الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد

الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد | مرابط

الكاتب: د. سلطان بن عبد الرحمن العميري

448 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أصول الخلل الذي وقع فيه كثير من المتكلمين في حقيقة التوحيد، يتحصل في الأمور التالية:

الأمر الأول: تقليص دائرته، فإن كثبرا منهم جعل دائرته مقتصرة على إثبات معنى الربوبية والأسماء والصفات، وهذا خلل كبير، فدائرة التوحيد أوسع من ذلك، فإن من أهم ما يدخل فيها توحيد الله تعالى في استحقاقه للعبادة وإفراده بها دون ما سواه.

الأمر الثاني: الانحراف في حقيقة ما أثبتوه من أنواعه، ومعنى ذلك أنه مع تقليص كثير من المتكلمين لدائرة التوحيد إلا أنهم لم يصيبوا تمام الإصابة فيما أثبتوه، وإنما دخل عليهم الخلل من جهات كثيرة، فلم يجعلوا توحيد الربوبية فطريا، ولم يثبتوا تمام صفات الله تعالى، ولم يصيبوا في أدلة ما أثبتوه.

الأمر الثالث: اعتقاد كثير منهم الترادف بين الربوبية والألوهية، وذلك بجعل الإله والرب بمعنى واحد، ونفسيرهم للإله بأنه القادر على الاختراع، وقد سبق مناقشة ما في هذا الأمر من حلل.

وقد جاء في بعض كلام ابن تيمية ما يشير إلى أنه قول لجميعهم، ولكنه بين في مواضع أخرى أنه قول لبعضهم،  فإنه قول لبعض المتكلمين، كبعض متقدمي الأشاعرة وكثير من المتأخرين منهم وليس قولا لجميعهم، فإن بعضهم فق بين معنى الربوبية والألوهية واستدل بالأول على الثاني كما سبق بيانه.

الأمر الرابع: تغليب الاهتمام بالربوبية على الألوهية، ومعنى ذلك أن المتكلمين غلب عليهم الاشتعال بتفاصيل توحيد الربوبية والأسماء والصفات على توحيد الألوهية، فذكرهم لما يتعلق به كثيرًا جدًا.

ومن خلال هذا البيان يتضح لك أن المتكلمين لم يعقلوا توحيد الألوهية ولم ينكروه، وإنما أغفلوا الاشتعال به، والناظر في مصنفات المعتزلة والأشاعرة والماتريدية يجد مادة واسعة في بيان حقيقته وشرح أدلته وبراهينه وذكر لعدد من التفاصيل المتعلقة به، ولكنها لا تساوي ما فيها من مواد متعلقة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولا تساوي منزلته في دين الله تعالى.

الأمر الخامس: الانحراف في تحديد غايته، فقد جعل كتير منهم أعلى ما في التوحيد إثبات وحدة الله تعالى في ربوبيته، يقول محمد عبده في تعريف التوحيد: “وسمي بذلك بأهم أجزائه، وهو إثبات الوحدة لله تعالى في الذات والفعل في خلق الأكوان”

الأمر السادس: الانحراف في معنى التوحيد في اللغة، وذلك أن كثيرا من المتكلمين يجعلون من معاني التوحيد في اللغة ما لا ينقسم، أو ما ينفى عنه الصفات، وفي بيان هذا الخلل يقول ابن تيمية: "ليس في كلام العرب بل ولا عامة أهل اللغات أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمى واحدًا ولا تسمى أحدًا في النفي والإثبات بل المنقول وبالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا حيث أطلقوا ذلك ووحيدا قال تعالى: "ذرني ومن خلقت وحيدا" وهو الوليد بن المغيرة.

وقال تعالى: "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"، فسماها واحدة وهي امرأة واحدة متصفة بالصفات بل جسم حامل للأعراض، وقال تعالى: "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله"، وقال تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره"، وقال تعالى "أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" .. فإن كان لفظ الأحد لا يقال على ما قامت به الصفات، بل ولا على شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض ﻷنها منقسمة، لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد، بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد"


المصدر:
د. سلطان العميري، المسلك الرشيد في شرح كتاب التوحيد

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#شبهات-المتكلمين #حقيقة-التوحيد
اقرأ أيضا
باب الصفات: بين عقيدة السلف وتحريف الجهمية | مرابط
أباطيل وشبهات

باب الصفات: بين عقيدة السلف وتحريف الجهمية


وما قرره الإمام الترمذي هنا وحكاه عن علماء أهل السنة من إثبات صفات الله تعالى وعدم التعرض لكيفيتها مع تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات فهو الحق الذي تلقوه عمن قبلهم من سلف الأمة وإنما يكون أثباتها مع العلم بمعانيها وأما دعوى اثبات الصفة دون العلم بمعناها فقول متناقض مضطرب لا يحتمله منهج السلف ولا تأتي به اللغة ولا يقوم بعقل عاقل.

بقلم: عبد الله القرني
281
المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2 | مرابط
تفريغات الديمقراطية

المذاهب والفرق المعاصرة: الديمقراطية ج2


تناحر الأحزاب وتشاحنها فإن الديمقراطية تسمح بتكوين أحزاب وهذه الأحزاب تشحذ همم الناس على ترشيحها وقد تصل إلى السلطة وقد لا تصل إليها وهذا يفرق وحدة المسلمين والله عز وجل قد أمر بالوحدة والألفة فقال الله عز وجل وإن هذه أمتكم أمة واحدة المؤمنون 52 وأمر سبحانه وتعالى بالاجتماع على كلمة سواء ونهى عن التفرق والاختلاف فتكوين الأحزاب بهذه الطريقة هو تفريق لوحدة الأمة

بقلم: عبد الرحيم السلمي
695
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج2 | مرابط
مناظرات

مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للأحمدية ج2


أما بعد.. فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس أي بعد السبعمائة لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الاطلاع عليه. فإن من كان غائبا عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
541
المطالعة | مرابط
فكر مقالات

المطالعة


وقصة البخاري في بغداد أعجب لما جاء البخاري بغداد وقعد للدرس وكان شابا أراد بعض المحدثين أن يختبروا حفظه فجاؤوا بمائة حديث فخلطوا متونها بأسانيدها أي أنهم جعلوا سند هذا المتن لذاك وسند ذاك لهذا ثم جاؤوا بعشرة أشخاص فحفظوا كل واحد عشرة من الأحاديث المخلوطة فلما قعد البخاري للدرس قام أولهم فسأله: ما تقول في حديث كذا وسرد عليه أحد الأحاديث المخلوطة فقال: لا أعرفه فسأله عن الثاني والثالث إلى العاشر وهو يقول: لا أعرفه

بقلم: علي الطنطاوي
1254
لماذا نحب الرسول الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

لماذا نحب الرسول الجزء الرابع


أهل السنة والجماعة في باب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم حق بين باطلين الباطل الأول: الغلو فيه والباطل الثاني: الجفاء لا نريد نحن أن تقسو قلوبنا على الرسول صلى الله عليه وسلم ونشعر بالجفاء لا نريد أن نحيي قلوبنا بمحبته عليه الصلاة السلام لكن في الطرف الآخر لا نغلو به ونرفعه فوق منزلته

بقلم: محمد المنجد
621
التشكيك في الإسلام بسبب تأخر المسلمين | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

التشكيك في الإسلام بسبب تأخر المسلمين


يردد كثير من الملحدين والمشككين في الإسلام هذه الأسئلة:لماذا يعيش العالم الإسلامي متأخرا عن العالم الغربي وعن الدول الإلحادية في الجوانب الصناعية والتقنية والعسكرية ألا يدل ذلك على عدم صحة الإسلام ولماذا يكثر القتل بين المسلمين في حين يعيش الملحدون بسلام وفي هذا المقال رد على هذه الإشكالية أو الشبهة

بقلم: أحمد يوسف السيد
1825