المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2

المذاهب والفرق المعاصرة: العلمانية ج2 | مرابط

الكاتب: عبد الرحيم السلمي

764 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الانحراف عن دين الله

يمكن أن نشير إلى ثلاثة أمور وقع فيها الانحراف:

الأمر الأول: الانحراف في الألوهية والعبادة.
الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم والتشريع والحاكمية.
الأمر الثالث: الانحراف في مفهوم القضاء والقدر.

 

الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة وأسبابه

أما الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة فإن له أسبابًا هيأت لهذا الانحراف الذي وجد، منها: أن الفرق الضالة مثل: الأشاعرة والماتريدية كانت تتبنى الإرجاء عقيدة في الإيمان، وكانوا يخرجون العمل عن مسمى الإيمان، وترتب على إخراجهم العمل من مسمى الإيمان أن أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، فلما أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، اعتبروا أن التوحيد الأساسي الذي يجب أن ندعو المسلمين إليه هو توحيد الربوبية، وهو إثبات أن الله الخالق الرازق المحيي المميت، فترتب على هذه المقالة أن الاستغاثة بغير الله، والدعاء لغير الله فيما لا يقدر عليه المخلوق، وأيضًا الذبح لغير الله أن هذا ليس من الشرك الأكبر المخرج عن الإسلام، وجاءت الصوفية بخرافاتها وبشركياتها، فوجدت جوًا مناسبًا في هذه الأفكار، أفكار الإرجاء التي دعمها الأشاعرة ودعمها الماتريدية بقوة، فانتشر الشرك في حياة الأمة، وأصبح في كل قطر وفي كل مدينة وفي كل قرية قبر عظيم بنيت عليه المباني الكبيرة، وله مدخل وله مطاف وله مخرج وله مكان للذبح، وهناك صناديق توضع فيه النذور، وأصبح الناس يتعبدون لغير الله سبحانه وتعالى، يعبدون القبور من دون الله سبحانه وتعالى، بل أصبح من جراء هذه الخرافة أن رجلًا واحدًا يمكن أن يعبد في أكثر من مكان في العالم الإسلامي.

فهذا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يعبد في العراق في كربلاء، ويعبد في دمشق في مقام يسمى رأس الحسين أو مقام النقطة، ويعبد في مصر في القاهرة، هذا رجل واحد يعبد في ثلاثة أماكن في العالم الإسلامي، وراجت بضاعة السحرة والكهنة والمشعوذين، بل إن أئمة الصوفية هم الذين يتبنون السحر، ويعالجون الناس عن طريق السحر، ويرون أن الرقى السحرية هي الرقى الشرعية التي يجب أن يعالج بها، وأصبحوا يضعون للناس حجبًا، ويخاطبون الجن، ويستغيثون بهم، ويدعونهم من دون الله، ويسمونهم الروحانيين، ويستغيثون بالملائكة، ويستغيثون بغير الله عز وجل، فانتشر الشرك في حياة المسلمين انتشارًا ذريعًا، ومن يقرأ ويجمع أخبار هذه الفترة في موضوع القبور يجد العجب العجاب في هذه المسألة، ولما ظهر بعض الدعاة إلى الله عز وجل مثل: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى يدعو إلى التوحيد الخالص، واجهه هؤلاء وحاربوه، وكان لهم مواقف شديدة معه، حاربوه علميًا بالردود الباطلة، واتهموه بالكذب.

وقالوا: إنه يدعي النبوة، وقال بعضهم: إنه يأمر بحلق رءوس النساء، وقال بعضهم: إن الوهابية يحرمون الشاي والقهوة، وقال بعضهم غير ذلك من كذب ودجل على أهل هذه الدعوة، وحاربوا أيضًا الشيخ محمود شكري الألوسي عندما تبنى هذه الدعوة في العراق، وأوذي إيذاء شديدًا من أصحاب الطرق الصوفية، وأصبح أصحاب الطرق الصوفية وأقطابها لهم المكانة العالية في الدولة العثمانية، وأصبح أي خليفة من خلفاء الدولة العثمانية يموت يجعل له مسجد من أجل أن يدفن فيه، فأصبح كل مسجد من مساجد المسلمين فيها قبر يوضع فيه، وعظم فيها ابن عربي، وعظم فيها عدد من طواغيت التصوف والمشركين الذين كانوا يعبدون غير الله سبحانه وتعالى، فأصبحت العبادة في مفهوم هؤلاء هي أن تعتقد أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق، وأن الله هو المحيي، وأن الله هو المميت، وحينئذ تكون موحدًا خالصًا، وأن تترك الأسباب كما سيأتي معنا في الكلام على القدر، وحينئذ تكون موحدًا خالصًا.

لكنك إذا قلت: إن العبادة يجب إفرادها لله، وأن تعظيم غير الله عز وجل شرك، وأن الطواف حول القبور شرك، سموك خارجيًا حروريًا بعيدًا عن السنة، فهذه الأجواء هيأت العالم الإسلامي لقبول الغزو الفكري ولقبول المذاهب الفكرية، بل إنها هيأته للانهزام أمام الجيوش أمام جحافل الغربيين عندما جاءوا لقتال المسلمين، حتى إن الشيوعيين لما بدأت ثورتهم في عام (1917) ميلادي ودخلوا على الجمهوريات الإسلامية، كان كثير منهم يترك قتال الشيوعيين ويذهب إلى القبور ويسقط عليها، ويقول: يا نقشبندي احمينا من الشيوعيين، ويأتي الشيوعيون ويقتلونهم على قبور أوليائهم، ولا يدفعون عن أنفسهم، وبعضهم كان يوصي الناس ويقول كما قال الأول:
يا خائف من التتر لوذوا بقبر أبي عمر

ولهذا صار هذا الانحراف فرصة ومناخًا مناسبًا لدخول الأفكار والمذاهب الغربية، وفي الوقت نفسه صار أيضًا فرصة مناسبة لاجتياح الغربيين الصليبيين للعام الإسلامي، وسيأتي معنا شيء من ذلك.

 

الانحراف في أصول الحكم

الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم، كانت دول الإسلام في تلك الفترة في فترة الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، الذي كان الغرب ينتفض على الكنيسة وينتفض على الأباطرة، وكان العالم الإسلامي في تلك الفترة ثلاث دول: الدولة الأولى: الدولة الصفوية، وقد كانت دولة شيعية يعتبرون أئمتهم معصومين، ويكفرون الصحابة، ويكفرون أئمة المسلمين والدين.

الدولة الثانية: هي الدولة المغولية، وهي من بقايا التتار الذين أعلنوا إسلامهم، وكانوا في تلك الفترة في بلاد الهند، وكان فيهم جهل عظيم بالإسلام، وانتشار للخرافات والخزعبلات والسحر والشعوذة.. ونحو ذلك.

الدولة الثالثة: وهي الدولة الكبيرة التي كانت مؤثرة في تلك الفترة هي الدولة العثمانية، وقد كانت في العراق وبلاد الشام، وكانت أيضًا في شمال أفريقيا، وأيضًا كان لهم وجود كبير داخل أوروبا كما قلت في أوروبا الشرقية من جهة تركيا، والحقيقة أن الدولة العثمانية في بدايتها كانت جادة ونشيطة في نشر الإسلام، ولهم مآثر عظيمة في الدعوة إلى الإسلام، وفي نشر الإسلام، وفي إقامة الجهاد في سبيل الله، وفي الحرص على الدعوة إلى الله عز وجل، وإن كان منذ أن بدءوا يوجد عندهم بعض الانحرافات العقدية، مثل: تبنيهم للتصوف، وتبنيهم لمذهب الماتريدية من جهة الاعتقاد النظري، لكن الدولة العثمانية في آخر أمرها انحرفت عن الخط الإسلامي انحرافًا كبيرًا، فقد أصبح غلاة الصوفية من المعظمين لـابن عربي الطائي الذي هو كما تعلمون يرى أن الوجود وحدة واحدة، وأنها هي الله، وأنك أنت الله وأنا الله وكل شيء هو الله، ولهذا يقول:

العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنى يكلف

يعني: كيف يكلف وهو رب؟! ليس هناك تكليف، وليس هناك أمر ولا نهي، وليس هناك رسل، وليس هناك ملائكة بل الجميع هو الله عندهم، ولهذا يقول: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه

يعني: كل شيء من الكلام من كلام الإنس أو الجن أو من نبيح الكلاب ونهيق الحمير وزقزقة العصافير ونحو ذلك كلها جميعًا يعتبرها من كلام الله سبحانه وتعالى، فتبنت الدولة العثمانية في آخر أمرها هذا المنهج الصوفي الخطير، الذي انحرف بها انحرافًا كبيرًا، فكانت الدولة العثمانية في تلك الفترة يوجد فيها سلبيات من جهة الحكم والتشريع، وكان لهذه السلبيات أثر كبير جدًا في سقوطها من جهة، وفي تبني من كان له أثر فيها للأفكار الغربية من جهة أخرى، ومن هذه الملاحظات والسلبيات التي كانت موجودة عندهم على الصعيد السياسي غياب مبدأ الشورى، والاعتماد على الملك الجبري عن طريق الوراثة النسبية، ولم يكونوا يشاركون الناس معهم في الحكم، ولم يكن هناك أهل للحل والعقد بحيث إنهم يصوبون أخطاءهم ويوجهونهم وينصحونهم، بل كان الحكم فرديًا، ليس فيه اعتماد على الشورى لا من قريب ولا من بعيد، في الوقت التي كانت أوروبا تواجه ضغط الجماهير التي تطالب بحرية التفكير من جهة.

وتطالب أيضًا بالمشاركة السياسية من جهة أخرى، وهذا يدل على أن الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت غائبة عن المرحلة التي تعيشها، فإن المرحلة التي تعيشها كانت تقتضي في أفضل الأحوال أن يأتوا بأهل الحل والعقد من العلماء ورؤساء الأجناد ويسلموهم مقاليد الحكم، بمعنى: أنهم يكونون هم المشرفين على الحكم، يوجهون الحكام بما أمر الله سبحانه وتعالى به، وبما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يعبئوا بذلك، فصار فيما بعد للمستغربين الذين اقتنعوا بأفكار الغربيين، مثل: حزب الاتحاد والترقي حجة في الوقوف ضد الدولة العثمانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى صار لبعض المغفلين ممن ساير الغرب وقال: إن العرب لا يشاركون في الحكم مع الدولة العثمانية صار أيضًا لهم حجة في التعاون مع انجلترا مثلًا لإحداث ثورة قومية كما حصلت في تلك الفترة، وكانت مؤثرة في سقوط الدولة العثمانية كما هو معلوم تاريخيًا.

وأيضًا من السلبيات التي كانت موجودة عند الدولة العثمانية على هذا الصعيد: إغلاق باب الاجتهاد، والاعتماد على الفقه الحنفي فقط، فهم أغلقوا باب الاجتهاد وقالوا: الاجتهاد في الفقه لا مجال له، وإنما عندنا الفقه الحنفي نعتمد عليه، والفقه الحنفي كما هو معلوم يتميز بكثرة الافتراضات غير الموجودة التي يتخيلون أنها تقع، ومع هذا لما أغلقوا باب الاجتهاد، واعتمدوا على الفقه الحنفي، وصاروا لا يتحركون إلا في دائرة ضيقة في مجال الفقه الإسلامي، ولم يعتمدوا على النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة، ويستنبطوا منها مصالحهم في الفترة التي تناسبهم، لما صار عندهم هذا في الوقت نفسه صار العالم يتجه نحو التنظيم ويتجه نحو الترتيب، وأصبحت الدولة العثمانية أمام مأزق في كثير من المشكلات الموجودة عندهم، فالجيش مثلًا كان عندهم عبارة عن ناس متطوعين يعتمدون على السيف والخيل، وإن اعتمدوا على بعض البارود، لكنه ليس عندهم جيش منظم، فاحتاجوا إلى وجود جيش منظم ومدرب في نفس الوقت.

وأيضًا على الصعيد الإداري احتاجوا لتنظيم الشئون الإدارية والأقاليم، وتحديد الصلاحيات، وكل شخص مثلًا له صلاحية.. ونحو ذلك، احتاجوا لهذا الأمر، ولعدم فتح باب الاجتهاد أثر ذلك عليهم تأثيرًا كبيرًا، فاستقدموا الغربيين في الجانب التنظيمي، لم يستقدموهم في الجانب التشريعي، مثل: تشريع الحدود والأوقاف والدماء.. ونحو ذلك، ما استفادوا منهم في هذا؛ لأن عندهم ما يكفيهم، لكن استفادوا منهم في تنظيم الجيش، فاستقدموا شخصيات من دول أوروبية من أجل أن تنظم وتدرب لهم الجيش، وكانت هذه هي بداية للقوانين الوضعية، لما استقدموا هؤلاء في الأمور التنظيمية جاءوا إلى الأمور التشريعية، وإذا عندهم متطلبات كثيرة، عندهم أقليات مثلًا غير مسلمة، وهناك مطالب لهم، ويذكرون بعض أقوال أهل العلم المبيحة مثلًا للتعامل مع الأقليات بشكل حر، بحيث إنه يمكن لهم أن يقيموا برامج، ويمكن أن يقيموا أحزابًا، ويمكن أن يقيموا دعوة لهم، هذه المشكلات مع ضعف الدولة جعلتهم يتقبلون الأنظمة الغربية، وإن لم يحصل هذا بشكل مباشر من بداية الأمر، لكنه حصل بشكل متدرج، حتى لما سقطت الدولة العثمانية كان عند كثير من أصحاب القرار في العالم الإسلامي قبول لأخذ القوانين الغربية، مثل: القانون الفرنسي، أو القانون البريطاني كما سيأتي بيانه، ولو أنهم فتحوا باب الاجتهاد، ولو أنهم تعاملوا بالمنهج الصحيح في التفقه، لوجدوا في الفقه الإسلامي كفاية تكفيهم عن استيراد أنظمة غربية، سواء في المجال الإداري أو المجال التشريعي.

 

الانحراف في مفهوم القضاء والقدر

الأمر الثالث الذي وقع فيه الانحراف في حياة المسلمين وكان سببًا لتهيؤهم لقبول الأفكار والمذاهب الغربية: هو الانحراف في مفهوم القضاء والقدر، وذلك أن الدولة العثمانية كما سبق أن أشرنا تتبنى مذهب الماتريدية، والماتريدية والأشاعرة في باب القدر جبرية، وعندهم نظرية تسمى: نظرية الكسب، كما سبق أن ذكرنا في دروس ماضية، فهم يثبتون فيها علم الله، ويثبتون إرادة الله عز وجل المطلقة، وأنه خالق لأفعال العباد، لكنهم لا ينسبون إلى العبد فعلًا، وحينئذ جعلوا العبد مسلوب الإرادة، واعتبروا أن أعظم التوكل هو الاعتماد على القدر، وأن تسلم جميع أمورك وألا تجتهد في بذل السبب، هذه العقيدة لما انتشرت وراجت في المسلمين، جعلتهم يفرطون في الأسباب المادية، وحينئذ إذا قيل لهم: نظموا مثلًا أموركم قالوا: نعتمد على الله، سيأتيكم الغرب الآن ويجتاحكم قالوا: نعتمد على الله، ونتوكل على الله، والإنسان إذا توكل على الله فهو حسبه، ويفهمون التوكل بمفهوم خاطئ وهو ترك العمل بالأسباب.

بل إنهم أصبحوا يعيبون من يعمل بالأسباب وينتقدونه، وبعضهم يعتبر أن هذا من الشرك؛ لأن فيه اعتماد على السبب، وهذا خطأ كبير؛ فإن الله عز وجل يدبر الكون بالأسباب، ولا يمكن أن تحصل المسببات إلا بأسباب، والجميع من قدر الله.

سأنقل لكم كلمة لأحد المستشرقين الألمان وهو باول اشمتس يقول في كتاب له اسمه (الإسلام قوة الغد العالمية) انظروا كيف أن هذا المستشرق استطاع أن يكتشف الخلل عند المسلمين، هو يتكلم عن أن الإسلام هو القوة، لكن ما هو الإسلام الذي يتكلم عنه؟ هو الإسلام الحقيقي الصحيح، يقول باول : طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله، والرضا بقضائه وقدره، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وكان لهذه الطاعة -يعني: الإيمان بالقدر- أثران مختلفان، ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دورًا كبيرًا في الحروب، إذ حققت نصرًا متواصلًا؛ لأنها دفعت في الجندي روح الفداء، وأصبح يرمي بنفسه في القتال ويقول: إن قتلت ففي سبيل الله وهذا بقدر الله، وفي العصور الأخيرة كانت سببًا في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله عن تيارات الأحداث العالمية.

فانظروا إلى هذا الرجل الكافر كيف استطاع أن يكشف الخلل عند المسلمين، ولهذا يا إخوان! هذه المذاهب وهذه الأفكار وهذا الانفلات من الدين بالطريقة التي صارت عند الغربيين في أوروبا، وعند من تابعهم من المسلمين لا تحصل أبدًا مع وجود الدين الحق الصحيح، وإنما تحصل عندما يكون هناك دين باطل، ويظنون أن هذا هو الدين الذي من عند الله، فالدين الذي كانت تتبناه أوروبا دين باطل كما سبق أن بينا، والذين انتسبوا إلى العلمانية من المنتسبين للإسلام تبنوا العلمانية في العالم الإسلامي، وظنوا أن الدين الحق الذي جاء من عند الله هو التصوف، أو عقيدة الجبر في القضاء والقدر، أو الطواف حول القبور والذبح لها والنذر لغير الله، أو الخرافات التي عند هؤلاء وأولئك، أو ترك مبدأ الشورى في الحكم، أو قفل باب الاجتهاد، وأن الفقه الإسلامي عقيم لا ينتج آراء ولا ينتج حلًا لمشكلات العصر، حينئذ انتفضوا على الدين كله، فوقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون، والعلمانيون من الغربيين قد يكونون معذورين بعض الشيء عندما انتفضوا على دينهم الباطل، فما هو عذر هؤلاء الذين انتفضوا على دين الإسلام؟ ليس لهم عذر، كان بالإمكان أن يبحثوا عن الدين الحق ويتبنوه ويعتقدوه، وحينئذ سترجع لهم عزتهم التي كانت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، سترجع لهم نفس العزة بالضبط.

هذا هو السبب الأول، وهو السبب الذاتي الموجود في المسلمين: وهو الانحراف عن العقيدة الصحيحة، والانحراف عن منهج الله سبحانه وتعالى في مجالات متعددة كما سبق أن أشرنا.

 

اجتماع الأعداء ضد الإسلام

السبب الثاني هو تآمر الأعداء والتخطيط ضد المسلمين، أيها الإخوان! نعلم أن هناك متآمرين على المسلمين، لكن المنهج القرآني يبين لنا أننا إذا انحرفنا في أنفسنا، فإن أعداءنا سيتمكنون منا، لكن إذا استطعنا أن نلتزم بديننا الحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، فلن يكون لهم قدرة علينا، ولهذا مشاكلنا تعود إلى أنفسنا، وكثير من المصلحين عندما يناقش انهزامات المسلمين وتأخرهم عن الصدارة في العالم المعاصر، يرد ذلك إلى كيد الأعداء فقط، ويقول: نحن فينا خير كثير، لكن الأعداء كانوا شرسين، والأعداء أقوياء، وهم كثر ومتعددون نقول: فعلًا هم كثر ولهم تأثير، لكن السبب الحقيقي يعود إلينا نحن، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فنحن نؤتى من جهة أنفسنا، والعدو حتى لو كان متآمرًا وحتى لو كان قويًا فإن الله سينصرنا عليه بإذنه تعالى، إذا التزمنا بديننا بشكل صحيح، ولهذا يجب على الإنسان أن يدرك هذا الأمر، وحينئذ يبدأ الإصلاح من أنفسنا نحن وذواتنا نحن، يبدأ الإصلاح من ذوات المسلمين، وحينئذ لو ملك العالم الغربي جميع أنواع القوة، فإنه لن ينتصر على المسلمين أبدًا، وهذا هو الواقع التاريخي الذي حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في هذا يطول.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية
اقرأ أيضا
الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية | مرابط
الإلحاد

الإلحاد ورد الإنسان إلى البهيمية


لقد ترك الملاحدة للداروينتة صياغة صورة حقيقة الإنسان وصناعة مراحل تاريخه وهو أمر يظهر بوضوح في جميع أدبياتهم عند مناقشة قضايا نظرية المعرفة والقيم ومعنى الحياة والفكاك عن ذلك -إلحاديا- محال لأن رفض الداروينية أو أي صورة أخرى من صور التطور العشوائي للكائنات الحية

بقلم: د سامي عامري
520
أفضل الصدقة | مرابط
اقتباسات وقطوف

أفضل الصدقة


مقتطف سريع من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري للعلامة ابن حجر العسقلاني يفسر فيه معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى فيذكر لنا الأقوال التي وردتنا عن سلفنا وعن الصحابة والتابعين في هذا الحديث

بقلم: ابن حجر العسقلاني
1964
عن قبح اللوطية وانعكاس الفطرة | مرابط
الجندرية

عن قبح اللوطية وانعكاس الفطرة


ثم أكد قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور وهي شهوة النساء دون الذكور فقلبوا الأمر وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها وكذلك قلبوا هم ونكسوا في العذاب على رؤوسهم.

بقلم: ابن القيم
436
العبودية الباطنة والظاهرة | مرابط
اقتباسات وقطوف

العبودية الباطنة والظاهرة


إن لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية وعلى لسانه وجوارحه عبودية فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة مما لا يقربه إلى ربه ولا يوجد له الثواب وقبول عمله

بقلم: ابن القيم
439
كيف تتعامل مع الفتور في رمضان؟ | مرابط
مقالات

كيف تتعامل مع الفتور في رمضان؟


لا تسمح للشيطان أن يحايلك أو لنفسك أن تحايلك وتتحاور معك في ترتيب المعصية.. لا تسمح لهما بذلك أبدا. وطريقك لذلك: بأن تضع قاعدة سلوكية يقينية فتعاهد عليها نفسك وتقول: هذا مبدئي وخلقي. والقاعدة هي: لن أعصي الله أبدا حدث نفسك بهذا. وأما الحوار والمحايلة فهو أن يكون في قلبك وخاطرك أخذ ورد تمهيدا وترتيبا للعصيان.

بقلم: خالد بهاء الدين
936
قاعدة الجزاء والحساب ج1 | مرابط
تفريغات

قاعدة الجزاء والحساب ج1


إن الله تبارك وتعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما لما له من نتائج وخيمة وعواقب أليمة وكان ينبغي لأولئك الذين يظلمون العباد ويسعون في الأرض الفساد أن يتعظوا ويعتبروا بمن سبقهم من الظلمة وهنيئا لذلك الرجل الذي امتلأ قلبه بحب الله فهو يعلم أن هدايته بيد الله وأن رزقه سيأتي إليه رضي الطواغيت أم سخطوا لأن الله هو الذي كتبه

بقلم: عمر الأشقر
787