعكس بالعكس وعليه فلا يصح مصادرة آراء الآخرين أو الجزم بخطئهم فالحق في النهاية نسبي وهي وجهات نظر ليس إلا

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
3979
نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات

نسف شبهات عدنان إبراهيم حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة ج2


أثار عدنان إبراهيم في إحدى حلقاته الكثير من الشبهات حول الصحابي بسر بن أبي أرطأة وزعم أنه قتل طفلين ثم جنت أمهما من هول المنظر ثم ادعى بأنه باع نساء المسلمين سبايا في أسواق النخاسة فكانت المسلمة العفيفة تكشف عن ساقها ليرى ليستطيع الناظرون تثمينها وكل ذلك لأنهن كن في معسكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فما حقيقة هذه الشبهات هذا ما يناقشه المقال

بقلم: أبو عمر الباحث
1752
عليك بدين الصبي | مرابط
تعزيز اليقين

عليك بدين الصبي


والأصل الجامع في هذا الباب أنه ما ابتدعت في الإسلام بدعة إلا كان لها مقدمات تنبوا عنها أفهام المخاطبين الذين يتلقون الخطاب فطريا بلا تكلف ولا تعسف فلا يسلم بها من بقي على الأصل الذي يأتي عليه خطاب الوحي وإنما لابد أن ينحرف المبتدع عما يقبله عموم المخاطبين إلى ما لا يقبل إلا مع قيود خارجة عن اعتبار الخطاب على أصله.

بقلم: عبد الله القرني
799