الزهد المشروع

الزهد المشروع | مرابط

الكاتب: شيخ الإسلام ابن تيمية

288 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن رجل تفقه وعلم ما أمر الله به وما نهى عنه ثم تزهد وترك الدنيا والمال والأهل والأولاد خائفا من كسب الحرام والشبهات وبعث الآخرة وطلب رضا الله ورسوله وساح في أرض الله والبلدان فهل يجوز له أن يقطع الرحم ويسيح كما ذكر أم لا؟

فأجاب: الحمد لله وحده.
الزهد المشروع هو ترك كل شيء لا ينفع في الدار الآخرة وثقة القلب بما عند الله. كما في الحديث الذي في الترمذي {ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق بما في يدك وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت أرغب منك فيها لو أنها بقيت لك} لأن الله تعالى يقول {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.

فهذا صفة " القلب ". وأما في " الظاهر " فترك الفضول التي لا يستعان بها على طاعة الله من مطعم وملبس ومال وغير ذلك؛ كما قال الإمام أحمد: إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وصبر أيام قلائل.

وجماع ذلك خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: {خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة}. وكان عادته في المطعم أنه لا يرد موجودا ولا يتكلف مفقودا ويلبس من اللباس ما تيسر من قطن وصوف وغير ذلك وكان القطن أحب إليه {وكان إذا بلغه أن بعض أصحابه يريد أن يعتدي فيزيد في الزهد أو العبادة على المشروع ويقول: أينا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب.

لذلك ويقول: والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدود الله تعالى} {وبلغه أن بعض أصحابه قال: أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فأقوم فلا أنام وقال آخر أما أنا فلا أتزوج النساء وقال آخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال صلى الله عليه وسلم لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني}. فأما الإعراض عن الأهل والأولاد فليس مما يحبه الله ورسوله ولا هو من دين الأنبياء؛ بل قد قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} والإنفاق على العيال والكسب لهم يكون واجبا تارة ومستحبا أخرى فكيف يكون ترك الواجب أو المستحب من الدين وكذلك السياحة في البلاد لغير مقصود مشروع كما يعانيه بعض النساك أمر منهي عنه قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين.

وأما السياحة المذكورة في القرآن من قوله: {التائبون العابدون الحامدون السائحون} ومن قوله: {مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} فليس المراد بها هذه السياحة المبتدعة؛ فإن الله قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله بذلك والمرأة المزوجة لا يشرع لها أن تسافر في البراري سائحة؛ بل المراد بالسياحة شيئان. (أحدهما الصيام. كما روى عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب}. متفق عليه.

لكن إذا ترك الإنسان الحرام أو الشبهة بترك واجب أو مستحب وكان الإثم أو النقص الذي عليه في الترك أعظم من الإثم الذي عليه في الفعل لم يشرع ذلك


المصدر:
شيخ الإسلام ابن تيمية، مجموع الفتاوى

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الزهد #شيخ-الإسلام
اقرأ أيضا
الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين فكر المرأة

الثمار المرة لدعاة تحرير المرأة


ما زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من قيود العادات والتقاليد -على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة الميادين وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في البلاد الغربية في هذا المقال رد على دعاة تحرير المرأة واستعراض للواقع الحقيقي

بقلم: منى الشريف
1969
موقف الإسلام من الانفعالات: نموذج الغضب | مرابط
تفريغات

موقف الإسلام من الانفعالات: نموذج الغضب


نأتي إلى مثال واضح جدا يبين لنا موقف الإسلام من بعض الانفعالات وهو أحد الانفعالات التي تكون في النفس البشرية ألا وهو انفعال الغضب لنبين من خلال هذا الشعور والانفعال الذي يحدث في النفس ما موقف الإسلام من هذه الانفعالات وكيف يندفع المسلم لضبط انفعاله بضابط الشرع.

بقلم: محمد صالح المنجد
455
أدلة النبوة: أساس اليقين | مرابط
تعزيز اليقين

أدلة النبوة: أساس اليقين


أدلة النبوة هي أساس اليقين ولهذا كثرت وتنوعت لأن من سنة الله تعالى كثرة أدلة المطالب الكلية رحمة بالعباد وتيسيرا لهم لسلوك طريق الرشاد

بقلم: د. عيسى السعدي
289
صدقة السر | مرابط
مقالات

صدقة السر


سمة مميزة جوهرية في الشريعة ليست لغيرها هي فكرة عمل السر ..ليس من جهة إخلاص الفاعل فقط بل أكثر من جهة حفظ ماء وجه الضعيف وحماية نفسه ورعاية مشاعره ورفع أي حرج عنه تدفعه إليه طبيعة الحاجة والضعف التي يضطر معها لقبول ما لا يقبله غيره من إراقة ماء الوجه!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
239
الإسلام والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام والإيمان


ملخص: مقتطف من كتاب جامع العلوم والحكم يفسر فيه ابن رجب الحنبلي رحمه الله معنى الإسلام ومعنى الإيمان عند إفرادهما وعند الجمع بينهما فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها والإيمان هو الأعمال الباطنة وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل أي أن الإيمان داخل فيه العمل فكيف هذا يجيبنا ابن رجب رحمه الله على السؤال

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2102
الحياء في الإنسان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الحياء في الإنسان


وأما الحياء من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله عز وجل حق الحياء فقيل: يا رسول الله فكيف نستحي من الله عز وجل حق الحياء قال: من حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وترك زينة الدنيا وذكر الموت والبلى فقد استحى من الله عز وجل حق الحياء

بقلم: الماوردي
591