كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟

كيف تبحث قضية نشأة العلوم وتطورها؟ | مرابط

الكاتب: سلطان العميري

356 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يعتمد كثير من الباحثين في الحديث عن نشأة العلوم وتطورها على التدوين والكتابة في العلوم، فتراه يحدد نشأة العلوم ومراحلها بناءً على حالة التدوين فيها، فيحكم على أن علما ما نشأ في وقت كذا لأجل أن كتابا معينا ألف في مسائله، ويحكم على أنه تطور إلى مرحلة ما لأجل أن نوعا من الكتب ظهر في معالجة مسائله.

وكثير من الدارسين لعلم العقيدة اعتمدوا هذه المنهجية، فتراهم يبدؤون في بحث نشأة علم العقيدة وتطوره بقضية التدوين، ويسمون مراحل علم العقيدة بناء على ما ارتضوه من مرحلية الكتابة فيها.

ولا شك أن حالة التدوين والكتابة في العلم تعد معلما من أهم المعالم المفسرة لنشأة العلوم وتطورها، ولكنها ليست المعلم الوحيد، ولا المظهر الأكثر بيانا لطبيعة العلم تطوره، فهناك مكونات أخرى لا بد من مراعاتها في دراسة نشأة علم العقيدة وتحديد مراحل تطوره، ومن تلك المكونات:

الموضوعات

المكون الأول: الموضوعات، والمرد به أصول الموضوعات المكون للعلم وعدد أصولها وما يندرج فيها من الفروع، فيقوم الدارس بتحديد أصول الموضوعات التي كان يخوض فيها المؤسسون للعلم- علم العقيدة- ومن قبلهم، ومن جاء بعدهم، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت فيها إما على مستوى الموضوعات الأساسية أو على مستوى الفروع المندرجة ضمن تلك الموضوعات، فينظر هل استجد موضوعات جديدة لم تكن من قبل، أو هل استجدت فروع جديدة مندرجة ضمن أصول الموضوعات السابقة.

فيقوم الدارس مثلا بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي تناولها الصحابة رضي الله عنهم وقدموا فيها علما، ثم يقوم بتحديد أصول الموضوعات العقدية التي خاض فيها التابعون، ويقارن بينها، وهل استجد شيء من أصول الموضوعات أو فروعها عندهم أم لا، ويستمر بالمنهجية نفسها في دراسة القرون المتعاقبة.

طبيعة البحث

المكون الثاني: طبيعة البحث والمعالجة، والمراد به المنهجية المتبعة في طريقة النظر في مسائل العقيدة ومسالك التعبير عنها وأشكال تناولها، من جهة التوسع في الطرح أو الاختصار وجهة الاقتصار على العرض أو الدخول في الرد على المخالفين، ونحو ذلك.
فيقوم الدارس بتحديد المنهجية التي كان يعتمد عليها المؤسسون للعلم ومن قبلهم ومن بعدهم في تناول موضوعاتها، ويرصد أهم التغيرات التي حصلت في طريقة بحثهم لها ومسالك تناولهم إياها.

وفي خصوص علم العقيدة يبتغي على الدارس أن يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم ويحدد طبيعة تناولهم لها، ثم يقوم بتحليل المادة العقدية المنقولة عن التابعين، ويقارن بينها وبين ما عند الصحابة، ويتفحص ما استجد من التطورات في طريقة التناول ومسالم البحث والتعبير وما لم يستجد، ويستمر بالدراسة عبر القرون المتعاقبة.

منهجية الإثبات

المكون الثالث: منهجية الإثبات البناء، والمراد به المسالك المعتمدة في الاستدلال على مسائل العلم وطرقه وفي منهجية الرد على المخالفين.

فيقوم الدارس بتتبع الأدلة الحاضرة التي اعتمد عليها المؤسسون ومن قبلهم ومن جاء بعدهم في الاستدلال وتتبع طرقهم ومسالكهم في الاحتجاج والبناء، وكذلك طرقهم في نقد الأقوال المخالفة ونقضها ، ويرصد أهم التغيرات التي وقعت في هذه القضية عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة ينبغي على الدرس أن يرصد الأدلة الحاضرة عند الصحابة رضي الله عنهم في الاستدلال على جملة المسائل العقدية، ويدرك الأصول المنهجية التي كانوا ينطلقون منها في إثباتهم لمسائل العقيدة وفي حواراتهم للمنحرفين فيها، ويقوم بالعمل نفسه عند التابعين ومن جاء بعدهم، ويتفحص ما إذا وقعت تطورات مستجدة في هذه القضية أم لا.

التيارات والفرق

المكون الرابع: التيارات والفرق، والمراد به المذاهب والتيارات التي ظهرت في تاريخ العلم ولها منهجية مخصوصة في دراسته وبنائه والاستدلال عليه.

فيقوم الدارس بتتبع حالة علم ما ويرصد التيارات والمذاهب التي تشكلت في دائرته، واختلفت في دراسته سواء في أثناء نشأته أو بعدها، فما من علم إلا وفيه تيارات ومذاهب مختلفة، وهي مختلفة في تاريخ نشأتها وفي تطوراتها، ومكانها واتساعها وضيقها.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس من أن يقوم برصد أهم الفرق والانحرافات التي وقعت في مسائل العقيدة، ويحدد زمن ظهورها وانتشارها ومكانها، وزمن أفولها واختفائها، وما يعد منها أصلا وما يعد منها فرعا خارجا عن غيره، من لدن زمن الصحابة ومن جاء بعدهم.

المصطلحات والمفاهيم

المكون الخامس: المصطلحات والمفاهيم، والمراد به ضبط أصول المصطلحات الحاضرة في التعبير عن الحقائق المتعلقة بعلم ما.

فيقوم الدارس بتتبع تاريخ العلم ورصد المصطلحات الحاضرة في تعبير العلماء عن مراداتهم في ذلك العلم، يحللها من جهة نشأة المصطلح وحجم حضوره وانتشاره، وهل يطلق على معنى واحد أم متعدد؟ وهل هو عام عند كل العلماء أو خاص ببعضهم؟، ونحو ذلك من المسائل.

وفي خصوص علم العقيدة لا بد للدارس أن يقوم برصد أهم المصطلحات الحاضرة في مقولات أئمة السلف من لدن الصحابة ومن جاء بعدهم، ويحدد نشأتها وإطلاقاتها عندهم وتطوراتها ومدى انتشارها وعموها وخصوصها في الأزمان المتعاقبة.

التدوين والتأليف

المكون السادس: التدوين والتأليف، والمراد به أهم المصنفات التي ألفت في جمع مسائل العلم وتوضحها والاستدلال عليها والحجاج حولها.

فلا بد لدارس علم ما أن يقوم بحديد الزمن الذي يمثل نشأة التأليف فيه، ويتتبع أهم التطورات الواقعة في منهجية التصنيف وأظهر المراحل التي مرت بها من لدن المؤسسين إلى من جاء بعدهم عبر القرون المتعاقبة.

وفي خصوص علم العقيدة فلا بد لدارسه من أن يحدد الزمن الذي تشكلت فيه النواة الأولى في المصنفات الخاصة به، ويقوم برصد التطورات التي وقعت في الكتب العقدية من أول زمن ظهور التصنيف فيه إلى زمننا الحاضر.

ومن خلال هذا العرض لمكونات البحث في نشأة العلوم وتطوراتها يظهر بجلاء بأن هذه القضية مركبة من أمور عديدة فلا بد من توفرها جميعا في معالجة تلك القضية المحورية، والتقصير في واحد من تلك المكونات يؤدي إلى تقصير في تصورها وإدراك أثرها.

ولأجل هذا فإن قضية نشأة العلوم وتطورها- علم العقيدة- من أعقد القضايا البحثية وأكثرها عمقا، وتتطلب قدرا عاليا من الاستقراء والتحليل والبناء والتركيب.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#نشأة-العلوم
اقرأ أيضا
صفات الخوارج في السنة النبوية | مرابط
مقالات

صفات الخوارج في السنة النبوية


الخوارج من الكلمات التي كثر تردادها في الآونة الأخيرة وإطلاقها على بعض الجماعات والتنظيمات بحق وباطل فكان لا بد من وقفة نتبين بها صفات الخوارج كما وردت في السنة النبوية حتى ننزل كل قوم منزلتهم اللائقة بهم حسب قربهم من هذه الأوصاف وبعدهم عنها ولم يأت في السنة النبوية تحذير من فرقة بعينها من فرق هذه الأمة إلا الخوارج فقد ورد فيها أكثر من عشرين حديثا بسند صحيح أو حسن وما ذلك إلا لضررهم الجسيم على الأمة والتباس أمرهم على الناس واغترارهم بهم إذ ظاهرهم الصلاح والتقوى ولأن مذهبهم ليس قاصرا على الآ...

بقلم: الشيخ عمار الصياصنة
1132
لن تضيع وسط الزحام | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

لن تضيع وسط الزحام


إذا كان لك صديق مقرب منك وتحب أن تبث له همومك وشكواك أو كان هذا الصديق هو والدك أو ربما زوجتك أو زوجك أو أي إنسان بشكل عام فأنت لست في مأمن من شعور المزاحمة عندما ترى غيرك يبث إليه الهموم ويشكو إليه الحال قد تشعر في قرارة نفسك أن الآخر يزاحمك فيه لكن هل تسرب إليك مثل هذا الشعور تجاه الله مع الله أنت لن تضيع وسط الزحام أبدا

بقلم: د إياد قنيبي
3620
صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه | مرابط
اقتباسات وقطوف

صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه


فإن صلاح القلوب بالشكر لله على نعمائه والصبر على بلائه وانتظار الفرج من الله إذا ألمت الملمات واللجوء إلى الله عند جميع المزعجات والمقلقات فأقل الأحوال عند هذا المؤمن أن تتقابل عنده المصائب والمحاب والأفراح والأتراح وقد تصل الحال بخواص المؤمنين إلى أن أفراحهم ومسراتهم عند المصيبات تزيد على ما يحصل فيها من الحزن والكدر الذي جبلت عليه النفوس

بقلم: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
328
التنكيت على الطقس؟ | مرابط
مقالات

التنكيت على الطقس؟


يقول الدكتور إياد قنيبي: مع استمرار الشتاء أكثر من المتوقع هذا الفصل والحمد لله سمعت من اثنين من الإخوة عبارات لم أرتح لها فاستفتيت صديقا لي من أهل العلم فيهما وأود مشاركتكما الفائدة.. وهذا مقال موجز فيه تعليق على إشكالية التنكيت على الطقس.

بقلم: د. إياد قنيبي
396
آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي | مرابط
فكر مقالات العالمانية

آثار العالمانية في الغرب: موت العالم والنفع المادي


مثلت العالمانية علامة فارقة في تاريخ الغرب إذ نقلته من عصر السلطان الكنسي إلى عصر سلطان العالم المادي والفجوة بين العصرين هائلة حتى لا يكاد يربط الزمن الأول بالزمان الآخر كثير لكنهما يشتركان في التيه بعيدا عن حقيقة الإنسان وجوهر حاجته إلى ما يروي غلته والنظر عن كثب في حال الغرب المتعلمن في زمن ما بعد الحداثة يكشف أن الآلة الدعائية الخارجية للغرب وآلة التجميل لأقنانه في بلاد المسلمين قد نقلا عن عمد صورة تكاد تكون عديمة الصلة بالعالمانية الغربية وأدوائها القاتلة

بقلم: د سامي عامري
2475
دقة القراءة | مرابط
تفريغات ثقافة

دقة القراءة


وعندما نقول اتفق العقلاء هذه تثير في نفسي معنى أن هذا الأمر لا يحتاج إلى العلماء ليدركوه ليس هذا مما يكتسب بالعلم وإنما هو مما تعلمه العقول علم ضرورة وإذا كان الشيخ وهو في معمعان تعليم دقائق العلم يحدثك بحديث تعلمه العقول علم ضرورة يدني هذه الدقائق والخفايا ويقربها حتى تصير مما تعلمه العقول علم ضرورة هو بهذا يعطيك درسا في التربية

بقلم: د محمد أبو موسى
510