الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي

الداروينية: بين الإجماع العلمي والإجماع الشرعي | مرابط

الكاتب: هشام عزمي

491 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

من يعترضون على انتقاد الداروينية أو نظرية التطور لانه لا يجوز مخالفة الإجماع العلمي، ويقارنون بينه وبين الإجماع الشرعي الذي لا تجوز مخالفته، يقعون في العديد من المغالطات، وباختصار يمكن الجواب عليهم من وجوه:

العبرة بالدليل

الأول: أن العبرة في العلم التجريبي بالدليل وليس بإجماع العلماء، على فرض ثبوته، فالدليل الحقيقي المستمد من المشاهدة والحس والتجربة على التطور الكبير Macroevolution منعدم تمامًا، بخلاف التطور الصغير Microevolution الثابت علميًا وحسيًا ولا يماري فيه عاقل، وكل ما ينسب للبيولوجيا التطورية في مجال تحسين المحاصيل الزراعية وسلالات حيوانات المزرعة وإنتاج الأمصال واللقاحات وتطوير الدواء والصناعات البيوتكنولوجية إنما يعتمد على معطيات التطور الصغير لا الكبير. يقول د. أحمد شوقي أستاذ علم الوراثة: ((إن المستويات الدقيقة الأصغر microevolution يمكن مشاهدتها وإحداثها، أما المستويات الأكبر ففرضياتها أكثر من حقائقها)). ومعلومٌ أن ثبوت الأصل المشترك وثبوت ارتقاء الأنواع يدور حول إثبات حدوث التطور الكبير من نوع إلى نوع، وهو ما يفتقر إلى الدليل.

الإجماع الشرعي أمر ثابت

الثاني: أننا نحتج عليهم –كمسلمين– بالإجماع الشرعي على الخلق المستقل لآدم وحواء دون أب وأم من نوع سابق أو سلف قديم. وهذا الإجماع الشرعي أقوى بمراحل في دلالته عن الإجماع العلمي، لماذا؟ لأن الإجماع الشرعي مبني على أمر ثابت وهو الدين ومصادره المعتبرة، وهذه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، وبالتالي فإن الإجماع الشرعي أمرٌ ثابتٌ لا يتغير ولا يتبدل ويمكن الاعتماد عليه والاطمئنان إليه، بخلاف الأمر مع الإجماع العلمي الذي هو مبني على العلم التجريبي المتغير دومًا والذي ليس فيه ثقةٌ مطلقةٌ ولا يقينٌ ثابتٌ.

يقول الشيخ حسين الجسر: ((وإن قيل إن بعض تلك المسائل التي يقلد بها المقلدون فلاسفة هذا الزمان تكون مجمعًا عليها عندهم، قلنا إنا معشر المسلمين لسنا مأمورين في شريعتنا بتقليد إجماع إلا إجماع هذه الأمة المحمدية، أي إجماع علمائها الذين هم أهل الاجتهاد وفهم نصوص الشريعة حيث شهد لهم الرسول عليه السلام بأنهم لا يجتمعون على ضلالة. على أن إجماع هؤلاء الفلاسفة على بعض تلك المسائل قد يكون مبنيًا على دليل ظني فلا يفيد عصمة إجماعهم من الخطأ لاسيما في المسائل التي تكون بعيدة الموضوعات عنهم كما في المسائل الفلكية والجوية؛ فإن معظم أدلتهم فيها الحدس والتخمين وقياس الشاهد على الغائب كما يعلم من الاطلاع على كتبهم التي تقرر فيها هذه المسائل)).

أضف إلى هذا أن الإجماع الشرعي في حالتنا هذه يستند إلى أدلة قوية من نصوص الوحي، وليس إجماعًا بلا بينة أو برهان، بينما الإجماع العلمي المعارض له لا يستند على أدلة معتبرة مشهودة ومحسوسة أو خاضعة للتجربة، فلا تصح مثلاً مقارنة نظرية داروين بنظرية الجاذبية، لأن الجاذبية أمرٌ مشاهدٌ وملموس ويخضع للتجربة ويمكن صياغته في قوانين وقابل للتنبؤ، بينما التطور الكبير –الذي عليه مدار النزاع كله– ليس مشاهدًا ولا ملموسًا ولا يخضع للتجربة ولا يمكن صياغته في قوانين ولا يتنبأ بأي شيء، فالمقارنة بين الداروينية والجاذبية لجعلهما بنفس الاعتبار مغالطة جسيمة للغاية.

مسؤولية الانتخاب الطبيعي

الثالث: أن الإجماع العلمي على صحة الداروينية لا ينفع المسلمين المعتقدين في صحة التطور، لأنه يقرر مسئولية الانتخاب الطبيعي غير الموجه والطفرات العشوائية عن حدوث التطور. وهذا يوقع القوم في لوازم عقلية خطيرة أبرزها التصور المشوه للحكمة الإلهية والوقوع في التناقضات الفادحة.

ولهذا صار القوم محل سخرية وتهكم الداروينيين الملاحدة حتى شبههم العالم التطوري جيري كوين بمن لا يرى تعارضًا بين الزواج والزنا لأن بعض المتزوجين يرتكبون الزنا !! وأعجب من هذا صنيع د. عمرو شريف في استدلاله على صحة الأصل المشترك للكائنات بالإجماع العلمي على الداروينية بينما يرفض مسئولية الانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية عن التطور لأنها مخالفة للدليل، فصار كمن يؤمن ببعض الإجماع العلمي ويكفر ببعض ويريد أن يتخذ بين ذلك سبيلاً! وهذا تناقضٌ معرفيٌ جسيمٌ كان ينبغي أن يتنزه عنه الدكتور عمرو، لكن للأسف كل من يعتقد في صحة التطور يصير ضحيةً لهذه التناقضات والإشكالات العقلية، فضلاً عن الأخطاء العلمية والشرعية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الداروينية
اقرأ أيضا
الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1 | مرابط
توثيقات

الصين الشيوعية والتركستان المسلمة ج1


دولة التركستان الشرقية من الدول الإسلامية المحتلة التي ابتلعتها الصين الشيوعية في سنة 1949م في ظل غفلة المسلمين عن قضاياهم الماسة ونتيجة لفرقة المسلمين وتشتتهم وهي أرض إسلامية خالصة ولقد فصلنا في تاريخها في مقال سابق بعنوان قصة الإسلام في الصين كما ذكرنا الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الدولة الإسلامية الكبرى والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والدينية التي تتمتع بها وهذا في مقال آخر بعنوان كنوز التركستان الشرقية وفي مقالنا هذا نرى ماذا فعلت الصين الشيوعية في العقود الثلاثة الأ...

بقلم: راغب السرجاني
716
توالد المعاصي | مرابط
اقتباسات وقطوف

توالد المعاصي


المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وبين يديكم مقتطف من كتاب الجواب الكافي لابن القيم يتحدث عن هذه المسألة بوضوح

بقلم: ابن القيم
867
أحاديث مشكلة في الحجاب ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات تعزيز اليقين المرأة

أحاديث مشكلة في الحجاب ج2


لا يخلو باب من أبواب أصول الدين ولا فروعه من آيات أو أحاديث مشتبهة تخالف في ظاهرها المحكمات البينات فإن جاز ذلك في الأصول فإنه في أبواب الفروع من باب أولى وفي أبواب حجاب المرأة ولباسها يورد بعض الكتاب أحاديث تخالف المحكم البين منها الصحيح ومنها الضعيف ومنها ما لو وضع في موضعه ولم يلغ به العام لاستقام للناظر الحكم ولكن استعمل كثير من الأحاديث الظنية في نقض القطعية والأحاديث المشتبهة في نقض المحكمة

بقلم: عبد العزيز الطريفي
659
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج2 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج2


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
506
من الأمور التي أحبها الله لنا | مرابط
تفريغات

من الأمور التي أحبها الله لنا


فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى الله لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تنصحوا لولاة أموركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال

بقلم: عمر الأشقر
1187
المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3 | مرابط
تفريغات

المذاهب والفرق المعاصرة: القدرية ج3


أهل السنة والجماعة يؤمنون بالقدر إيمانا كاملا مفصلا وعقيدتهم في الإيمان بالقدر عقيدة واضحة وبينة وهم ينهون ويأمرون بالإمساك عن مسائل القدر إذا كان الخوض فيها بغير منهاج الشرع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر قال: فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب وقال: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض بهذا هلك من كان قبلكم وهذا حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح

بقلم: عبد الرحيم السلمي
1133