علمنة العلاج النفسي

علمنة العلاج النفسي | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

450 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المسلم له تميزه في تناول القضايا كلها، لأن الإسلام (صبغة الله) كما وصفه ربنا، فسيصبغ حياتك كلها بلونه الخاص. من ذلك موضوع العلاج النفسي، سواء الدوائي منه أو اللادوائي. والإسلام في هذا الموضوع متوازن، بخلاف تَوَجُّهَين متطرفين:

1. توجُّهٍ يقول: الأدوية والجلسات العلاجية كلام فارغ ! أقبِل على القرآن والدعاء والطاعات وسوف تتعافى من الأمراض النفسية.

2. وفي المقابل توجُّهٍ يركز على الأدوية والجلسات العلاجية مع إهمال الرسائل الإلهية في الابتلاء بالأمراض النفسية.

(وكان بين ذلك قَوامًا)...فالأدوية هي من الأخذ المشروع بالأسباب، وكذلك الجلسات العلاجية اللادوائية إذا حسُن استخدامها كما وضحت في كلمة (فكرة عن العلاج النفسي اللادوائي)، ولم يكن المعالِج متأثرًا بنظرةٍ للنفس مخالفة للنظرة الإسلامية، وهو أمرٌ ليس بالسهل 

لكن في مقابل إنكار الأخذ بالأسباب المشروعة، يقع كثير منا لا شعوريًا فيما يمكن وصفه بـ"عَلْمَنة العلاج النفسي"، بحيث تصبح هذه العلاجات "مُخَدِّرات" عن رسائل الله في أقداره.

الأمراض النفسية ابتلاءات، والكروب النفسية التي قد لا تصل إلى حد تشخيصها بالأمراض هي ابتلاءات كذلك. وهذا لا يتعارض مع وجود أسباب عضوية ومشاكل في التنشئة والتربية وكل ما يذكره النفسيون وتدل عليه الدراسات من عوامل لهذه الأمراض، كما بينتُ في كلمة (الغم والاكتئاب: ابتلاء أم اضطرابات فسيولوجية؟).

فهي في النهاية من أقدار الله، والله يحب لعباده أن يفهموا مُرادَه من أقداره، وأن يتفاعلوا معها بالعبوديات المناسبة لها: (لعلهم يضَّرَّعون)..فيريد الله من العبد أن يلجأ إليه ويتضرع ويراجع حساباته ويتخلص من ذنوبه ويتذكر الغاية من حياته ويعمل لآخرته.

هذا المعنى يغيب عادة في عملية العلاج النفسي، ويكون الهدف في العلاج إعادة المريض إلى "دنياه"، ليؤدي أدواره فيها، أو ما يُعَرِّفونه بالـ (Functionality)، أي أنْ يكون قائمًا بوظائفه "الدنيوية" أبًا كان أو أُمًا أو موظفًا أو طالبًا…

لكن تقع الغفلة عن أن يفقه المريض رسائل الله إليه من أقداره، لينفعه هذا البلاء في العمل لآخرته.
المعالج يريد أن يُخَلص المريض من المشاعر السلبية، وأن يوجد لديه الدافعية ويُحَسِّن إنتاجيته وانسجامه مع المجتمع، والمقياس في هذا كله عادة: الدنيا...أن نعيد المريض إلى "دنياه".
هذا كله مطلوب، لكن إذا غاب البعد الأخروي في الموضوع، فالعلاج يصبح مخدرًا ! بحيث يمر البلاء ولا تُفهم الرسالة الربانية !

حتى المعالج المحب لدينه قد يَذْكُر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته، لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض  هو تسخير ذلك كله لـ"دنيا" المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يُجعل هذا البلاء مُسَخرًا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

إذا فهمنا ما تقدم فإنا نستطيع أن نفصل في النزاع القائم بين التوجُّهين المتطرفين:

التوجُّه المسخف للأدوية والعلاجات، والتوجُّهٍ الذي يعيد المريض إلى "دنياه" ويخدره عن أن يفقه رسائل ربه إليه من البلاء.
التعارض ليس موجودًا ابتداء حتى نختار أحد الطرفين ونهمل الآخر.

- وجهنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى التضرع والدعاء والطاعة لكشف الكربات كالأمراض، وإلى الاعتبار بموت من مات، وفي الوقت ذاته كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تأمر بالتلبين للمريض والمحزون على الميت، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التلبينة تُجمُّ المريض (أي: تريح قلبه)، وتذهب ببعض الحُزن) (البخاري). والتلبينة سبب مادي، ومع ذلك فلا يتعارض مع الدعاء والعظة والاعتبار.

- عامة هذه الأفكار هي أخي المشتغل بالطب النفسي، الدكتور آدم الصقور، حيث أرسلها لي بعد كلمة ألقيتها بعنوان: (فكرة عن العلاح النفسي اللادوائي) لتكتمل الصورة. فجزاه الله خيرا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #العلاج-النفسي
اقرأ أيضا
مسائل حول الطلاق والسكنى | مرابط
المرأة

مسائل حول الطلاق والسكنى


أحكام الطلاق والعدد والسكنى أحكام لله لا يجوز الخروج عنها مهما بلغت البغضاء بين الزوجين فأمر الله وحده فوق ذلك كله ومن خالف تلك الحدود من الزوجين فظلمه على نفسه فالله لم يشرع الأحكام إلا لمنفعته ولو جهل ذلك أو غابت عنه حكمته وبيان ذلك في قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا

بقلم: عبد العزيز الطريفي
199
حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2 | مرابط
تفريغات

حرب التتار للخلافة العباسية ببغداد ج2


بين يديكم تفريغ لجزء من محاضرة للدكتور راغب السرجاني يدور حول الاجتياح المغولي للعراق والذي يعتبر من أبرز الأحداث في تاريخنا الإسلامي حيث يحمل الكثير من المآسي والعبر والدروس التي يجب أن نتعلمها فيما يخص تعامل المسلمين مع الأعداء

بقلم: راغب السرجاني
672
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2 | مرابط
تفريغات

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج2


لو قال قائل: إن زفر وابن القاسم والمزني والأثرم كانوا فقهاء وكل واحد منهم ينتمي إلى مذهب من المذاهب الأربعة وإن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد لم يكونوا فقهاء أو قال: إن الأخفش وابن الأنباري والمبرد كانوا نحاة والخليل وسيبويه والفراء لم يكونوا نحاة فهذا مستحيل ولا يوافقه أحد من أهل هذا الفن وأيضا لو قال أحد: إن صاحب الملكي والمسيحي ونحوهما من كتب الطب كانوا أطباء ولكن بقراط وجالينوس ونحوهما لم يكونوا أطباء فقوله مردود عند الأطباء وأصحاب كل فن يعرفون المتقدم في هذا الفن ولا يمكن أن يقروا بص...

بقلم: سفر الحوالي
752
وجعلنا بعضكم لبعض فتنة | مرابط
مقالات

وجعلنا بعضكم لبعض فتنة


وقد شاء الله أن تكون الدنيا دار امتحان واختبار وبلاء وليست دار جزاء ولا حكم بين العباد ولا فصل بينهم فيما هم فيه يختلفون وأنواع الابتلاءات متعددة ومتنوعة وليست قاصرة على الشر والمحن والمصائب فقط كما أن الناس بعضهم لبعض فتنة وموضع اختبار وامتحان وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا

بقلم: أحمد قوشتي
474
محاسن الفراسة | مرابط
اقتباسات وقطوف

محاسن الفراسة


ومن ألطف ما يحكى في ذلك: أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه فقال: سعد يا أمير المؤمنين فقال: أي السعود أنت قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين وسعد الذابح لأعدائك وسعد بلع على سماطك وسعد الأخبية لسرك فأعجبه ذلك ويشبه هذا: أن معن بن زائدة دخل على المنصور فقارب في خطوه فقال له المنصور: كبرت سنك يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: إنك لجلد قال: على أعدائك قال: وإن فيك لبقية قال: هي لك

بقلم: ابن القيم
661
الإيمان بالملائكة | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

الإيمان بالملائكة


الإيمان بالملائكة الذين هم عباد الله المكرمون والسفرة بينه تعالى: وبين رسله عليهم الصلاة والسلام المرام خلقا وخلقا والكرام على الله تعالى: البررة الطاهرين ذاتا وصفة وأفعالا المطيعين لله عز وجل خلقهم الله تعالى: من النور لعبادته ليسوا بناتا لله عز وجل ولا أولادا ولا شركاء معه ولا أندادا تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علوا كبيرا قال الله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارت...

بقلم: حافظ بن أحمد الحكمي
1293