شبهة حول تحريم المعازف

شبهة حول تحريم المعازف | مرابط

الكاتب: فهد بن صالح العجلان

2282 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

أصل الشبهة:

هل القول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو من (الغلو في التحريم) عند بعض العلماء المعاصرين، نظرًا لما في هذه الطريقة من (إنكار اعتبار الخلاف) كما يقرر بعض الناس؟


فهو يقول:
 
لا إشكال في التحريم لأنه قول اجتهادي، إنما الإشكال في عدم اعتبار الخلاف، لما فيه من غلو في التحريم، وتعطيل لاعتبار الخلاف السائغ؟

 

قول أهل العلم

الواقع أن هذا القول ليس قولًا خاصًا ببعض العلماء المعاصرين، فالقول بتحريم المعازف وعدم الاعتداد بخلاف من خالف فيها هو قول عامة أهل العلم، فهم لا يفتون بالتحريم فقط، بل ينصون معه على عدم اعتبار خلاف من خالف فيها، فخلاف المعازف هو عندهم من قبيل الخلاف غير السائغ.

ولهذا حكى كثير من العلماء إجماع العلماء على حرمة المعازف، وهؤلاء الأعلام الذين حكوا الإجماع لم يكن خافيًا عليهم أن بعض العلماء قد يجيز ذلك، وإنما دافع الإجماع عدم الاعتداد بهذا الخلاف، إما لكونه مسبوقًا بإجماع من قبلهم، أو لشذوذه ونكارته.

 

كما أن علماء المذاهب والمحققين من أهل العلم كانوا يجرون أحكام المعصية على المعازف، ولم يكن يتعاملون مع المعازف تعاملهم مع مسائل الخلاف السائغ، فتجد في كتب المذاهب الاربعة جميعًا تقرير إتلاف آلات الملاهي، وسقوط تضمينها، ومنع المجاهرة بها، وتعزير أصحابها، والحكم بالفسق وسقوط الشهادة، وغيرها، وهي نقول شهيرة لا يحتاج طالب العلم المبتدئ لذكرها، بما يعني أن الفقهاء لم يكن يقررون التحريم فقط، بل يرون القول بخلافه لا اعتبار له.
بل تجد في كلام كثير منهم أقوالًا شديدة في حق مستحل المعازف، ولو كانت المسألة في نظرهم من الخلاف السائغ لما ساغ اطلاق مثل هذه العبارات.
كما أن ذكر المعازف يأتي في كتب الفقهاء المتقدمين ضمن المعاصي والمنكرات ولا يذكر ضمن الخلاف السائغ.

 

إذن، فالمعازف في فتيا عامة الفقهاء محرمة، ولا يرون الخلاف فيها سائغًا، فهي ليست طريقة جديدة لبعض المعاصرين، بل هو مسلك عامة الفقهاء، فإذا كانت هذه الطريقة غلوًا وتشددًا، فهذا طعن في الحقيقة في عامة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين قبل أن يكون طعنًا في بعض الفقهاء المعاصرين، وهذه من الآثار السيئة التي تثمرها الخصومات المعاصرة، أن يتحمس بعض الناس في نقد بعض المعاصرين في اجتهاداتهم وقد يكون في انتقاداه لهم ما هو حق، لكن رهق الخصومة يدفع لتجاوزات يلزم منها النيل من قدر أهل العلم كافة بوصف قولهم بأنه غلو في التحريم، أو أن يلوم بعض المعاصرين على ما هو حق أو سائغ من كلامهم بسبب وقوعهم في أخطاء أو اجتهادات غير سائغة.

 

والتهاون في إطلاق أوصاف الغلو والتشدد والتطرف هي طريقة صحفية مستهلكة في زماننا، والعاقل البصير لا يعبأ بها، لكنها أصبحت تؤثر على قطاع كبير من الناس –من حيث يشعر أو لا يشعر- نظرًا لكثافة الضخ الإعلامي المصاحب لها.
ومن السهل هنا أن أضع عشرات المواعظ في أهمية العدل والموضوعية والوسطية، وأن أذكِّر الآخرين بكثير من الآداب والأخلاق، لكن التحدي الحقيقي هو في الالتزام العملي التام بها، وأما الكلام فيحسنه كل أحد.

 

الأمر الثاني:

 

إذا كان صاحب هذا الكلام حريصًا على الالتزام باعتبار الخلاف، وإذا كان يلوم بعض المعاصرين على عدم اعتداده بالخلاف وأن هذا غلو وتشدد، فهو في الحقيقة قد وقع فيما نهى عنه، فتحريم المعازف وعدم الاعتبار بخلاف من خالف هو في أقل أحواله قول معتبر، واختيار فقهي شهير وله أدلته، بل هو يستند في عدم الاعتبار للخلاف إلى أقوى مما يستدل به من يجيز المعازف، وحجم الخلاف فيه أقوى بكثير من حجم من خالف، فإذا كان الشخص صادقًا في اعتبار الخلاف فلماذا لا يعتبر بخلافهم؟ ولماذا يصف قولهم بالغلو والتشدد ويلغي اعتباره؟

 

فإذا كان الشخص يستند إلى قاعدة مراعاة الخلاف على حسب أصولها الشرعية واعتبارها الفقهي فلا بد أن يراعي خلاف من لا يعتد بخلاف المعازف، خاصة أنه قول عامة علماء الخلف والسلف، وأما إذا أعملها وفق الطريقة الصحفية فإنه سيقع في مثل هذا التناقض، فيبالغ في الإنكار بدعوى التمسك بمبدأ اعتبار الخلاف، في نفس الوقت الذي لا يلتزم هو نفسه بإعمال هذا المبدأ.

 

بل إن عدم اعتبار الخلاف السائغ –لو سلمنا ان المعازف من هذا النوع- هو أهون من الحكم على مذهب عامة أهل العلم في التحريم وعدم اعتبار خلاف من خالف بأنه من قبيل الغلو في التحريم.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#المعازف
اقرأ أيضا
التأويل المذموم | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

التأويل المذموم


مصطلح التأويل من أكثر المصطلحات تداولا لدى الفرق العقدية وأكثرها حضورا في كتبهم وأقوالهم إذ كان من حججهم الكبار في تحريف النص وفي هذا المقال يناقش الدكتور فهد بن صالح العجلان قضية التأويل ويوضح لنا ماهية التأويل الفاسد وكلام العلماء عنه وكيف يصل في النهاية إلى تحريف النصوص الواضحة عن معناها ومقصدها

بقلم: فهد بن صالح العجلان
3309
أفضل الصدقة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفضل الصدقة


مقتطف سريع من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري للعلامة ابن حجر العسقلاني يفسر فيه معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى فيذكر لنا الأقوال التي وردتنا عن سلفنا وعن الصحابة والتابعين في هذا الحديث

بقلم: ابن حجر العسقلاني
1966
الغضب لله والغيرة على حرماته | مرابط
اقتباسات وقطوف

الغضب لله والغيرة على حرماته


وإن الغضب لله والغيرة على حرماته من أهم نتائج الإيمان وعلاماته وكما أن محبة الله مقترنة بمعرفته ملازمة لها فإن الغيرة لا تنفك عن المحبة وإن المحب يغار وغيرته تلك علامة حبه وبذلك نفهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن مشاعر المؤمن تجاه حرمات الله: إن المؤمن يغار والله أشد غيرة

بقلم: محمد علي يوسف
402
إمكانيات فهم القرآن | مرابط
فكر مقالات

إمكانيات فهم القرآن


وأتذكر قصص السلف التي رويت في تراجمهم وما ذكر عن تهجدهم بالأسحار وقيام بعضهم الليل كله بآية يرددها من كتاب الله وجاء هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي ذر عند النسائي أيضا أتذكر هذه المشاهد من قيام بعض السلف ليلة كاملة بآية واحدة وأقول في نفسي: يا ترى كم هي المعاني التي فتحت لهذا المتهجد في قيام الليل حتى أصبحت قراءة الآية لا تزيده إلا شغفا بإعادتها

بقلم: إبراهيم السكران
668
أبرز آراء النسوية الراديكالية: الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية | مرابط
النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية


ومع تصاعد الموجة الجنسانية الحديثة وتمرد الغربيين على كل القيم والأعراف والأديان وميلهم لتقديس كل نزواتهم وغرائزهم والاستجابة لها بأية وسيلة ثم الإباحية المفرطة التي أدت إلى انصرافهم عن النساء بحثا عن تنويع اللذة وتكثير التجربة الجنسية وتطور هذا الأمر في العالم الغربي إلى حد أن تورطت فيه شخصيات كبيرة في المجتمع الغربي من السياسيين وأهل الفن والإعلام والرياضيين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال بل حتى وصل الأمر إلى رجال العبادة في الكنائس وفي أعلى المراتب الكنسية

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
2689
موضوعات رسالة العبودية لابن تيمية | مرابط
تفريغات

موضوعات رسالة العبودية لابن تيمية


يلاحظ أن ابن تيمية في جوابه على السؤال المتعلق بالعبودية بدأ في بيان حقيقة العبودية الشرعية ثم انتقل إلى موقف الصوفية من العبودية وبالذات في موضوع الإرادة الكونية والإرادة الشرعية والعبودية الاضطرارية والعبودية الاختيارية ثم رجع مرة أخرى إلى موضوع العبودية الشرعية ثم انتهى إلى قوله: فصل ولما بدأ بفصل بدأ في العبودية لغير الله وأخذ يتحدث عن العبودية لغير الله وذكر دقائق في التعبد لغير الله حتى في أمور مكروهة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
431