أهمية العلم ولزوم الدليل

أهمية العلم ولزوم الدليل | مرابط

الكاتب: ابن القيم

402 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

ومن أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالك: إما على خيال صوفي، أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي؛ فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدثنا إلا شبهات المتكلمين، وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين، وقياس المتفلسفين.. ومن فارق الدليل، ضل عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنة سوى الكتاب والسنة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم، والشيطان الرجيم.

والعلم ما قام عليه الدليل. والنافع منه: ما جاء به الرسول. والعلم خير من الحال: العلم حاكم، والحال محكوم عليه. والعلم هاد، والحال تابع. والعلم آمر ناه، والحال منفذ قابل، والحال سيف، إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب. الحال مركب لا يجارى. فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه في المهالك والمتالف. والحال كالمال يؤتاه البر والفاجر. فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه.

الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع.. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها.

نفع الحال لا يتعدى صاحبه، ونفع العلم كالغيث يقع على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر.

دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة. ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه، وربما ضاقت عنه.

العلم هاد والحال الصحيح مهتد به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وأهله عصبتهم ووراثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر. وشفاء الصدور، ورياض العقول، ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال.. وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين، والغي والرشاد، والهدى والضلال.

به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.. به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب.

وهو إمام، والعمل مأموم، وهو قائد، والعمل تابع، وهو الصاحب في الغربة والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغنى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه، والكنف الذي لا ضيعة على من آوى إلى حرزه.

مذكراته تسبيح.. والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام.

قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب. لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.

وروينا عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.. ونص على ذلك أبو حنيفة رضي الله عنه.

وقال ابن وهب: كنت بين يدي مالك رضي الله عنه. فوضعت ألواحي وقمت أصلي. فقال: ما الذي قمت إليه بأفضل مما قمت عنه. ذكره ابن عبد البر وغيره.

واستشهد الله عز وجل بأهل العلم على أجل مشهود به، وهو التوحيد وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته. وفي ضمن ذلك تعديلهم. فإنه سبحانه وتعالى لا يستشهد بمجروح.

ومن هاهنا - والله أعلم - يؤخذ الحديث المعروف يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل المبطلين. وهو حجة الله في أرضه. ونوره بين عباده. وقائدهم ودليلهم إلى جنته. ومدنيهم من كرامته.

ويكفي في شرفه: أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وأن الملائكة لتضع لهم أجنحتها، وتظلهم بها، وأن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وحتى النمل في جحرها، وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير.

ولقد رحل كليم الرحمن موسى بن عمران - عليه الصلاة والسلام - في طلب العلم  هو وفتاه، حتى مسهما النصب في سفرهما في طلب العلم. حتى ظفر بثلاث مسائل. وهو من أكرم الخلق على الله وأعلمهم به.

وأمر الله رسوله أن يسأله المزيد منه فقال: وقل رب زدني علما. وحرم الله صيد الجوارح الجاهلة، وإنما أباح للأمة صيد الجوارح العالمة. فهكذا جوارح الإنسان الجاهل لا يجدي عليه صيدها من الأعمال شيئا. والله سبحانه وتعالى أعلم.


المصدر:
ابن القيم، مدارج السالكين

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلم #الدليل
اقرأ أيضا
موقف الفكر الإسلامي من العلمانية ج1 | مرابط
تفريغات

موقف الفكر الإسلامي من العلمانية ج1


ولو نظرنا إلى العلمانية لوجدنا أن القضية قضية توحيد دعا إليه الرسل جميعا ونزلت به الكتب جميعا يقابله شرك وجهل وجاهلية وخرافات وردود فعل بشرية جاءت في فترات معينة في قوم معينين لا يصلح بأي حال أن يكون مبدأ أو منهجا يسير عليه البشر جميعا في كل مكان ولا سيما من كان الوحي النقي بين أيديهم وفي متناولهم ويقرءونه ويتلونه ليلا ونهارا فمن هذه القضية يبدأ الموضوع

بقلم: سفر الحوالي
780
الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله | مرابط
فكر الإلحاد

الذكاء الاصطناعي وموجة إنكار الإله


قبل عشرة أعوام بالتمام صدر فيلم أمريكي حقق نجاحا كبيرا برغم أنه من الأفلام التي تناقش فلسفات خطيرة جدا. كان من أهم الفلسفات التي ناقشها مسألة الوعي الذاتي وهل إذا طورت آلة وعيا خاصا بها تصنع به ديناميكيات واستراتيجيات لإدارة حياتها لا بمعزل عن الإنسان بل لتدمير الإنسان نفسه إن اصطدم بطموحاتها تصبح تلك الآلة مخلوقا؟ وحينها يصبح الإنسان خالقا؟

بقلم: عمرو عبد العزيز
521
حقيقة التخاطر | مرابط
أباطيل وشبهات

حقيقة التخاطر


عقيدة التخاطر تقوم على فكرة وحدة الوجود وغيرها من العقائد الفاسدة للديانات القديمة وادعاء لإمكانية معرفة الغيب الذي هو ركن من أركان الدين وحاول بعضهم أسلمة هذه العقيدة بنصوص لا تدل على ذلك

بقلم: قاسم اكحيلات
252
لا أريد أن أنكد عليك ولكن | مرابط
فكر توثيقات

لا أريد أن أنكد عليك ولكن


لا أدري أيها المسلم كيف تتحمل أن يعيرك أعداء دينك بالآيات التي تأمر المسلمين أن يبسطوا سلطان الإسلام في الأرض حتى لا تكون فتنة وأنت ترى مسلمات الروهينجا تغتصب إحداهن اغتصابا جميعا من مجموعة ذئاب بوذية يلقى زوجها وأولادها أمام أعينها في النار وإذا شكوا أنها حامل بقروا بطنها وهي حية ويتكرر مثل ذلك وشبيه به للآلاف من المسلمات

بقلم: د إياد قنيبي
748
العلم | مرابط
اقتباسات وقطوف

العلم


مقتطفات متفرقة عن أربعة من العلماء يظهر فيها قدر العلم عندهم وحقيقته التي قد يغفل عنها الكثير من الناس فليس العلم أبدا هو كثرة الرواية أو كثرة الحفظ ولا يكون العلم علما إلا إذا أثمر طاعة وانقيادا إلى الله عز وجل وهربا من الهوى والبدعة وأصحابهما

بقلم: مجموعة علماء
1549
مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني | مرابط
مناظرات

مناظرة فخر الدين الرازي وعالم نصراني


مناظرة هامة جرت بين أحد علماء النصارى واشتهر بالذكاء والتحقيق والتمحيص والنظر وبين فخر الدين الرازي ودار الحديث حول ألوهية المسيح التي يقول بها النصارى وما يترتب على ذلك من لوازم فاسدة واستلزامات يتنزه عنها الإله جل في علاه وسنرى كيف ألزمه فخر الدين بهذه اللوازم التي تنكرها العقول والفطر السوية

بقلم: فخر الدين الرازي
2243