الليبرالية في ميزان الإسلام

الليبرالية في ميزان الإسلام | مرابط

الكاتب: مجموعة كتاب

705 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الليبرالية هي وجه آخر من وجوه العلمانية، وهي تعني في الأصل الحرية، غير أن معتنقيها يقصدون بها أن يكون الإنسان حرًا في أن يفعل ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء ويحكم بما يشاء، فالإنسان عند الليبراليين إله نفسه، وعابد هواه، غير محكوم بشريعة من الله تعالى الذي قال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162، 163).

ولهذا فإن الليبرالية لا تعطيك إجابات حاسمة على الأسئلة التالية مثلًا: النظام الإسلامي حق أم لا؟ وهل الربا حرام أم حلال؟ وهل القمار حرام أم حلال؟ وهل نسمح بالخمر أم نمنعها؟، وهل للمرأة أن تتبرج أم عليها أن تتحجب؟، وهل تساوي الرجل في كل شيء أم تختلف معه في بعض الأمور؟، وهل الزنا جريمة أم علاقة شخصية وإشباع لغريزة طبيعية إذا وقعت برضا الطرفين؟، وما هي القيم التي تحكم المجتمع؟، وهل الإجهاض مسموح أم ممنوع؟، وهل الشذوذ الجنسي حق أم باطل؟، وهل نسمح بحرية نشر أي شيء أم نمنع نشر الإلحاد والإباحية؟

 

مبدأ الليبرالية:

فالليبرالية ليس عندها جواب تعطيه للناس على هذه الأسئلة، ومبدؤها العام هو: دعوا الناس كل إله لنفسه وعابد لهواه، فهم أحرار في الإجابة على هذه الأسئلة كما يشتهون ويشاءون، وأما ما يجب أن يسود المجتمع من القوانين والأحكام، فليس هناك سبيل إلا التصويت الديمقراطي، وبه وحده تعرف القوانين التي تحكم الحياة العامة، وهو شريعة الناس لا شريعة لهم سواها ولا يقيم الليبراليون أي وزن لشريعة الله تعالى، إذا ناقض التصويت الديمقراطي أحكامها المحكمة المنزلة من الله تعالى، ولا يبالون أن يضربوا بأحكامها عرض الحائط، حتى لو كان الحكم النهائي الناتج من التصويت هو عدم تجريم الزنا، أو عدم تجريم شرب الخمر، أو كان تحليلًا للربا، أو كان السماح بتبرج النساء، أو التعري والشذوذ الجنسي والإجهاض، أو نشر الإلحاد تحت ذريعة حرية الرأي، وكل شيء في المذهب الليبرالي متغير، وقابل للجدل والأخذ والرد حتى أحكام القرآن المحكمة القطعية.

فإذن إله الليبرالية الحاكم على كل شيء بالصواب أو الخطأ حرية الإنسان وهواه وعقله وفكره، وحكم الأغلبية من الأصوات هو القول الفصل في كل شئون حياة الناس العامة، سواء عندهم عارض الشريعة الإلهية أم وافقها، غير أن العجب كل العجب أنه لو صار حكم الأغلبية هو الدين، واختار عامة الشعب الحكم بالإسلام، واتباع منهج الله تعالى فإن الليبرالية هنا تنزعج انزعاجًا شديدًا، وتشن على هذا الاختيار الشعبي حرب شعواء، فيتشبهون بهؤلاء الذين قال عنهم الله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزمر:45).

فالليبرالية إذاُ عندما تقول للناس دعوا عبادة الله تعالى واتباع شريعته إلى طاعة وعبادة الهوى والشيطان؛ فهي تدعو إلى الشرك والكفر وفعل الفحشاء والمنكر، وهي عندما تزعم أنه لا يوجد حق مطلق إلا الحرية والتغير؛ فإنها تكفر بثوابت القرآن والسنة وبأحكام الشريعة المحكمة التي أنزلها الله تعالى، والليبرالية عندما تسوي بين دين الله الحق وغيره من الأهواء الباطلة، وعندما تسوي بين المؤمنين بالله تعالى المتبعين لدينه والكافرين به بزعم أن الجميع سواء في مبدأ الحرية، فهي بذلك تشرع شريعة تناقض شريعة الله تعالى القائل: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) (السجدة: 18)

 


 

المصدر:

مجموعة مؤلفين، العلمانية والليبرالية والديمقراطية والدولة المدنية في ميزان الإسلام، ص16

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية
اقرأ أيضا
مصارع المغرقين | مرابط
فكر مقالات

مصارع المغرقين


سأل رجل الإمام الشافعي عن مسألة فقال: يروى فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل: يا أبا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي أرعد وانتقص فقال: يا هذا أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به نعم على السمع والبصر على السمع والبصر

بقلم: فهد بن صالح العجلان
760
نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس | مرابط
اقتباسات وقطوف

نصيحة شيخ الإسلام: لا تقصد رضا الناس


وكنت أخبرتك أن سيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن تيمية -أيده الله وأحسن إليه- أوصاني مرة في سنة ثلاث وسبعمائة وصية بليغة حفظت منها قوله: لا تقصد رضا الناس بأقوالك ولا أفعالك: فإن رضا الناس غاية لا تدرك اليوم إن ترض الناس يشكروك وفي غد تسخطهم يذموك

بقلم: ابن الحبال البعلي
745
إشكالات الاختلاط | مرابط
المرأة

إشكالات الاختلاط


صورة التطبيع والتسليم مع الاختلاط أن يبحث عن ضوابط الاختلاط مع إغفال أصل المشكلة مثلا كثير من الدول العربية ليس فيها جامعات منفصلة فيأت مثلا بعضهم فلا يبحث عن حكم هذه الجامعات من أصلها وهل هي بصورتها المعاصرة القبيحة مما يقاس عليه خروج المرأة قديما إلى السوق لحاجتها

بقلم: محمد ياسين
375
حارب إعلامهم بابتسامتك | مرابط
فكر

حارب إعلامهم بابتسامتك


زرت بيت جدي فكان يتابع مسلسلا يظهر مجموعة من الملتحين بمظهر منفر يتحدثون بالفصحى بتشدق تابعت 15 دقيقة من المسلسل فلما خرجت إلى الشارع أصبحت إن رأيت ملتحيا كرهته لا شعوريا هذا مع أني ملتح ولم أتابع إلا 15 دقيقة فكيف بمن يعيشون مع هذه المسلسلات

بقلم: د إياد قنيبي
670
هل شك إبراهيم عليه السلام | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين مقالات

هل شك إبراهيم عليه السلام


يقول بعض الطاعنين في القرآن الكريم أن بعض الآيات صورت سيدنا إبراهيم بغير ما يليق به وهذا دليل على أن القرآن ليس وحيا من عند الله ويستندون في ذلك إلى مسألة ربوبية الشمس والقمر وإلى طلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يشهد عملية الإحياء والرد على هذا الزعم الباطل في المقال الذي بين يدينا بقلم الدكتور منقذ السقار

بقلم: د منقذ محمود السقار
2494
كيف كان النبي يعالج الكرب والهم والغم والحزن؟ | مرابط
تعزيز اليقين

كيف كان النبي يعالج الكرب والهم والغم والحزن؟


فصل ماتع من كتاب الطب النبوي لابن القيم يبين فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الهم والغم والكرب والحزن ويجمع فيه الأحاديث الواردة في هذه المسائل ودلالتها.

بقلم: ابن القيم
288