بين أهل الحديث وأهل الكلام

بين أهل الحديث وأهل الكلام | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

432 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نقد ما وقع فيه بعض أهل الحديث من الشذوذات المخالفة لمنهجهم:

(...وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم.

أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة، أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.
وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، بل قد يقولون القولين المتناقضين، ولا يهتدون للخروج من ذلك.

والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة، كالأحاديث الموضوعة، وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها، إذ كان إتِّباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث، وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن، والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين، ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا.

ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم، يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع، وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه، وربما تأولوه على غير تأويله، ووضعوه على غير موضعه.

ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا، وقد يكون منكرا من القول وزورا، وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل أوظالم، وقد رأيت لهذا عجائب.

لكن هم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، ولا ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما، لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم).

وهذا النقد الصريح والواضح من شيخ الإسلام ابن تيمية الذي هو من علماء أهل الحديث وأئمتهم لهذه المخالفات عند بعض أهل الحديث يبين أهمية تصحيح المنهج، وإعلان البراءة مما قد يشوبه من الخلل، وأن الانتصار مطلقا إنما يكون للحق من كل من جاء به، وأن من خالف الحق لم يقبل قوله مهما تكن منزلته ومكانته.

وهذا المبدأ لو صدقت جميع الطوائف في العمل به والسعي لتصحيح ما يقع لطوائفهم من مخالفات لكان ذلك سببا لاجتماع كلمتهم ونبذ خلافاتهم، وإنما يمنعهم من ذلك التعصب واتباع الهوى والتحزب الجاهلي والبغي والعدوان على المخالف، وفي مثل هذه الأحوال يضيع صوت الساعي لجمع الكلمة ونبذ الخلاف وتوحيد الصف ويذهب سدى.

ولا والله ما تميز الحق من الباطل، وما قامت الحجة على مخالف، مع التقليد الأعمى والتعصب واتباع الهوى، وإنما يذوق طعم اليقين من ألزم نفسه الصدق مع الله واتباع الحق إذا ظهر له، وأن يكون رضا الله عنده مقدما على رضا الناس مهما كانوا وممن كانوا.

وما أكثر ما تجده من المخارج والتعسفات عندما ينتقل الأمر من التنظير إلى التطبيق على واقع الأمة اليوم، فما أسهل أن تنادي بالمباديء وما أصعب أن تنقلها إلى واقع الناس.

وانظر كيف أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينسب تلك المخالفات لسائر أهل الحديث وإنما نسبها لبعضهم، كما لم يكتف بذكر ما رآه من مخالفات، وإنما أردفه ببيان منزلة أهل الحديث بين طوائف الأمة، وأن حالهم بين تلك الطوائف هو كحال المسلمين بين غيرهم من أهل الملل.

وبهذا التقرير على هذا الوجه تحقق العدل والإنصاف والجمع بين حماية منهج السلف من أن ينسب له ما ليس منه، وبين عدم المبالغة في بيان قدر المخالفة لمنهج السلف من بعض أتباعه حتى يؤثر ذلك على تفرد منهجهم واستقلالهم بالحق عن جميع الطوائف الإسلامية.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ابن-تيمية #أهل-الكلام #أهل-الحديث
اقرأ أيضا
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج2


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
631
أولياء الله ومزاعم ابن عربي | مرابط
اقتباسات وقطوف

أولياء الله ومزاعم ابن عربي


وأفضل أولياء الله تعالى أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول واتباعا له كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به وعملا به فهو أفضل أولياء الله إذاكانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم وأفضلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أبو بكر رضي الله عنه

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
759
مواجهة المشكلات | مرابط
تفريغات ثقافة

مواجهة المشكلات


ن اللجوء إلى الله جل وعلا هو من عتاد المسلم في الكروب وعلينا ألا نغفل عن هذا الجانب فلدى الله تعالى من أشكال المعونة وتفريج الكربات أكثر بكثير مما يظن الناس وأكثر بكثير مما يعرفون لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة ولنجعل منها مصدرا لتجديد الوعي واستخراج الإمكانات الكامنة ومصدرا للمراجعة والنقد الذاتي وبذلك تنقلب المحنة إلى منحة

بقلم: د عبد الكريم بكار
341
مقصود القصص القرآني | مرابط
اقتباسات وقطوف

مقصود القصص القرآني


مما صد أكثر هذه الأمة عن تفهم القرآن ظنهم أن الذي فيه من قصص الأولين وأخبار المثابين والمعاقبين من أهل الأديان أجمعين أن ذلك إنما مقصوده الأخبار والقصص فقط كلا وليس كذلك إن ذلك إنما مقصوده الاعتبار والتنبيه بمشابهة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد وتلك الأحوال والآثار

بقلم: فخر الدين أبو الحسن الحرالي
319
عن يوم عرفة | مرابط
تعزيز اليقين

عن يوم عرفة


في هذا اليوم أطل الدعاء والمناجاة اليوم اشك همك وبثك إلى الله أزح الهموم عن كاهليك وفوض أمرك إليه وكن على يقين من الإجابة إما أن يعطيك ما سألت أو يعطيك ما هو خير لك منه والله يعلم وأنتم لا تعلمون وتوسل إلى بابه بكلمة التوحيد كلمة لا يكذبها العمل فعلق قلبك به وحده ولا تطلب غير وجهه ولا تقصد سوى بابه ولا تعدل برضاه شيئا ..

بقلم: كريم حلمي
393
حول بيع وشراء القطط | مرابط
مقالات

حول بيع وشراء القطط


انتشر بين المسلمين اليوم ظاهرة شراء وبيع القطط والحيوانات بشكل عام فما حكم ذلك شرعا؟ يجيبك الدكتور قاسم اكحيلات ويوضح لك مذهب الجمهور وتفصيلات المسألة والصواب فيها.

بقلم: قاسم اكحيلات
333