شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس

شبهة اختلاف أسماء بعض الشخصيات بين القرآن والكتاب المقدس | مرابط

الكاتب: محمد عمارة

1362 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشبهة

يعطى القرآن أسماء لبعض الشخصيات التاريخية مخالفة لأسمائهم حسب الكتاب المقدس الذى سبق القرآن بعدة قرون؛ فمثلًا والد إبراهم عليه السلام كان اسمه Teral أو (تارح)، ومع ذلك يسميه القرآن (آزر). واسم الذى كان يوسف عليه السلام فى بيته كان Potiphar، أما الاسم المعطى له فى القرآن فهو (عزيز) [12: 30].

 

الجواب:

أولًا: لا يصح أن نجعل من (الكتاب المقدس) حجة على القرآن ومرجعية له.. لأن الثابت -حتى فى الدراسات التى قام بها كثير من علماء اليهود والنصارى- أن هذا الكتاب المقدس قد أعيدت كتابته، وأصابه التحريف.. كما أن ترجماته قد أدخلت عليه تغييرات وتصحيفات، وخاصة فى أسماء الأماكن والأشخاص..

ثانيًا: لأن القرآن قد تمتع بمستوى من الحفظ والتوثيق والتواتر فى النقل جعله الوحى الوحيد الصحيح على ظهر هذا الكوكب الذى نعيش عليه.. فهو الحاكم والمرجع لكل ما عداه من النصوص الدينية الأخرى..

وفى هذا الإطار.. ومن هذا المنطلق نناقش الشبهات التى يثيرها هذا السؤال.. فنقول:

 

اسم والد إبراهيم عليه السلام

بالنسبة لاسم والد الخليل إبراهيم - عليه السلام - لا تختلف معظم المصادر الإسلامية - سواء منها تفاسير القرآن، أو قصص الأنبياء - على أن (آزر) ليس اسم والد إبراهيم.. وعلى أن اسمه (تارح)..

ومن العلماء من يرى أن (آزر) اسم صنم، وأن الآية خطاب استنكارى لعبادة والد إبراهيم لهذا الصنم، تقدم المفعول فى هذا الخطاب.. والمعنى أتتخذ آزر إلهًا ومعبودًا؟ ومن العلماء من يرى أن (آزر) لقب أطلق على (تارح) بعد أن عمل فى حاشية الملك الذى كان حاكمًا فى ذلك التاريخ..

ونحن نقرأ - حول هذه القضية - فى تفسير القرطبى:

" قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر) تكلم العلماء فى هذا، فقال أبو بكر محمد بن محمد بن الحسن الجوينى الشافعى الأشعرى فى النكت من التفسير له: وليس بين الناس اختلاف فى أن اسم والد إبراهيم تارح. والذى فى القرآن يدل على أن اسمه آزر.. وقيل: آزر اسم صنم. كأنه قال: وإذ قال إبراهيم لأبيه أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا آلهة..

قلت - أى القرطبى -: ما ادعاه من الاتفاق ليس عليه وفاق. فقد قال محمد بن إسحاق والكلبى والضحاك: إن آزر أبو إبراهيم عليه السلام وهو تارح، مثل إسرائيل ويعقوب. قلت: فيكون له اسمان. وقال مقاتل: آزر لقب، وتارح اسم. وحكاه الثعلبى عن ابن إسحاق القشيرى. ويجوز أن يكون العكس.. وقال الجوهرى: آزر اسم أعجمى، وهو مشتق من آزر فلان فلانًا إذا عاونه، فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام.. وقال مجاهد ويمان: آزر اسم صنم، أى أتتخذ آزر إلهًا، أتتخذ أصنامًا.. وقال الثعلبى فى كتاب العرائس: إن اسم أبى إبراهيم الذى سماه به أبوه تارح، فلما صار مع النمروذ قيمًا على خزانة آلهته سماه آزر. وقال مجاهد: إن آزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، وهو إبراهيم بن تارح بن ناخور بن ساروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ". [القرطبى ج 7 ص 22، 23]

ونفس التفسيرات الموضحة لهذه الشبهة نجدها فى (قصص الأنبياء):

" قال السيد المرتضى الزبيدى، فى ص 12 ج 3 (تاج العروس): وروى عن مجاهد فى قوله تعلى: (آزر أتتخذ أصنامًا) قال: لم يكن بأبيه، ولكن اسم آزر اسم صنم، فموضعه نصب على إضمار الفعل والتلاوة كأنه قال: وإذ قال إبراهيم أتتخذ آزر إلهًا، أى أتتخذ أصنامًا آلهة.

وقال الصغانى: التقدير أتتخذ آزر إلهًا.

وقد نقل شيخ العروبة المرحوم أحمد زكى باشا عبارة (تاج العروس) السابقة فى أول كتابه (تكملة كتاب الأصنام لابن الكلبى).

وهذا القول الذى قاله مجاهد أولى الأقوال عندى بالقبول. وعلى ذلك يكون والد إبراهيم لم يذكر باسمه العَلَمى فى القرآن الكريم.

ومما يستأنس له - بأن (آزر) اسم إله - أننا نجد فى الآلهة القديمة عند المصريين الإله (أزوريس) ومعناه: الإله القوى المعين. وقد كانت الأمم السالفة يقلد بعضهم بعضًا فى أسماء الآلهة.. " [قصص الأنبياء ص 72]

فليست هناك مشكلة إذن حول هذا الموضوع..

 

اسم الذي اشترى وآوى يوسف عليه السلام

أما الشبهة الثانية فى هذا السؤال والخاصة باسم الذى اشترى وآوى يوسف عليه السلام فى بيته، والذى أطلق عليه القرآن الكريم اسم (عزيز) بينما سماه الكتاب المقدس Potiphar فإنها لا تمثل - هى الأخرى - مشكلة من المشكلات..

ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان (رئاسة الشرطة) واسمه (فوطيفار).. ولقبه (العزيز).. فلا تناقض بين أسماء التعريف به هذه..

ولقد تناولت ذلك المصادر الإسلامية.. فى (قصص الأنبياء):

" وكان سيده رئيس شرطة المدينة، واسمه (فوطيفار)، ويعبر عن منصبه فى العبرية ب- (سرهاطباحيم)، أى رئيس الشرطة.. " [ص 122].

وفى تفسير القرطبى:

" قال الضحاك: هذا الذى اشتراه ملك مصر، ولقبه العزيز.. واسمه قطفير. وقال ابن إسحق: إطفير.. اشتراه لامرأته.. وقال ابن عباس: إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر.. وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك.... " [القرطبى ج 9 ص 158].

أما الخلافات والاختلافات الطفيفة فى نطق الاسم فهى واردة، بسبب النقل من لغة إلى لغة.. ومن لهجة إلى لهجة.. وبسبب النسخ للمخطوطات.. والتصحيف والتحريف.. فلا مشكلة إذن حول هذه الأسماء.

 


 

المصدر:

محمد عمارة، شبهات حول القرآن، ص7

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-حول-القرآن
اقرأ أيضا
التاريخ الهجري وهوية الأمة | مرابط
مقالات

التاريخ الهجري وهوية الأمة


فالواجب على المسلمين الثبات على تاريخهم الهجري والاعتزاز به فلا نؤرخ أيامنا وليالينا إلا به فهذا ما اختاره الله تعالى لنا وبنيت عليه كثير من أركان الإسلام وشرائعه العظام كرمضان والحج والعدد والكفارات وغيرها وفي ذلك من المصالح الدينية والدنيوية ما لا تخفى على ذوي العلم والبصيرة.

بقلم: د. عبد الله بن عمر الدميجي
464
حجاب الغفلة | مرابط
مقالات

حجاب الغفلة


حجاب الغفلة من أعظم جند الشيطان لإغواء بني آدم وما أحوج العبد إلى تمزيق هذا الحجاب بين الفينة والأخرى حتى لا يفجؤه الموت وهو بعيد عن الله حينها تتجلى له الحقيقة. ويعض أصابع الندم على ما قدم وأخر.إن زيارة واحدة للمقبرة ورؤية ذلك اللحد الضيق تكشف لك حقيقة الدنيا وتبين لك عوارها.. أهده نهاية الدنيا التي يتقاتل الناس من أجلها وفعلوا لأجلها الأفاعيل؟

بقلم: د. طلال بن فواز الحسان
274
المرأة المسلمة ج1 | مرابط
تفريغات المرأة

المرأة المسلمة ج1


المرأة إذا فسدت وانحرفت غدت فتنة لكل مفتون وسببت الفساد والدمار في المجتمع وركزوا على المرأة لأن المرأة هي التي تتخرج على يديها الأجيال التي ينتظر منها أن تبعث مجد الأمة والتي يتخرج على يديها الشباب الذين سوف يملئون الفراغ الذي وقعت به الأمة الإسلامية

بقلم: سلمان العودة
542
ألهاكم التكاثر | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

ألهاكم التكاثر


تعليق ماتع لابن القيم على قول الله تعالى ألهاكم التكاثر يقف بنا على دلالاتها ومعنى ألهاكم ولماذا قال ألهاكم ولم يقل أشغلكم وكذلك يوضح المقصود بالتكاثر هل هو على الإطلاق أم لا وهل اللهو كله محرم أم لا وكذلك التكاثر وغير ذلك من اللمحات المفيدة

بقلم: ابن القيم
1502
شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة: نحن أحق بالشك من إبراهيم


بين يديكم رد على الشبهة المتكررة التي يزعم مروجوها أن سيدنا إبراهيم عليه السلام شك في ربه وذلك استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم فيقول البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب الشك إلى إبراهيم وإلى نفسه.. بين يديكم رد على هذا الزعم.

بقلم: قاسم اكحيلات
403
شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات المرأة

شبهات حول الحجاب: الحجاب في القلب ج2


يردد المبغضون للحجاب من العالمانيين والمنصرين أن الحجاب الحقيقي هو حجاب القلب وليس هو مجرد قطعة قماش تلقى على الرأس والحقيقة أن الرد على هذا القول من أسهل ما يكون فهو ينطوي على الكثير من المغالطات العقلية والعقدية والمقال الذي بين يديكم يناقشها جميعا ويوضح الرد على هذه الفرية الحادثة

بقلم: سامي عامري
965