كيف تعرف صدق النبوة ج2

كيف تعرف صدق النبوة ج2 | مرابط

الكاتب: صفحة براهين النبوة

1018 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

خامسًا: وجود المخالفين

مبنى هذه الفقرة على المحاور التالية:

1- ليس كل من عرف الحق اتبعه.
2- ليس كل الناس معرضون عن الحق.
3- ثبوت الحقيقتين السابقتين يعني أن الناس منقسمون إلى طلاب حقٍ ومعرضين عنه.
4- مدّعي النبوة إن كان صادقًا لن يصدِّقه ويتّبعه إلا طالب الحق.
5- أما إن كان كاذبًا فيسعارضه صنفان هما:

  • طلاب الحق.
  • من خالف أهواءهم ورغباتهم ؛ لاستحالة أن يرضي كآفة المدعوّين.

6- وجود المعارضين يعني ظهور حاله وعدم خفائه فلا يلتبس على أحدٍ البتة.

وإليك تفصيل ما سبق:

مدّعي النبوة سواءً كان صادقًا أو كاذبًا فلا بد أن يوجد مَن يُخالفه ويناهضه؛ ومستند هذا قاعدة مهمة مفادها: ليس كل الناس معرضين عن الحق كما أنه ليس كل من عرف الحقَّ اتّبعه؛ إذ القول بأن (الكل معرضٌ عن الحق) يقتضي سقوط الدعوى نفسها؛ لأن صاحبها أحد المعرضين عن الحق! أما القول بالثاني، أي(كل من عرف الحقّ اتبعه) فلا يسنده الواقع أبدًا؛ إذ ما من قولٍ إلا وهناك من يقول بنقيضه فإما أن يُدّعى أن كافة الناس على حق

وهذا يقتضي الجمع بين النقيضين وهو مُحال، أو أنهم يطلبون ما ليس بمقدورهم الوصول له وهذه أيضًا دعوى ساقطة من عدة جهات، فمن جهة الواقع فالناس يجدون في أنفسهم شعورًا اضطراريًا بصدق كثيرٍ من القضايا وكونها حق، ومن جهة الدعوى نفسها فإن المدّعي لا يخلو من أن يعتقد أن قوله هذا حق أو ليس بحق، وفي كلا الحالين يسقط قوله؛ ففي حال اعتقاده أنها حق فقد أقرَّ بإمكان وصوله إلى الحقائق، وبهذا نقض دعواه. أما إن اعتقد عدم كونها حق فقد أغنانا عن تفنيدها!

وليس هذا موطن التفصيل في نقدها عقلًا من كل الجهات؛ لأن التدليل على الدعوى المركزية في هذه الفقرة له طريق آخر أيسر وأسهل تعلمه الآن إن شاء الله.

أقول: قد علمتَ فيما مضى أن مدّعي النبوة لا بد أن يأتي بأخبارٍ لا تدركها عقول المخبَرين؛ لأن هذا مقتضى اصطفائه بالوحي، فلو ادّعى النبوةَ مدّعٍ ولم يخبر ويأمر بأشياء وينهى عن أشياء ثم ينسبها إلى خبر الله تعالى ومراده، لكان كمن يقول أنا طبيب وهو لا يختلف عن عوامِ الناس في شيء!

وخبره وأمره ونهيه- سواءً كان صادقًا أو كاذبًا- لا بد أن يُخالف بعض معتقدات ورغبات مَن يدعوهم، وهذه المعتقدات إما استحدثها المدعوون أو ورثوها عن آبائهم، وهم- أي المدعوون- بمقتضى القسمة العقلية إما طلاب حقٍ كلهم، وإما معرضون عن الحق كلهم، وإما بعضهم طلاب حقٍ والبعض الآخر ليسوا كذلك، فعلى تقدير الاحتمال الأول فإن كان صادقًا لزم أن يصدّقوه كلهم، وإن كان كاذبًا لزِمَ تكذيبهم له، وإن خَفي على البعض أمره أظهره البعض الآخر لهم، فآل الأمر إلى تصديق كل من سَمِعَ به إن كان صادقًا أو تكذيبهم إن كاذبًا.

وأما إن كان الكل في زمانه معرضٌ عن الحق قيل فيه ما قِيلَ في السابق فآل الأمر إلى اتفاقهم على تصديقه إن كان كاذبًا، أو تكذيبه إن كان صادقًا، واللوازم المترتبة على الاحتمال الأول والثاني باطلةٌ فدل على بطلان الملزوم الذي هو (افتراض أن الكل طلاب حقٍ أو أن الكل معرض عنه لا يأبه له)، وبقي الاحتمال الثالث وهو (كون البعض طلاب حقٍ، والبعض الآخر معرضون عنه) وحينئذٍ لم يخفَ حال مدّعي النبوة على أحدٍ؛ لوجود المُعارض المكذّب له سواءً كان صادقًا في دعواه أو كاذبًا، فعلى تقدير صدقه فإن تصديقه زمن ادّعائه يقتضي تخلّي المصدّقون به عمّا يخالف ما جاء به، واتّهام أنفسهم ومَن أخذوها عنه بالجهل، والحكم على كل من أصر عليها بعد قيام الحجة بالهوى والسفه حتى وإن كان من أقرب الناس بل كل ما يقوله هذا النبي عنهم يقولونه، وأيضًا يلتزمون كل ما أتى به وإن شقّ عليهم القيام به.

وهذا لا يفعله إلا طالب حقٍ علم صدق نبوته فهان عليه كل ما سبق، ويفر منه مَن لا يهمه اتّباع الحق، ومعلومٌ أنه لا تلازم بين كون الإنسان على باطل واعترافه بأن ما عليه باطل، بل كثير من أهل الباطل يسعى لتبرير موقفه ويجادل لدفع تهم الزيغ والضلال عن نفسه كما قال الله تعالى: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾.

أما على تقدير كذب مدعي النبوة فإن المخالفين له- في زمانه- هم طلاب الحقِّ، وغيرهم ممن يخالفه لا لأنه كاذب في دعواه وإنما لمخالفته إياهم، ووجود هؤلاء ضروري لاستحالة أن يأتي بما يُوافق أهواء ورغبات الكل، وبهذا تعلم أن مدّعي النبوة لا يمكن أن يخفى حاله على أهل زمانه ومن بعدهم لوجود المعارضين له، فإن كان صادقًا غلبهم وأركسهم؛ لأن الخالق تبارك وتعالى قد أعطاه من الأدلة ما يدحض به تبريرات المعرضين عن الحق الصادّين عنه.

وإن كان كاذبًا فليس معه ما يثبت دعواه وكل ما ينصبه كدليلٍ له يقوم المخالفون له بتقويضه، ولا يتجرأ على الكذب في أعظم دعوى مع علمه بوجود المخالفين ثم إصراره على صحةِ ما ادّعاه إلا أكذب الكاذبين، فيذاع كذبه وينتشر لسعي طلاب الحق والمخالفين له في إظهار حقيقته، وذلك لأن الصنف الأول يجدون راحتهم في إذاعة ما علموه من الحق، والصنف الثاني يسعون لحفظ مكانةِ آبائهم وما نشأوا عليه وما أظهروه من علومهم وطقوسهم وغيرها.

وختامًا تبين لك أن مدّعي النبوة قد ادّعى دعوى عظيمةً تتضمن علومًا اختص بها عن غيره، لا يُسلَّم له بها حتى يقيم من الأدلة ما يُخضع طلاب الحق ويُبطل أصول المخالفين ويسحقها، وأنّى للكاذب إن سَهُلتْ عليه الدعوى أن يجوزَ حواجزَ لا يتجاوزها إلا الصادق دون مَن سواه، فإن تشبّث بدعواه فهو في الحقيقة يؤكد كذبه في كل يومٍ تسطع فيه شمسٌ لا مفر له من ضوئها!

 


 

المصدر:

صفحة براهين النبوة

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إثبات-النبوة #براهين-النبوة
اقرأ أيضا
الإبداع والانقطاع | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

الإبداع والانقطاع


وما كان لمحمود شاكر أن يستوعب المكتبة العربية قراءة وفحصا واطلاعا إلا حين اعتزل الناس عشر سنوات كاملات كما أخبر عن نفسه! وما كان لك أنت أنت.. يا من تقرأ أن تحظى ببعض الثقافة إلا حين انقطعت سويعات أورثتك طرفا من علم

بقلم: د. علي العمران
368
معركة النهروان | مرابط
تاريخ مقالات

معركة النهروان


معركة النهروان إحدى أشهر الوقائع وأشد المعارك التي جمعت بين المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب وفرقة الخوارج التي انحازت عن صفوف المسلمين وأعملت معول التكفير في الأمة جميعا وخرجوا بعقائد جديدة ما أنزل الله بها من سلطان وفي هذا المقال سرد لأهم أحداث هذه المعركة الهامة والفارقة في التاريخ الإسلامي

بقلم: د علي محمد الصلابي
2495
سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما الدرس الخامس ج1


من الكلمات الجميلة جدا يقول صلى الله عليه وسلم: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع يعني: عندما تأتي لطلب العلم تقابلك الملائكة في الطريق -وأنت لا تراها لكن هي تراك- فتضع أجنحتها لك تواضعا لك وتعظيما لك وتكريما وتبجيلا لك تقف لك الملائكة في الطريق هكذا لأنك تذهب إلى مجلس علم تلتمس علما انظر إلى عظم الأمر تغيرات كونية هائلة تنزل الملائكة وتضع أجنحتها لا تحرسك فقط بل تتواضع لك وتبجلك وتعظمك

بقلم: د راغب السرجاني
754
التقدمية والرجعية | مرابط
فكر مقالات

التقدمية والرجعية


وإذا كان في هذا العصر تقدم العلم وازدهار الحضارة فإن فيه الحروب المدمرة والقنابل المبيدة والتهتك والفساد وفي هذا العصر تركنا اليهود يسلبوننا قطعة من قلب بلادنا ويستأثرون بها دوننا ويشردون أبناءها حتى يتفرقوا فوق كل أرض وتحت كل نجم وقبل ألف سنة كان أسلافنا يركبون الإبل لا يعرفون السيارات ولا الطيارات ويعيشون على السرج ومصابيح الزيت ولكنهم كانوا سادة الدنيا وكانوا أعز الأمم

بقلم: علي الطنطاوي
1447
إشكال الاختلاط في الطواف | مرابط
أباطيل وشبهات

إشكال الاختلاط في الطواف


نسمع بين الفينة والأخرى سؤالا يتكرر حول إشكالية الاختلاط أثناء الطواف فيقول صاحب الشبهة: نعلم أن الاختلاط محرم في الإسلام ولكن كيف يباح ذلك أثناء الطواف؟ كيف يختلط الرجال بالنساء دون فاصل؟ وبين يديكم رد مفصل على هذه الشبهة للشيخ قاسم اكحيلات.

بقلم: قاسم اكحيلات
530
بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع | مرابط
تاريخ فكر مقالات

بارود لم ينفجر وطباعة لم تطبع


تواتر القول بأن اختراع المطبعة واختراع البارود قد كانا فاتحة عهد أو نقطة تحول في تاريخ الحضارة الحديثة وبين المطبعة والبارود مناسبة أو مشابهة قريبة وهي مشابهة التعميم فقد أصبح الكتاب ميسورا لكل من يطلبه بعد نشر الطباعة وقد كان قبل ذلك موقوفا على رجال الدين أو على الذين يتفرغون لنسخ الكتب ودرسها وكلاهما يلجئ الطالب إلى تفرغ وانتظار وقد أصبح حمل السلاح ميسورا لمئات الألوف وألوف الألوف بعد صنع الرامية البارودية وقد كان السلاح الفعال حكرا قبل ذلك لفرسان القلاع

بقلم: عباس محمود العقاد
1178