اعتماد الاعتراض الإلحادي بالنسبة لوجود الشر في العالم على افتراض مسبق لدى الملحد في أن البشر لا ينبغي أن يتألموا أو يُنبذوا أو يموتوا جوعًا أو ظلمًا، لكن الصادم هنا (للملحد طبعًا) هو أن آلية الانتخاب الطبيعي التطورية نفسها The Evolutionary Mechanism of Natural Selection تعتمد بصورة أساسية على القتل والإفناء والعنف من جانب القوي تجاه الضعيف! بل ويُعد هذا الأمر -وفقا لمنهج الإلحاد المادي والتطور- طبيعيًّا تمامًا، وهنا المفارقة والسؤال:
على أي أساس يحكم الملحد على الواقع في عالمنا الطبيعي بأنه ظالم أو مُجحف أو غير عادل على نحو لا ينبغي له أن يكون عليه؟
إن حُكم الملحد هنا لا يُترجم إلا لجوءه إلى شيء (أو جهة ما) غير طبيعية (أو فوق طبيعية، أو ما وراء الطبيعة) ليستمد منها مثل هذا الاعتراض على الطبيعة!
فاعتراضه على وجود الشر هو نفسه تمرد على الطبيعة التي (من المفترض) أنه ينتمي إليها ولا يعرف إلا مفرزاتها (والتي لا تشجع إلا الشر والظلم والألم كآلية للتطور أو النشوء والارتقاء)
لا يمكن للملحد طلب العدل في مقابل الظلم مثلًا إلا إذا كان لديه مسبقًا مصدر يوجب على المخلوقات كيف تعيش ليحتكم إليه وعليه يقيس، ومن هنا: فلا يوجد أي منهج أو فكر إلحادي أو لا ديني عمومًا فيه مثل هذا الوجوب أو الإلزام المُسبق، فحيث لا خالق لا يوجد افعل ولا تفعل.
كل شيء سيصير نسبيًّا حسب حاجة كل فرد لضمان بقائه ولو على حساب ظلم أو هلاك الآخرين (وهذا مطعن آخر في كيفية ظهور أخلاقيات التضحية والإيثار من رحم التطور)
المصدر:
م. أحمد حسن، أسس غائبة: 25 مسألة في مشكلة الشر، ص124