أصل ضلال البشرية

أصل ضلال البشرية | مرابط

الكاتب: عبد العزيز الطريفي

475 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

وأصل ضلال البشرية على ما تقدم الكلام عليه أنهم عرفوا شيئًا وجهلوا أشياء، وإذا أوغلوا في هذا الباب في أمر الجاهلية والجهل بحق الله سبحانه وتعالى، فبمقدار الجهل تضيق دائرة المعبود حتى يعبد التافهات، أهل الوثنية وكذلك الشرك من كفار قريش وغيرهم ابتدءوا من جهة الجهل بعظمة الله سبحانه وتعالى، أن جعلوا وسطاء من دون الله جل وعلا، فصوروا أقوامًا وعظموهم من دون الله، وتخيلوا أنهم وسطاء، ويعلمون أن هذه الأحجار إنما هي نماذج لأولئك، ثم اعتقدوا شيئًا أن أولئك من جهة أرواحهم يتجسدون في هذه التماثيل، أو يأتيهم إيحاء أن هذه التماثيل تبلغ أرواح أولئك بما يحدث وبما يفعلون، وتنفعهم وتضرهم وغير ذلك، ولهذا عبدوها من دون الله سبحانه وتعالى، حتى عظم الخوف في قلوبهم فعبدوها حتى في حال الأسفار وفي حال الخفاء.

حتى كما جاء في الصحيح من حديث أبي رجاء قال: كنا في الجاهلية نعبد حجرًا فإذا وجدنا حجرًا أعظم منه رميناه وأخذنا حجرًا آخر، فإذا لم نجد حجرًا وكنا في فلاة احتلب أحدنا ضرع شاة على تراب ثم طاف عليه، يعني: أنه يحتاج إلى شيء قاس، انظروا إلى مراتب التحول في ذلك حتى عبد شيئًا من أضعف المخلوقات؛ وذلك لأنه جهل مراتب التعظيم؛ لأنه ما من شيء عظيم إلا وثمة أعظم منه، وأعظم شيء هو الله سبحانه وتعالى، وله المنتهى والكمال في ذلك، ولكن الإنسان بمقدار سقفه في باب العلم والمعرفة يضل في هذا الباب، ولهذا نقول: إن الإنسان كلما كان أعلم بصفات الله عز وجل وأسمائه فإنه أعظم من جهة توجه العبادة لله جل وعلا، وإفراده سبحانه وتعالى، والبراءة كذلك أيضًا من الشرك.

الإنسان إذا وجد عظيمًا فإنه يزدريه بمعرفة من هو أعظم منه، فإذا وجد سيدًا مطاعًا قويًا غنيًا فليتذكر الله سبحانه وتعالى وقوته وعظمته، يضمحل عنده ويضعف من عظمه وهاب أو صرف له العبادة من دون الله سبحانه وتعالى، وهذا حينئذ يعرف مواضع الرجاء يرجو من، ومواضع الخوف يخاف ممن، وكذلك السؤال يسأل من، ويستغيث بمن، وغير ذلك، وإذا قصر وقصرت معرفته عن معرفة مراتب المعلومين من جهة أسمائهم وصفاتهم، فإنه يدنو في ذلك حتى يعبد الأوهام التي لا وجود لها، ولهذا نجد الذين ضلوا في تحديد إلههم الذي يتصرف فيهم؛ لأن الإنسان يعلم أن ثمة شيئًا هو أعظم منه، وهو الذي يقدر له الخير وهو الذي يقدر له الشر.

لكن حقيقته وكنهه لا يدري من هو، وما هي صفاته، وما هي أسماؤه؛ فيتعلق بهذا يمنة ويسرة، ولهذا منهم من يجعل الأمر يتعلق مثلًا بالنور والظلمة فيعبدون أولئك من دون الله سبحانه وتعالى، فيجعل النور هي التي تقدر الخير، ويجعل الظلمة هي التي تقدر على الإنسان الشر، ويرى في نفسه أنه يحتاج إلى معين، ولهذا الذين يجحدون وجود الله، ووجود الخالق سبحانه وتعالى وتصرفه في الكون سبحانه لو لم يقروا به من جهة الطوع فهم يقرون بذلك من جهة الإكراه، يعني: أنك لابد أن تؤمن بالله سواء بلسانك وأنت طائع أو وأنت كاره.

ومعنى الطواعية هنا هو: الانقياد والاستسلام لله عز وجل رغبة، وأما الكراهية، فهو ما يغلب على الإنسان مما فطره الله عز وجل عليه، الإنسان مفطور على الإيمان بالله، ولهذا الإنسان حتى لو كان ملحدًا لابد أن يلتجئ إلى الله ولو في المنام، إذا نزلت بك مصائب ثم لم تلتجئ إلى الله مكابرة وعنادًا فإنه لابد أن يمر عليك في المنام من الأحلام ما تلتجئ به إلى القوي الجبار سبحانه وتعالى، مما يدل على أن النفس ولو كابرتها وعاندتها فإنها ترجع إلى حقيقتها حتى في زمن المنام في الأحلام؛ لماذا؟

لأن النفس مفطورة على الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)، يولد على الفطرة؛ ما هذه الفطرة التي يولد عليها الإنسان؟ أعظم دلالات الفطرة وآثارها في الإنسان هي الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى، وأنه هو المتصرف، وأنه جل وعلا هو المدبر للكون، وأنه الله سبحانه وتعالى هو القوي الذي يرزق الإنسان القوة، وهو المعطي الذي يرزق الإنسان مالًا ويكسبه بنينًا ويكسبه زوجة، ويكفيه ويقيه ويعينه ويسدده، وهذا لو كابر فيه الإنسان لابد أنه يجد في حواسه من الالتجاء إلى الخالق سبحانه وتعالى، ولكن الإنسان يكابر لأجل ماذا؟ يكابر الإنسان لأجل الشهوات وتحقيقها والنزوات والرغبات وغير ذلك؛ فيتجاهل حق الخالق ليمتع نفسه، وإذا ضعف بعد ذلك توجه إلى الخالق سبحانه وتعالى بطلب التوبة والمغفرة.

ولهذا أضعف الناس عقلًا وأقلهم إدراكًا واستعمالًا للعقل أولئك الذين يجحدون وجود الخالق سبحانه وتعالى، الإنسان خلق بإحكام، وخلقه الله عز وجل في أحسن تقويم،  لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]، أحسن تقويم من جهة نظامه وقوامه، وكذلك أيضًا دب الحياة فيه، واتساقها وانتظامها، وما جعل الله سبحانه وتعالى له من قدرة يؤتيها الله عز وجل إياه للاكتساب وجلب الخير، ودفع الضر الذي يلحق به، هذا من حسن خلق الله عز وجل وصنعه في الإنسان.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#أتدري-ما-الله
اقرأ أيضا
الدعاة.. بين الزينة والوقار | مرابط
اقتباسات وقطوف

الدعاة.. بين الزينة والوقار


ومهما كان الواعظ شابا متزينا للنساء في ثيابه وهيئته كثير الأشعار والإشارات والحركات وقد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه فإن الفساد فيه أكثر من الصلاح ويتبين ذلك منه بقرائن أحواله بل لا ينبغي أن يسلم الوعظ إلا لمن ظاهره الورع وهيئته السكينة والوقار وزيه زي الصالحين

بقلم: أبو حامد الغزالي
505
الحفاظ على الهوية | مرابط
فكر

الحفاظ على الهوية


ولا ريب أن العالم اليوم يعج بالتنوع والاختلاف ويتسم بالتغير الدائم وندرة الأرضيات الثابتة في ميدان الفكر مما يجعل غياب الهوية مصيبة تنذر بانحراف جسيم كما أن الانغلاق التام على هوية تقليدية غير مؤصلة من الناحية العلمية يمكن أن يؤدي إلى إعاقة التقدم المنشود وتخيل نوع اكتفاء يمحو الحاجة إلى التطور.

بقلم: البشير عصام المراكشي
388
مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور | مرابط
أباطيل وشبهات اقتباسات وقطوف الإلحاد

مشكلة الشر: المنهج المادي والتطور


لا يمكن للملحد طلب العدل في مقابل الظلم مثلا إلا إذا كان لديه مسبقا مصدر يوجب على المخلوقات كيف تعيش ليحتكم إليه وعليه يقيس ومن هنا: فلا يوجد أي منهج أو فكر إلحادي أو لا ديني عموما فيه مثل هذا الوجوب أو الإلزام المسبق فحيث لا خالق لا يوجد افعل ولا تفعل كل شيء سيصير نسبيا حسب حاجة كل فرد لضمان بقائه ولو على حساب ظلم أو هلاك الآخرين

بقلم: م أحمد حسن
866
قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

قانون السببية وإيقاظ العقيدة الإلهية في النفس


يقرر قانون السببية أن شيئا من الممكنات لا يحدث بنفسه من غير شيء لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده ولا يستقل بإحداث شيء لأنه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئا لا يملكه هو كما أن الصفر لا يمكن أن يتولد عنه عدد إيجابي فلا بد له في وجوده وفي تأثيره من سبب خارجي وهذا السبب الخارجي إن لم يكن موجودا بنفسه احتاج إلى غيره فلا مفر من الانتهاء إلى سبب ضروري الوجود يكون هو سبب الأسباب

بقلم: د محمد عبد الله دراز
2121
لمن أكتب | مرابط
مقالات

لمن أكتب


لمن أكتب لم أحاول قط أن أعرف لمن أكتب ولم أكتب ولكني أحس الآن من سر قلبي أني إنما كنت أكتب ولا أزال أكتب لإنسان من الناس لا أدري من هو ولا أين هو: أهو حي فيسمعني أم جنين لم يولد بعد سوف يقدر له أن يقرأني ولست على يقين من شيء إلا أن الذي أدعو إليه سوف يتحقق يوما على يد من يحسن توجيه هذه الأمم العربية والإسلامية إلى الغاية التي خلقت لها وهي إنشاء حضارة جديدة في هذا العالم تطمس هذه الحضارة التي فارت بالأحقاد والأضغان والمظالم ولم يتورع أهلها عن الجور والبغي في كل شيء حتى في أنبل الأشياء وهو ال...

بقلم: محمود شاكر
657
فقه الفتيا | مرابط
اقتباسات وقطوف

فقه الفتيا


قال ابن عباس رضي الله عنهما: لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.. بين يدينا قصة هذا الحديث وهو من لطائف الأخبار الواردة عن ابن عباس رضي الله عنه هنا نتعلم منه التروي في الفتيا والتأني قبل التكلم.

بقلم: محمد بن إسحاق الفاكهي
222