فقه الواقع: بين النسوية والدعاة

فقه الواقع: بين النسوية والدعاة | مرابط

الكاتب: أسامة لعايض

405 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

بعض الدعاة والشيوخ يخدمون النسوية وإن ادعو محاربتها، كما خدم عدنان إبراهيم الإلحاد وسأشرح كيف:

نموذج عدنان والإلحاد

عدنان إبراهيم دجال، ولكن لنفترض لوهلة أنه كان حسن النية وصادقا في طرحه. نلاحظ أن عدنان إبراهيم كان له ردود على الملاحدة، وبعض الدعاة استحسنها فعلا. ولكننا لم نسمع بكثير من الملاحدة اهتدو بسبب ردود عدنان إبراهيم، بل على العكس، سمعنا بشباب كثير ألحدو بسبب استماعهم لعدنان إبراهيم، لماذا؟

معظم الشباب الذين يلحدون تجدهم مصابين ببعض أمراض العصر، كانبهارهم بالغرب، أو تعظيمهم للدنيا فوق كل اعتبار أو تأثرهم بفكرة نسبية الحقيقة وتكافؤ الأدلة، وهذا هو الأغلب فيهم. حيث أن معظم من يلحد، لا تجده يقضي وقتا في التفكر في بعض الأصول كنشأة الكون والإبداع في الكون.... إلخ، بل تلاحظ تأثير أمراضه النفسية في حواراته التي يناقش فيها الفرعيات دائما.

وعدنان إبراهيم كان يزيد من استحكام هذا المرض في خطاباته لأنه هو بنفسه معظم للغرب ولمركزية الدنيا. فيجعل متابعيه معظمين للغرب أكثر مما هم فيه، ويجعل أمور الدنيا عندهم فوق كل عقيدة وكل اعتبار.

زد على هذا طيش الشباب وحب تميزهم وكثرة الشهوات والشبهات التي يتعرضون لها كل يوم، فهذا يزيد من حيرتهم وكثرة تخبطهم.
هذا الشاب، عندما يشاهد خطبة لعدنان إبراهيم، لن يشاهدها ليزداد علما، إنما غرضه الاحساس بالطمأنينة في منهجه عبر التقاط شبهة حول حجية السنة، أو طعن في صحابي، أو إلقاء اللوم على الفقهاء عبر العصور واتهامهم بالتشدد... الخ.

وحتى لو ألقى عدنان إبراهيم، سلسلة محاضرات تأصيلية في الرد على الإلحاد، فإن الشاب الملحد لن يتأثر بشكل كبير بخطاب عدنان إبراهيم، لأن الحقيقة بالنسبة له ولعدنان إبراهيم غير مطلقة، وأن الملحد يمكنه أن يكون خيرا من المسلم ويدخل الجنة، إذ أن الادلة بالنسبة له متكافئة، والنقاش في أصل الوجود عويص، ويعذر فيه الانسان مهما كانت النتيجة التي توصل إليها. أليس عدنان إبراهيم هو نفسه الذي اخترع حوارا خياليا بين ستيفن هوكنغ والله تعالى؟

أليس عدنان إبراهيم هو الذي قال أن لا مشكلة عنده في الترحم على ستيفن هوكنغ ولا يترحم أبدا على سيدنا معاوية بن أبي سفيان؟ فما الفائدة من التأصيل في أمور الإلحاد إذا؟ على الأقل، اذا كنت ملحدا، سيرأف بك عدنان إبراهيم ويبحث لك عن أعذار، أما إذا أسلمت، فأنت معرض للشتم والتهم وجلد الذات الذي يلقيه عدنان إبراهيم في أسماع المسلمين ليل نهار.

الدعاة والنسوية

نرجع لبيت القصيد... المرأة اليوم، متأثرة كما الرجل بمحدثات الثقافة الغالبة، وغالبا، لن تجد امرأة إلا وهي متأثرة بفكرة المساواة مع الرجل إلى حد ما، أو فكرة الاستحقاقية بحيث ترى أن أعظم شيء تمتلكه هو كونها امرأة، وفكرة المظلومية... الخ

فتجدها محملة بالعديد من الأفكار المسبقة وتعتبرها مسلمات، ونظرا لأنها تحب الدين، فهي تحاول أن تجد نقطة اتصال بين تلك الأفكار والشرع، وهنا يأتي دور الداعية الذي لا ينتبه لمداخل العصر، ولا لأمراض الناس النفسية، فلا يستطيع أن يعالج مشاكل الناس بشكل جذري بسببها، هذا إن كان يفهمها أصلا.

فهو عندما يرى مجموعة من النساء يستمعن إليه، يعتقد بسذاجة أنهن جئنه ليتعلمن أمور دينهن مبدئيا، وهذا غير صحيح... المرأة المحملة بأفكار العصر لا تحتاج منك أن تشرح لها الدين كما يجب، بل هي تحتاج منك أن تكلمها عن:

-تكريم الإسلام للمرأة، حتى لو لم تتكلم بالتفاصيل، هي ستتكلف بذلك.
-حقوق المرأة في الإسلام، وتحدث بشكل عام وهي ستتكلف بملئ الفراغات في كل ما يمكن تصنيفه في جانب الحقوق.
-ظلم الرجال للمرأة عبر التاريخ.
-تكلم عن بعض القصص التي كانت فيها المرأة ضحية لبطش الرجل حتى نبرر بها بعض حالات النشوز والطيش.
-تكلم عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ليس لتعليم الرجال كيفية التعامل مع زوجاتهم، فالتعدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم جريمة، وليس للتعلم من أخلاق أمهات المؤمنين، ولكن لإضفاء صيغة شرعية تمكن المرأة من تأنيب زوجها لعدم موافقته زوج الأحلام الذي صنعته لها المسلسلات.

الأمثلة لا تحصر في هذا السياق ولكن عموما، أغلب النساء اللاتي يتابعن الدعاة، ليس لهن هم في معرفة أحكام المرأة في الإسلام بشكل متجرد، إنما هن يلتقطن ما يحتجنه في حياتهن لإضفاء الصيغة الشرعية على تصرفاتهن دون الشعور بالذنب. ولهذا تجد الواحدة منهن لا تعرف عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تحفظ كل الآيات والأحاديث التي تحض على الحرص على المرأة وحفظ حقوقها. بل تستحضر هذه الأدلة بشكل تلقائي عند الحوارات، لان المسألة بالنسبة لها مشروع عمر وليس نقاشا عابرا كما توهمت أيها الساذج.

ولذلك، الدعاة الذين لا ينتبهون لهذه العقد والأمراض، ولا يهتمون بمعالجتها لا ينتبهون أن خطاب الترغيب والمداهنة الذي يستعملونه لا ينفع إلا في جلب جمهور نسائي ليستفيد من مادته بالشكل الذي يرغب فيه. واذا لم تعجبه مادة، تحول الجمهور إلى داعية آخر.

حتى لو ادعى هذا الداعية أنه يحارب النسوية وأنه سجل موادا في ذلك، فإن هذه المواد عموما لا يكون لها أثر على أرض الواقع. فالمرأة المريضة بداء الاستحقاقية والمظلومية، وإن تكلمت لها عن واجباتها في الإسلام بشكل عام، تستطيع أن تأول كلامك بما يتلائم مع مظلوميتها واستحقاقيتها:

- فهي تشعر أن من الواجب عليها، عذر المجتمع الذي لم يعاملها كأنها ملكة ولم يذقها حياة الترف التي تستحق.
- هي تشعر أن من الواجب عليها الصبر على كون زوجها لا يشبه ألفريدو الذي كانت تتابعه في المسلسل الأخير.
- هي تشعر أن من الواجب عليها السكوت عن بعض الظلم تشعر به كل يوم، الظلم الذي في عقلها طبعا.

هذا يتعلق بالخطاب الدعوي اليوم، وإلا فهناك جانب مهم لا يجب إهماله وهو تراكم أساليب الخطابات الدعوية في القرنين الأخيرين. إذ أن المسلمين غيرو من أساليبهم الدعوية في التعامل مع الجماهير وذلك تأثرا بالإرهاب والضغط الذي وجه إليهم من قبل الغرب وأذناب المستشرقين. وبكثرة الإتهامات بالغلو واضطهاد المرأة التي وجهت إليهم مرارا وتكرارا، اتخذ الخطاب الدعوي موقفا دفاعيا فأصبح الشغل الشاغل لكل الدعاة إظهار تبرئهم من أي فكر يضطهد المرأة أو يتشدد في امرها (من خلال وجهة نظر غربية). وهذه المسألة، يفهمها كثير من الدعاة ولكنهم سرعان ما يقعون في مثلها بدون ان يشعرو بسبب تأثير العوامل الخارجية فيهم. ولهذا فكلامي هذا لا أتهم فيه النيات بقدر ما أتهم فيه فهم الواقع وعدم التنبه للتغيرات المحيطة بالشخص. 

مع أن النيات تلعب دورا مهما في هذا الموضوع، إذ أن كثيرا من المتصدرين تكون لديهم رغبة ملحة في جمع الجمهور وذلك لكي تصل كلمته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ومع المدة تتحول وسيلة التجميع إلى غاية في حد ذاتها فيفتن الداعية بالجماهير ويجد حرجا في معارضة أهواء من يتشوقون لسماع كلامه.

لهذا عندما نقول أن بعض الدعاة يساهمون في نشر النسوية، لا نقصد أنهم يدعمون الفكر النسوي مباشرة أو يتلقون دعما من منظمات نسوية ضرورة، إنما قد يكون داعما لها دون أن يشعر، هذا إن كان سليم النية طبعا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الدعاة
اقرأ أيضا
أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: إعادة صياغة اللغة


ليست هناك خطورة في مراجعات كلمات معينة أو مصطلحات غير دقيقة الصياغة أو كتابة نصوص تحابي المرأة بضمائر التأنيث وإنما الخطورة تكمن في أن الأنثوية تحاول أن تفرض كلمات معينة ومصطلحات خاصة وجديدة تعبر عن رؤيتها للعالم وفكرها الخاص في كل القضايا التي طرحناها وهي شاملة ومتعددة الجوانب وبهذا الشكل بإنها تريد تزييف المعارف الإنسانية والتمهيد لترسيخ ثقافة خاصة بها وخلق قيم جديدة وتكريسها عبر الوعاء اللغوي وعلاقة الترابط الموجودة بين الدال والمدلول

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
1851
ما هو البديل ج1 | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

ما هو البديل ج1


سؤال ما هو البديل هو أحد أشهر الأسئلة التي ترد عند الاحتساب على منكر معين فيأتي حينها المطالبة بإيجاد بديل مناسب يحل محل المنكر الذي ينهى عنه وهو سؤال مشروع وإيجابي في الجملة ولكن في أغلب الأحيان ينطوي على إشكاليات كثيرة وأباطيل لا بد من الوقوف عليها وهذا ما يقدمه المقال الذي بين يديكم

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله العجيري
1062
هل أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالا من الإنجيل على أنها أحاديث | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل أدخل مسلمة أهل الكتاب أقوالا من الإنجيل على أنها أحاديث


ليس من الإنصاف في شيء أن نقول: إن ما وجد في الدين الإسلامي ووجد في اليهودية أو النصرانية أن يكون مأخوذا منها فقد توافق القرآن الكريم الذي لا شك في تواتره وصونه عن أي تحريف والتوراة والإنجيل في بعض التشريعات والأخلاقيات والقصص فهل معنى هذا أنه مأخوذ منها أعتقد أن الجواب بالنفي ومما ينبغي أن يعلم أن الشرائع السماوية مردها إلى الله سبحانه وأن العقائد والفضائل الثابتة والضروريات التي لا تختلف باختلاف الأزمان ولا باختلاف الرسالات أمور مقررة في كل دين

بقلم: محمد أبو شهبة
1489
التغريب: الأهداف والأساليب ج2 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج2


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2460
العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر | مرابط
تفريغات

العلم أعمال وسرائر وليس أقوالا ومظاهر


من هاب الخلق ولم يحترم خلوته بالحق فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب فإن قل مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير وبقي مجرد تعظيمه وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه

بقلم: إبراهيم الدويش
442
مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية | مرابط
مناقشات

مراجعة كتاب الردة بين الحد والحرية


بعد خمسة عشر قرنا من استقرار أحكام الإسلام في نصوص الوحي وآثار الصحابة والتابعين وتقريرات المذاهب الأربعة تفاجأ المسلمون بالتفوق المادي للمجتمعات الغربية وتعلق الناس بثقافتها التي تمركز الحرية الليبرالية وتفاجأ المعنيون بأمر الإسلام أمام هذا السؤال أعني سؤال الموقف من الثقافة الليبرالية الغالبة فجماهير الفقهاء والدعاة مالوا إلى ضرورة التمسك بنص الإسلام كما أنزل وكما فهمته القرون المفضلة مع الأخذ بالأسباب والوسائل المادية المعاصرة وذهبت طوائف من العلمانيين إلى رفض أحكام الإسلام ببجاحة وضرورة...

بقلم: إبراهيم السكران
729