عليك بدين الصبي

عليك بدين الصبي | مرابط

الكاتب: عبد الله القرني

612 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

روى الآجري في الشريعة واللالكائي في شرح الأصول وغيرهما عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال لرجل سأله عن الأهواء:
"عليك بدين الصبي الذي في الكتاب والأعرابي، واله عما سواهما".

وهذا الذي قاله عمر بن عبدالعزيز رحمه الله هو أصل عظيم، وبه يتميز الدين الواضح البين الذي أراده الله من جميع عباده على اختلاف مراتبهم في الفهم عن الشذوذات البدعية التي يدعي أصحابها التفرد بالحق مع مخالفتهم لمحكمات الدين وما يشترك في العلم به المخاطبون الذين لم يتلوثوا بشبهاتهم.

وإلا فكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخطابين الذين سلمت فطرهم عن شذوذات المبتدعة أن الإيمان بالله مقيد بما أحدثوه من دليل الحدوث وناقضوا به دلالة الحدوث الفطرية، فزعموا اشتراط إثبات الجواهر والأعراض وما ركبوه بعد ذلك من الاستدلال النظري على حدوثها بمقدمات هي في غاية العسر والإشكال حتى حصل لأذكياهم بسبب خفائها التوقف والحيرة في كثير منها، ثم إذا جاء الكلام في معاني نصوص الصفات جعلوا تلك المقدمات المخالفة للمنهج الفطري حاكمة على النصوص بما يؤدي إلى تأويلها أو تفويضها، بل يصل الأمر إلى تسويغ القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه، مع الجهل بحقيقة ما يؤول إليه هذا الافتراء الشنيع الذي لا يقبله عقل عاقل بقي على الفطرة التي خلقه الله عليها.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن تكون قدرة العبد بلا تأثير، وأن يكون المكلف مضطرا في صورة مختار، مع أن الناس يدركون بالضرورة التي يجدونها من نفوسهم أن أفعالهم مترتبة على اختيارهم وما أودعه الله في قدرهم من التأثير، وأنه لا يعقل تكليف وثواب وعقاب مع كسب لا حقيقة له إلا القول بالجبر واستحالة التكليف.

وكيف يمكن أن يكون مما يقبله عموم المخاطبين أن حقيقة الإيمان تدور على  التصديق الباطن وأن حقيقة الكفر هي التكذيب، مع ما يعلمونه ضرورة من أن الله تعالى لا يمكن أن يكون قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم لهذه الغاية.

وليتأمل المنصف حال الذين دخلوا في دين الإسلام في عصرنا من ثقافات مختلفة، وكيف أن الخطاب القرآني وما فيه من البراهين التي تخاطب العقل والوجدان كانت هي التي حملهتم على قبول الإسلام والرضا به دينا من بين جميع الديانات التي شابها من التحريف والتشويه ما أخرجها عن الأصل الذي كانت عليه، وما المتوقع من حالهم لو تمت دعوتهم إلى الإسلام بتوسط مقدمات كلامية أصبحت في علوم العصر من النظريات البالية، وتركت مع ما ترك من موروث الفلسفة اليونانية الوثنية.

والبلاء الوبيل أن هذه الأصول الفاسدة المخالفة لمحكمات الدين ومعهود الخطاب الفطري المعقول لم تبق محصورة فيما أحدث في الإسلام من كتب علم الكلام والتصوف، بل قد انتشرت في كثير من التفاسير وشروح الأحاديث مما هو عائق عن فهم الدين على الوجه الذي أراده الله تعالى، وانحراف عن حقيقة البلاغ النبوي الذي هو حجة الله على الناس أجمعين، وأنه لابد لتجديد الدين وإحيائه من كشف بطلان هذه الأصول الفاسدة وإظهار المعاني الصحيحة للنصوص، وبيان أن ذلك هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما أثر عن الصحابة رضوان الله عليهم، وما تواتر عليه الفهم والعمل من العلماء المعتبرين الذين لم يقعوا في تلك الشذوذات والشبهات، وأن من أراد السلامة لدينه فليس له إلا أن يتمسك بطريقتهم، ويبقى على الأصل الذي به نزل الخطاب وقامت به الحجة على المخاطبين، ويحذر من كل ما يخالف ذلك.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#دين-الصبي
اقرأ أيضا
فضائل سورتي الفلق والناس | مرابط
تفريغات

فضائل سورتي الفلق والناس


فمعلوم أن التعوذ هو الالتجاء وهو أيضا نوع من أنواع الرقية والدعاء فيكتفي الإنسان بذلك فتكون حينئذ رقية وتكون كذلك أيضا تعوذا من الجان وكذلك أيضا تعوذا من العين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان ويتعوذ من العين فلما نزلت اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما

بقلم: عبد العزيز الطريفي
4170
أحاديث المقاهي وإهدار الطاقات | مرابط
اقتباسات وقطوف

أحاديث المقاهي وإهدار الطاقات


مقتطف رائع لمالك بن نبي من كتاب شروط النهضة يرصد فيه حالة متكررة نراها دائما في مجتمعاتنا العربية ألا وهي الخطب الرنانة التي تلقى على المقاهي كثيرا ما نسمع هناك عبارات نطالب بحقوقنا يجب أن يتغير الواقع ويكون كذا وكذا كلها خطب ومقالات وأحاديث وجدالات رنانة ولكنها لا تفضي إلى أي شيء

بقلم: مالك بن نبي
2184
المطالعة | مرابط
فكر مقالات

المطالعة


وقصة البخاري في بغداد أعجب لما جاء البخاري بغداد وقعد للدرس وكان شابا أراد بعض المحدثين أن يختبروا حفظه فجاؤوا بمائة حديث فخلطوا متونها بأسانيدها أي أنهم جعلوا سند هذا المتن لذاك وسند ذاك لهذا ثم جاؤوا بعشرة أشخاص فحفظوا كل واحد عشرة من الأحاديث المخلوطة فلما قعد البخاري للدرس قام أولهم فسأله: ما تقول في حديث كذا وسرد عليه أحد الأحاديث المخلوطة فقال: لا أعرفه فسأله عن الثاني والثالث إلى العاشر وهو يقول: لا أعرفه

بقلم: علي الطنطاوي
1236
منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية | مرابط
مقالات

منشأ الخذلان عدم سؤال الهداية


من جميل إشارات ابن تيمية قوله: كثير من خطأ بني آدم من تفريطهم في طلب الحق لا من العجز التام جامع الرسائل 2411 ومن أنواع هذا التفريط عدم سؤال الله الهداية بصدق ﻷن من سأل الله الهداية صادقا هاه وإذا فرط العبد في سؤال الله الهداية خذل وأسلمه الله إلى هواه.

بقلم: د. طلال الحسان
271
العجمة وظهور البدع | مرابط
تفريغات

العجمة وظهور البدع


ينبغي للإنسان إذا أراد أن يفهم مسائل الدين أصولا وفروعا أن يرجع إلى أقوال أهل العربية من أهل العلم والفضل وصدر ذلك هم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المدينة ومكة وكذلك أيضا الأجلة من فقهاء التابعين في المدينة ومكة فينبغي له أن يعرف أقوالهم وأن يتبصر بها ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل أصحابه لهذا الباب وكذلك أيضا إنما جاء تفضيل المدينة وأهلها وفضل سكناها باعتبار أن البدع فيها أقل من غيرها.

بقلم: عبد العزيز الطريفي
451
تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

تسميم الفكر الأوروبي ضد الإسلام


يبدو أن العداء الصريح للإسلام كان هو السمة التي ترسخت في الشخصية الجمعية الغربية وجاء ذلك نتاج الحروب الصليبية التي لم تتوقف على الصدام العسكري المسلح فقط وإنما نتج عنها الكثير من التشوهات الفكرية والثقافية التي ظلت باقية في المخيلة والعقلية الأوروبية فيما بعد

بقلم: محمد أسد
2066