الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي

الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي | مرابط

الكاتب: نزار محمد عثمان

3013 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

شاع استعمال مصطلح الجندر أو الجندرة في أدبيات العديد من الأقلام -خاصة النسائية– وتم تداوله على نطاق كبير بمعنى مخالف لمعناه الحقيقي، والغريب في الأمر أن غالب هذه الأقلام لا يعوزها سعة الإطلاع ولا حسن الفهم، الشيء الذي يجعل تغليب حسن الظن أمرًا متكلفًا!! فما الدافع ترى لهذا التزييف؟ أهو تمرير أجندة مشبوهة تحت ستار تقدُّمي مقبول؟ أم هو استجابة لشهوة حب الظهور في المقاعد الأمامية لقطار النظام العالمي الجديد، والانشغال بالتلويح باليدين -للجمهور المتفرج- عن النظر لما بداخل القطار؟ مهما يكن من سبب فإن دعاة الجندرة يعملون على تقويض أساس المجتمع "الأسرة" أدركوا ذلك أم جهلوه، فالله الله في لبنة بناء المجتمع.

 

المصطلح والمعنى:

 

أصل المصطلح هو الكلمة الانجليزية "Gender"، وتعرف الموسوعة البريطانية الهوية الجندرية "Gender Identity" بأنها: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية تطابق الخصائص العضوية، لكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية (أي شعوره الشخصي بالذكورة أو الأنوثة)… وتواصل التعريف بقولها: "إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة -ذكر أو أنثى- بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كُلّما نما الطفل.

هذا يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسيًا فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيدًا عن الإناث ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي. وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث.
وتواصل الموسوعة البريطانية تعريفها للجندر "كما أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية -الذكورة أو الأنوثة- حيث يتم إكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، إذ أن أنماط السلوك الجنسي والغير نمطية منها أيضًا تتطور لاحقًا حتى بين الجنسين..."!! [1].

أما منظمة "الصحة العالمية" فتعرفه بأنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية" بمعنى أن كونك ذكرًا أو أنثى عضويًا ليس له علاقة باختيارك لأي نشاط جنسي قد تمارسه فالمرأة ليست إمرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور، ويمكن حسب هذا التعريف أن يكون الرجل امرأة.. وأن تكون المرأة زوجًا تتزوج امرأة من نفس جنسها وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضًا. [2]

 

تحريف التعريف:

 

أين هذا التعريف مما يقدمه لنا دعاة الجندرة.. إنهم يقدمون المصطلح بمعنى تحرير المرأة وترقية دورها في التنمية وبمعنى السعي لأجل إدخال إصلاحات لزيادة مساهمة المرأة في العمل وزيادة دخلها ونحو ذلك، وإن زادوا في الإنصاف عرفوا المصطلح تعريفًا غامضًا مبتسرًا وذلك بقولهم: مصطلح الجندر يعني: الفروقات بين الجنسين على أسس ثقافية واجتماعية وليس على أساس بيولوجي فسيولوجي [3]، وترجمة المصطلح للعربية تختلف من مكان لآخر، فبعضهم يترجمه بـ "النوع الاجتماعي" والبعض الآخر يجعله مرادفًا لكلمة Sex، والأغلب الأعم يكتفي من ترجمة الكلمة بتحويل الأحرف الإنجليزية إلى مقابلاتها في العربية!!

هذا الغموض المتعمد لترجمة مصطلح الجندر للغة العربية كان واضحًا في كل وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، بل إن النسخة الأنجليزية لمؤتمر بكين الدولي ذكرت المصطلح 254 مرّة دون أن تعرفه!! وتحت ضغظ الدول المحافظة تم تشكيل فريق عمل لتعريفه و خرجت لجنة التعريف بعدم تعريف المصطلح!!!
أما في مؤتمر روما لإنشاء المحكمة الدولية عام 1998 فقد وردت عبارة "كل تفرقة أو عقاب على أساس "الجندر" تشكل جريمة ضد الإنسانية"، وبعد اعتراض الدول العربية تم تغير كلمةGender لكلمة Sex في النسخة العربية وبقي الأصل الإنجليزي كما هو. [4] والدعوة بعد مطروحةٌ لدعاةِ الجندرة أن يُعرِّفوها لنا إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته الموسوعات اللغوية والمنظمات الصحية.

 

الجندرة الخطر الماثل:

 

إن دعاة الجندرة في عالمنا الإسلامي -أدركوا أم لم يدركوا- يروجون لأفكار خطيرة أهما:


أولًا: رفض أن اختلاف الذكر والأنثى مِن صنع الله (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمني) [سورة النجم: 45-46].
ثانيًا: فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها.
ثالثًا: الإعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية "Non Stereotyped families"!! والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان.
رابعًا: العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط ومحضن التربية الصالحة ومركز القوة الروحية ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي.
خامسًا: إذكاء روح العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء - اليمن، فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث، ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات في هذا المؤتمر الدولي على تصويب أبي الأسود الدؤلي لابنته عندما قالت : ما أجملُ السماء، وأرادت التعجب ، فنبهها أن النصب هو الصواب، علّقت الباحثة قائلة معترضة على التصويب: ألم يكن أحدٌ قبلها قد أخطأ!! [5]
سادسًا : التقليد الأعمى للاتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة: والتي امتدت حتى شملت الموقف من الذات الإلهية في بعض الأحيان، فكما سمعنا أن جمعية الكتاب المقدس أصدرت ترجمة جديدة للكتاب المقدس تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر [6] سمعنا في مؤتمر صنعاء المشار اليه آنفًا من تقول [7]: "إن أقدم كتاب كرّس محو الأنثى وكرّس سلطة الذكورية كان في التوراة ابتداء بفكرة الله المذكرة" تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
سابعًا: رفع المسؤولية عن الشواذ جنسيًا وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، و هذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية أحيانًا وتأتزر بلباس بعض الأبحاث المغرضة - التي ترى أنّ هناك سببًا فسيولوجيًا في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ - أحيانًا أخرى، وكِلا القولين مردود، ذلك أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة (المجتمع، تجارب الطفولة، الشيطان، ... الخ) تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ لكن كما يقول د. ستيفن أر.كوفي: "بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار" [8]، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه.

 

ختامًا:

 

الجندرة شرّ بادئٌ في بلدنا، له دُعاته العالمون ببواطنه، كما له أبواقه من الذين يهرفون بما لا يعرفون، فكم نَضَحَت وسائل الاعلام بأصواتٍ تناقش مواضيع قَوَامَة الرجل، والعلاقة بين الجنسين ونحو ذلك من فاكهة مجالس الثقافة في أيامنا هذه بنظرة غربية بعيدة عن الإسلام، هذه النظرة المتنامية بفعل عوامل عديدة - ليس المجال مجال تفصيلها -، خطر ماحق يتهدد مرجعيتنا، ويعمل على مسخ شخصيتنا، ويخدم أعداء أمتنا، لذا لزم التذكير (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة) [سورة الأنفال: 42].
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج
طريقان شتى مستقيم وأعوج

 


 

الإشارات المرجعية:

  1. حتى لا يظن أحد أننا تجنينا على دعاة الجندرة في الترجمة نرجو الرجوع لموقع الموسوعة البريطانية : Encyclopedia Britanica على شبكة الانترنت
  2. انظر مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة للباحثة صباح عبده ص5.
  3. انظر وثائق المؤتمر العالمي للسكان والتنمية تحت العنوان الجانبي ترجمة مصطلح الجندر.
  4. مشروع الجندر من وثائق الأمم المتحدة ، مرجع سابق ص7.
  5. وإن تعجب فعجب هذا التعصب الذي يبعث على السخرية.
  6. مفكرة الإسلام نقلاً عن الواشنطن بوست.
  7. هي الباحثة الأردنية زليخا أبو ريشة، أنظر النسوية النوعية في سطور للباحثة صباح عبده.
  8. انظر مقالنا بعنوان التغيير بين المسؤولية والانفعالية.

 

المصدر:

  1. http://www.saaid.net/Doat/nizar/22.htm
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الجندرية
اقرأ أيضا
قضية اللغة العربية الجزء الثالث | مرابط
فكر مقالات لسانيات

قضية اللغة العربية الجزء الثالث


قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أن حياة هذا العالم العربي الإسلامي كانت تسير على نمط مألوف معروف لا يكاد يستنكره أحد: في العقيدة العامة التي تسود الناس وفي الدراسة في جميع معاهد العلم العريقة وفي التأليف والكتابة وفي حياة الناس التي تعيش بها عامتهم وخاصتهم من تجارة وصناعة كل ذلك كان نمطا مألوفا متوارثا فجاء هؤلاء الخمسة ليحدثوا يومئذ ما لم يكن مألوفا وشقوا طريقا غير طريق الإلف وبيان ذلك يحتاج إلى تفصيل ولكني سأشير إليه في خلال ذكرهم إشارة تعين على تصور موضع الخلاف

بقلم: محمود شاكر
2206
ماذا نريد من المرأة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

ماذا نريد من المرأة ج1


سفيان رحمه الله كان ثمرة أم صالحة روى الإمام أحمد بسنده عن وكيع قال: قالت أم سفيان لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي أي: تكفيه نفقته وشئون حياته حتى يتفرغ للعلم وقالت له توصيه: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك

بقلم: محمد الدويش
488
حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3 | مرابط
تفريغات

حكم قطز والاستعداد لمواجهة التتار ج3


صرح قطز لأمرائه أنه ما طلب الملك إلا لحرب التتار فبدأ الأمراء المماليك يترددون فقد وصلت أنباء التتار المخيفة عن حرب التتار لكن قطز رحمه الله بدأ يضرب لهم مثلا رائعا في فهمه للإسلام ويعطي لهم قدوة راقية في الجهاد لقد أعلن قطز لهم أنه سيذهب بنفسه لحرب التتار ويكون مع جنوده في قلب المعركة ولن يرسل جيشا ويبقى هو في عرينه بمصر بل سيذوق مع شعبه ما يذوقون ويتحمل ما يتحملون ولو أرسل قطز جيشا وبقي هو في القاهرة ما لامه أحد ولكنه لم ير هناك وسيلة أفضل من ذلك لتحميس القلوب الخائفة وتثبيت الأفئدة المضط...

بقلم: د راغب السرجاني
593
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3 | مرابط
تفريغات

صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ج3


إن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض وشرع شرائع وأمر بلزومها ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
660
أطفال المؤمنين | مرابط
اقتباسات وقطوف

أطفال المؤمنين


مقتطف جميل من الرسالة التبوكية لابن قيم الجوزية يتحدث فيه عن أطفال المؤمنين وهم أتباع المؤمنين من ذريتهم الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا وإنما هم مع آبائهم تبع لهم وقال الله تعالى فيهم: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء

بقلم: ابن القيم
684
مختصر قصة التتار الجزء الرابع | مرابط
تاريخ أبحاث

مختصر قصة التتار الجزء الرابع


سلسلة مقالات مختصرة تضع أمامنا قصة التتار وكيف بدأت هجماتهم على بلاد المسلمين وكيف تغيرت الأوضاع في بلادنا الإسلامية إثر هذه الهجمات فانهار المدن وانفتحت البوابات وظهرت شخصيات قيادية وقفت في وجه هذا الإعصار التتري الرهيب سنقف على الكثير من الفوائد والعبر والمواقف الفارقة وسنعرف تاريخ أمتنا وما مرت به من محن فالمستقبل لا يصنعه من يجهل الماضي

بقلم: موقع قصة الإسلام
1378