مواجهة المشكلات

مواجهة المشكلات | مرابط

الكاتب: د عبد الكريم بكار

334 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

وهذه إضاءة لبعض النقاط التي تتعلق بمواجهة المشكلات أسوقها في الحروف الصغيرة الآتية:

 

الاعتراف بالمشكلة

أولًا: الاعتراف بالمشكلة على ما هي عليه، دون محاولة طمسها أو تشويهها هو الخطوة الأولى على طريق العلاج، صحيح أن الاعتراف بالحقيقة مر في كثيرٍ من الأحيان، لكن لا يمكن السير في طريق الشفاء من دونه.

 

إن التجهيزات الطبية مهما كانت ضخمةً ومتقدمة لا تعني أي شيء بالنسبة لشخصٍ يعتقد أنه سليم معافى، وإن كثيرًا من المشكلات شبيهة بالسرطان، حيث تتوقف درجة النجاح في معالجته على المرحلة التي يكتشف فيها. ولهذا فإن إهمال المشكلة لن يحلها، وإنما يجعلها تتجه نحو الأسوأ.

هناك أشخاصٌ كثيرون لا يرغبون في إجراء أي تحليلٍ أو فحصٍ طبي، خشية أن يكونوا مصابين بأمراضٍ تحتاج معالجاتها إلى تغييرٍ جذري في نمط معيشتهم، وكثيرٌ من الناس ينتابهم إحساسٌ صادق بوجود مشكلة في حياتهم دون أن يتمكنوا من تحديدها.

 

ويمكن القول: إن كل مشكلة يمكن توصيفها على نحوٍ جيد هي مشكلة محلولةٌ جزئيًا، وعلينا هنا أن نكون على حذر من أن نفكر في تحديد مشكلاتنا وتشخيصها ونحن في حالة خوف، أو اكتئاب حيث أن ذلك يجعل المشكلة تبدو كبيرة ومعقدة، على حين أن البحث فيها ونحن في حالة ثقةٍ وتفاؤل وراحةٍ من الضغوط يجعلها تبدو أصغر، وسوف تصغر أكثر فأكثر عندما نبدأ بمعالجتها.

 

تحدث إلى من تثق به

ثانيًا: مما يساعد على تحديد المشكلة أن يتحدث صاحبها إلى من يثق به ويعرفه، من أب، أو أخٍ كبير، أو زميل، أو صديق، أو طبيبٍ نفسي، أو متخصص في المجال الذي تنتمي إليه المشكلة.

 

ويظل لمشاورة الأصدقاء نوعٌ من الأهمية والخصوصية، فالأصدقاء القريبون جدًا يشكلون انطباعاتٍ واضحة عن أصدقائهم في العادة، وتلك الانطباعات تجعلهم قادرين على إلقاء المزيد من الأضواء على المشكلات التي يعاني منها أصدقاؤهم.

 

أوقات الإجازة والاستراحة أوقاتٌ ملاءمة للتفكير، حيث إن المشكلات تكون أكثر وضوحًا حين نكون بعيدين عنها، وأعرف كثيرًا من الناس الذين يكرهون الحديث عن الأزمات والمشكلات في أوقات الاستراحة والفراغ، حتى لا تنكد عليهم، ولا تعكر عليهم صفاءهم، ومع أن هذا صحيح إلى حدٍ ما، إلا أن الجو النفسي المريح يلائم البحث عن المشكلات أكثر من أي جوٍ آخر.

 

وإذا استطاع الواحد منا أن يحرر مشاعره لينظر في مشكلته على أنها مشكلةٌ إنسانٍ آخر، فإن ذلك سوف يساعد على تحجيم دور العاطفة، والميول الشخصية في المعالجة، وتناول المشكلة بقدرٍ أكبر من الحياد والموضوعية.

 

التركيز على مشكلة واحدة

ثالثًا: لا ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آنٍ واحد، بل إن المطلوب الآن أن يحاول الواحد منا تفتيت المشكلة الواحدة إلى أجزاءٍ عديدة، حتى يمكن فهمها والسيطرة عليها، وبالتالي معالجتها، كما تفعل مؤسسات تعبيد الطرق حين تقسم طريقًا طويلة إلى وصلاتٍ قصيرة. صحيح أن الأمر ليس بالسهولة التي نتصورها، كما أن الفصل بين المشكلات ليس في العادة من الأشياء الجذابة، إلا أن علينا أن نصرّ دائمًا على النجاح في ذلك.

 

بعض الناس يفعل العكس تمامًا، فهو يعمد إلى مشكلاتٍ متعددة ويدمجها في مشكلةٍ واحدة، أو يفسرها بعاملٍ واحد لتتحول الصخور إلى جبلٍ شاهق. وكل واحدٍ منا رأى في حياته أشخاصًا كثيرين يشكو الواحد منهم من العديد من الأزمات والمشكلات المنفصلة، فهو يشكو لك في آنٍ واحد من ألمٍ في ظهره، ومن ابنه الذي لا يطيعه، ومن الديون التي تراكمت عليه، ومن مديره في العمل، والذي يعامله معاملةً قاسية ...إلخ.

 

وهذا خطأٌ بالغ وهو يدل على أن من يفعل ذلك لا يريد حلولًا، ولكن يريد أن يبث شكواه ليس أكثر.. فعلينا ونحن نبحث عن حلول لمشكلاتنا أن ننتبه إلى أمرين:

الأول: أن نعرض عن المتشائمين والمثبطين الذين لا هم لهم سوى بث اليأس، ودلالة الناس على الطرق المسدودة. إن الله جل وعلا ما أنزل داءً إلا أنزل له دواء، وإن كل نظريةٍ أو رؤيةٍ أو مشورة أو فكرة تفضي بالناس إلى الحيرة والعطالة ليست بنظرية، وليست برؤية سديدة؛ لأنها تخالف المبدأ الثابت الذي ذكرناه.

 

الأمر الثاني: أن الذين يشكون من اجتماع المشكلات عليهم قد يكونون اختاروا المجال الخاطئ لنشاطهم، وهذا كثيرًا ما يحدث، وكم من شخص يمارس عملًا أو مهنة لا يملك فيها أي خبرةٍ أو أهلية، ولذا فإن ما يعده مصدر رزقه يصبح مصدرًا مستمرًا لتوليد المشكلات له، والحل الأمثل أن يتخلى الإنسان عن ذلك الميدان، أو ذلك النشاط، ويصير إلى غيره كما قال الشاعر:

إذا لم تستطع شيئًا فدعه     وجاوزه إلى ما تستطيع
وإلا فلن ينتهي من حل مشكلة إلا جاءته مشكلة أخرى.

 

خذ وقتك في التفكير

رابعًا: على الواحد منا أن يمنح نفسه الوقت الكافي للتفكير في المشكلة التي يعاني منها، ومن الطرق المفضلة في التفكير أن يسمح الإنسان لكل الأفكار والخواطر التي لديه بالتدفق والانسياب دون أن ينتقد أيًا منها، وبعد استدرار كل ما لديه وتسجيله، يبدأ بمناقشةٍ كل حلٍ على حدة، وبيان إيجابياته وسلبياته.

 

وعلى الواحد منا أن يثق ببصيرته وحدسه الشخصي، وقد ورد في الحديث: (استفت نفسك وإن أفتاك المفتون) ومن المفيد أن يتعاون مع أحد الأصدقاء أو أحد الخبراء في تقييم تلك الأفكار والحلول، وتجريب ما يقبل التجريب منها بصدقٍ وعزيمة، وفي الغالب سوف يجد المرء نوعًا من الانفراج في مشكلته، ونوعًا من التحسن في وضعيته العامة.

 

الحلول التي يقوم بها الآخرون

خامسًا: هناك خطأٌ شائع يقع فيه كثيرٌ من الناس في كل مكانٍ من الأرض، وهو الميل إلى الحلول التي يمكن أن يقوم بها الآخرون، أو يتحملوا جزءًا منها، ومع أن هذا صحيح إلى حدٍ ما، حيث إن من المشكلات ما يتعلق بأكثر من طرف، وعليهم أن يتعاونوا من أجل حلها، لكن كثيرًا ما يحدث أن يلقي كل طرف عبء الحل على غيره، وتكون النتيجة أن تبقى المشكلة من غير أي حل، وكأننا لم نفعل أي شيء.

 

وانطلاقًا من هذا فإن علينا إذا ما أردنا فعلًا أن نتخلص من مشكلاتنا، أن نبحث عن الحلول التي لا يتوقف تنفيذها على مشاركة الآخرين، ولا شك أن الحل آنذاك قد لا يكون مثاليًا، لكنه يظل أفضل من تعليق المشكلة إلى أجلٍ غير مسمى.

 

اللجوء إلى الله

سادسًا: إن اللجوء إلى الله جل وعلا هو من عتاد المسلم في الكروب، وعلينا ألا نغفل عن هذا الجانب، فلدى الله تعالى من أشكال المعونة وتفريج الكربات أكثر بكثير مما يظن الناس، وأكثر بكثير مما يعرفون. لنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة، ولنجعل منها مصدرًا لتجديد الوعي واستخراج الإمكانات الكامنة، ومصدرًا للمراجعة والنقد الذاتي، وبذلك تنقلب المحنة إلى منحة.


 

المصدر:

محاضرة العيش في الزمن الصعب

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المشكلات
اقرأ أيضا
الحضارة المتبرجة | مرابط
فكر مقالات

الحضارة المتبرجة


ولولا هذا التبرج الفاجر في هذه المدنية ولولا هذه الشهوات التي انطلقت تشرف من مسكرات الفن المتبرج ولولا هذه الغرائز الجامحة في طلب السيطرة لإدراك غاية اللذة لما كان النظام الاقتصادي الحاضر في هذه المدنية هكذا مهدما مستعبدا مستأثرا باغيا ولما تعاندت القوة الدولية هذا التعاند الذي أفضى بالعالم إلى الحرب الماضية ثم إلى هذه الحرب المتلهبة من حولنا اليوم وذلك في مدى خمسة وعشرين عاما لم يستجمع العالم خلالها قوته ولم يتألف ما تفرق إلا ليضيع قوته مرة أخرى ويتفرق

بقلم: محمود شاكر
1993
العنصرية الأمريكية ضد العرب 2 | مرابط
اقتباسات وقطوف

العنصرية الأمريكية ضد العرب 2


مقتطف من كتاب الحروب الهمجية يتحدث فيه الكاتب عن الرؤية الأمريكية للعرب والتي تقوم على العنصرية أو التعصب إذ يعد هذا هو المحرك الأبرز في التعامل مع كافة الأحداث ومن هنا توصف أعمال العنف التي يرتكبها الأمريكان أو إسرائيل على أنها دفاع عن النفس بينما أي عنف يرتكبه العرب يقع تحت وصف الإرهاب

بقلم: ستيفن سالايتا
639
فتنة النساء.. إصدار خاص | مرابط
المرأة

فتنة النساء.. إصدار خاص


بدأت أؤمن أن فتنة النساء بالنسبة للرجال ليست مقتصرة أبدا على الانجذاب الفطري لها بشكل محرم إذا لم تكن زوجة أو بشكل يؤدي إلى محرم إذا كانت زوجته ولكن يؤدي التعلق بها إلى حرام آخر في اكتساب المال أو عقوق الوالدين وغير ذلك.

بقلم: معتز عبد الرحمن
330
الاحتفال بعيد الميلاد الكرسمس | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر

الاحتفال بعيد الميلاد الكرسمس


في هذا المقال يناقش الدكتور منقذ بن محمود السقار إشكالية الاحتفال بالكريسمس وأعياد الكفار ويعرض لنا الكثير من الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية وكلها تدل على تحريم الاحتفال بأعياد الكافرين وتحذر من مشاركتهم أو التشبه بهم ووجوب اجتناب أفعالهم

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
2166
تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة | مرابط
فكر تفريغات المرأة

تصاعد قضية التحرش في البلاد المتحضرة


ماذا عن الفتاة في الجامعة أذكر حين دخلت جامعة هيوستن الأميريكية لإتمام الدكتوراه كيف وزع علينا كتيب فيه إحصائيات منها أن واحدة من كل ثلاث طالبات تتعرض للتحرش وما على الطالبة أن تعمله لتتجنب هذا وإن حصل فعلى أي رقم تتصل والأمر يزداد سوءا والنسب تتضاعف عالميا

بقلم: د إياد قنيبي
470
التأثر بالأصول الكلامية | مرابط
مقالات

التأثر بالأصول الكلامية


وأهل العلم بالحديث أخص الناس بمعرفة ما جاء به الرسول ومعرفة أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإليهم المرجع في هذا الباب لا إلى من هو أجنبي عن معرفته ليس له معرفة بذلك ولولا أنه قلد في الفقه لبعض الأئمة لكان في الشرع مثل آحاد الجهال من العامة.

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
389