الانفعالات وتكوين النفس البشرية

الانفعالات وتكوين النفس البشرية | مرابط

الكاتب: محمد صالح المنجد

387 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

يتعرض المسلم في الحياة لكثيرٍ من الأمور التي تسبب انفعاله، ولا بد له أن يعلم كيف يكون الانفعال في مرضات الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد خلق النفس وخلق فيها انفعالات، فالنفس تحب وتبغض، وترضى وتسخط، وتغضب وتهدأ، وتحزن وتفرح إلى آخر ذلك من أنواع الانفعالات التي تعتمل داخل هذه النفس.

 

هذه النفس البشرية شديدة التعقيد التي لم ينته علماء الطب وعلماء النفس من دراسة آثار الانفعالات في هذه النفس حتى اليوم، ولا زالوا يخرجون بنتائج جديدة، وأبحاث متعددة في مجال هذه النفس، هذا المجال الواسع الرحب، ولا يعلم ما في هذه النفس إلا الذي خلقها، ولا يعلم حدودها وما يصلحها إلى الذين فطرها رب العالمين.

 

ولذلك أيها الإخوة! ينبغي أن نرجع في تعاملنا مع أنفسنا إلى القرآن والسنة، فإنه مهما أتى البشر بنظريات ونتائج وأبحاث وتجارب فلا يمكن أن يأتوا بمثل ما جاء في هذا القرآن وهذه السنة المطهرة.

 

والله سبحانه وتعالى خلق آدم من قبضة من جميع الأرض؛ فجاء بنو آدم على قدر ذلك، فكان منهم السهل والحزن، يعني: الناس الذين تتميز أنفسهم بالسهولة والسلاسة، والناس الذين تتميز أنفسهم بالشدة والصلابة، بحسب التربة التي خلقوا منها، فناس أخذوا من تربة من أرضٍ سهلة، فجاءت أنفسهم مثل التربة التي خلقوا منها، وناس كان خلقهم من قبضة من جميع التربة فجاء أولاد آدم على قدر هذه القبضة التي خلق الله آدم منها، فمن الناس من يكون في صلابتهم وشدتهم مثل صلابة الصخر وشدة الجبال ووعورة مسالكها، كذلك وعورة أنفسهم، ولأن تربة الأرض مختلفة الألوان فمنها تربة سوداء ومنها تربة صفراء ومنها تربة بيضاء فجاء بنو آدم على قدر ذلك، فكان منهم الأبيض والأحمر والأصفر والأسود وهكذا، إن الله خلق آدم من قبضة من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر ذلك.

 

فتأمل ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، ثم تأمل في الواقع فستجد انطباق ما أخبر به على الواقع انطباقًا تامًا، ونفوس العباد إذًا ليست سواء، وما يعتلج في هذه النفوس ليس أمرًا واحدًا بل هو عدة أمور، ولذلك فشخصيات الناس أنواع، منها شخصيات تتميز بالهدوء والرزانة، وشخصيات تتميز بالحكمة، وشخصيات تتميز بالضعف، وشخصيات تتميز بالقوة، وشخصيات تتميز بانضباط النفس، وشخصيات تتميز بالعصبية، وشخصيات تتميز بالعاطفية، وشخصيات تتميز بالغضب، وشخصيات تتميز بالهدوء ... وهكذا من أنواع الخطوط المتقابلة الموجودة في النفس البشرية.

 

ولذلك نجد من الناس من هو عصبيٌ لا يستقر على حال فهو في قلقٍ وتغيرٍ دائم، ومن الناس من يكون غضوبًا ينفجر دون أدنى مقدمة، ومن الناس من يكون عاطفيًا تغيظه أتفه المضايقات ويتملكه اليأس أمام أيسر العراقيل، ومن الناس من يكون ولوعًا إذا تعلق بفكرةٍ تحمس لها جدًا، وتعصب لها وتصدى لتسفيه كل مخالف لهذه الفكرة أنى كان ذلك.

 

ومن الناس من تسيطر عليهم المفاجآت فلا يستطيعون أن يتحركوا ولا أن يتصرفوا، فيتسمرون وتقعد بهم أنفسهم الضعيفة عن مواجهة الواقع، وعن السعي في التحكم في الأمور فتفقده المفاجئة السيطرة على نفسه.

 

ومن الناس من يتبدل مزاجه فجأة، فتكون جالسًا معه فتخطر بباله فكرة، ثم تبدأ تتفاعل مع نفسه وتتحرك، ثم يغمره أنواع من الانفعالات مع هذه الفكرة، ويستغرب الجالس من هذا التغيير المفاجئ الذي حصل في الشخص مع أنه لم يقع في المجلس أي حادثٍ يذكر، إلا مجرد الفكرة التي طرأت في ذهن ذلك الشخص العاطفي.

 

ومن الناس من ينجر بسهولة مع أفكاره ومع أحداث الساعة فينتقل فورًا إلى العمل بسبب ما حصل له من تهييج دون أدنى تفكير، فتكون أفعاله ردات فعل لما يحدث في الواقع.

 

ومن الناس من يكون رابط الجأش؛ فيتلقى الصدمات ويدرس الوضع قبل أن يتخذ قرارًا عمليًا ويفكر قبل التنفيذ.

 

ومن الناس من لا يستطيع كتمان الأخبار، ولا حفظ الأسرار، فهو في قلق، فيسهل استخراجها منه مثل الناس الذين يتميزون بالعاطفية الشديدة، وبعض الناس عندهم أنسجة عصبية متقلبة، وقد يحب إنسانًا فيفرط في حبه، ثم يتنكر له لسببٍ بسيط فيفرط في بغضه إلى أبعد الدرجات.

 

ومنهم من يكون عنده نتيجة اضطرابٍ في نفسه غلوٌ في الوصف، فإذا عمل مغامرة عادية أخرجها لك على أنها المعركة الفاصلة، ومنهم من يعيش مع انفعالاته فهي التي تنشطه وتحفزه، فإذا لم ينفعل ولم يستثر، فإنه باردٌ لا حراك فيه.

 

ومنهم من يستسلم للنزوات والإسراف في الأشياء، وهل الصحيح أن يكون الإنسان منفعلًا أو لا يكون منفعلًا؟ الصحيح أن يكون منفعلًا؛ لأن الشخص الذي لا ينفعل أبدًا ولا تهزه الحوادث إما أن يكون مجنونًا لا يعي ما حوله، أو أنه مدمن مخدرات مثلًا فهو مصاب بتغليف لذهنه ومخه وقلبه فلا يحس بشيء، ولكن المهم الآن أن نعرف متى تكون الانفعالية إيجابية ومتى تكون الانفعالية سلبية؛ لأننا إذا قلنا: لا بد أن ينفعل الإنسان الصحيح السوي ويتفاعل مع الواقع، ويتفاعل مع الأحداث، ويكون للأحداث تأثيرٌ عليه، فإذا كان هذا الأثر موافقًا للشريعة فهذا هو الانفعال الإيجابي المطلوب، وإذا كان الانفعال مضادًا للشريعة ومخالفًا لها فهذا هو الانفعال المذموم.

 


 

المصدر:

محاضرة كيف نضبط انفعالاتنا

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الانفعال
اقرأ أيضا
فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير! | مرابط
مقالات

فعل الرب التبصير والتغيير وفعل الشيطان التحسير والتعيير!


العبد إذا انتبه إلى تماديه في دركات التقصير أو استمع إلى موعظة أزعجت قلبه عن رقدة الغفلة فإن فعل الشيطان معه هو التحسير والتعيير حتى يكبله عن مسالك التدارك بآصار الكآبة والحزن واليأس ولا يزال به حتى يوقعه في أعظم مما كان عليه وهو التنكر لنعم الله الدينية ولطفه بعبده وكرمه ورحمته فيجحد الموجود حسرة على المفقود فيجمع بين الشرين!

بقلم: كريم حلمي
299
بين صبر الكرام وصبر اللئام | مرابط
اقتباسات وقطوف

بين صبر الكرام وصبر اللئام


كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر وأنه يحمد عليه ويذم على الجزع وأنه إن لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ولم ينتزع عنه مكروها وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب

بقلم: ابن القيم
603
في الفرق بين الحكم والفتوى | مرابط
فكر

في الفرق بين الحكم والفتوى


تخيل أن تذهب إلى شيخمفتي في عام 2000م فتسأله عن حكم ارتداء قميص عليه ألوان قوس قزح أو جعلها شعارا لشركتك أو متجرك. ثم تذهب لنفس المفتي في عام 2022 م لتسأله نفس السؤال. ثم يشاء الله أن تنحسر الغمة قبل عام 2040م أو أن يتغير شعارها وينفصل تماما عن قوس قزح فتذهب لنفس المفتي- أطال الله بقاءه وبقاءك- فتسأله نفس السؤال.

بقلم: معتز عبد الرحمن
251
القدوة التربوية | مرابط
مقالات ثقافة

القدوة التربوية


لم يجعل الله تعالى كتابه حجة على قوم إلا برسول يبعثه إليهم يبلغهم البلاغ القولي بتلاوة آياته والعملي بتمثل أحكامه .. فاصطفى - سبحانه - من الناس رسلا كراما حتى ختم الرسالات بمحمد عليه الصلاة والسلام فبلغ البلاغين وفقا لأمر ربه فكان من بلاغة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حين سئلت عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قالت: كان خلقه القرآن.

بقلم: مشاري الشثري
183
سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج1 | مرابط
تفريغات

سلسلة كيف تصبح عالما: الدرس الرابع ج1


المطلوب من المسلمين أن يتحركوا بقدر طاقتهم لرفعة الأمة في هذا الباب باب العلم نريد من الطالب أن يكون متفوقا ومن الأستاذ أن يصبح معلما جيدا ومبدعا ومن المهندس أن يقرأ أكثر وأكثر حتى يبدع في مجاله قد لا تسمح الظروف أن تكون على درجة مساوية لعلماء الغرب في هذه الظروف التي تمر بها الأمة ليس هذا هو المطلوب الآن المطلوب هو بذل الجهد قدر المستطاع

بقلم: د راغب السرجاني
601
اللغة العربية ودعوات العامية | مرابط
لسانيات

اللغة العربية ودعوات العامية


إذن اللغة العربية هي لغة متخطية للحدود التاريخية والجغرافية والقومية بل والحدود الزمكانية إن صح التعبير فهي لغة كلام الله المنزه المنزل من فوق سبع سموات وهي لغة أهل الجنة.. فكيف لا تكون الحرب عليها بهذه الضراوة؟! بكلتا النقطتين يتبين لنا ملمح مهم من ملامح الإعجاز القرآني بخلاف الإعجاز اللغوي والعلمي والتشريعي وما إلى ذلك.. ألا وهو صيانة هذه الأمة والحفاظ على وحدتها ووجودها إلى قيام الساعة..

بقلم: عمرو كامل
436