فضل تعلم اللغة العربية

فضل تعلم اللغة العربية | مرابط

الكاتب: محمد حسن عبد الغفار

402 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

القرآن الكريم هو دستور هذه الحياة، والقرآن الكريم هو شرف هذه الأمة، ولا تعتز الأمة إلا بالتمسك بهذا الكتاب العظيم، الذي هو كلام الله جل في علاه.
إن الله جل في علاه أناط الشرف والقيادة والسيادة والريادة لهذه الأمة بهذا الكتاب، حيث قال جل في علاه: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء:10] أي: إن شرفكم وعلوكم وسيادتكم وقيادتكم وريادتكم لا تكون إلا بالكتاب.

 

ووافقت هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) ألا وهو كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

والسنة لا يمكن أن تفترق عن الكتاب، فكتاب الله هو عز هذه الأمة، والتمسك بكتاب الله شرف هذه الأمة، والقيادة والسيادة والريادة لا تكون إلا بهذا الكتاب، ولذلك قال عمر بن الخطاب عندما أرسل باعثه إلى مكة وجاء له بالوالي فقال له: من تركت أو من خلفت في مكة؟ قال: فلانًا من الموالي، قال: أتركته يتسيد عليهم؟ قال: إنه يحفظ كتاب الله ويعلم الفرائض، فقال له عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويخفض به آخرين).

 

فالناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جل في علاه ومراد الله في كتابه، وهذا لا يكون إلا باللغة العربية، ولذلك فإن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة على ذلك، ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن.

 

ونحن أعاجم لسنا بعرب، فكثير من كلمات المصنفين لا نستطيع أن نعرف معانيها إلا بالرجوع إلى المعاجم اللغوية، فاللغة العربية لها أهمية قصوى؛ لأنها من علوم الآلة التي بها استقامة اللسان، واستقامة اللسان ممدحة في الشرع، وكذلك العقل عن الله جل في علاه وفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

واللغة العربية فيها التقديم والتأخير، فيتقدم المفعول على الفاعل والخبر على المبتدأ، وهذا يجعلك تتوسع في فهم كلام الله جل في علاه، فعندما يقرأ القارئ قول الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فإن لم يعرف المفعول من الفاعل ولم يعرف سهولة هذه اللغة التي فيها التقديم والتأخير، وأن هذا التقديم فيه أسلوب الحصر، فإنه لا يعرف مراد الله جل في علاه، فيتعجب العامي من سماع هذه الآية ويقول: إن الله يخشى منهم؟ فهذا من الفحش؛ لأنه أخطأ ولم يتعلم العربية، فلو علم أن المفعول يتقدم على الفاعل علم معنى الآية، فـ(الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والعلماء: فاعل، فهم الذين يخشون الله جل في علاه.

ومن ذلك قول الله تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا [الحج:37].

 

فالتقديم والتأخير عندما يعرفه المسلم فإنه يفهم ويعقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مراده، ولذلك كان من الأهمية تعلم اللغة العربية، وكانت العرب قبل الإسلام أصحاب سليقة وفصاحة وبلاغة وشعر، فكان لهم علو كعب في اللغة العربية، وجاء الإسلام بفضل الله وبهذا الكتاب العظيم الذي ينظم ويرتب هذه اللغة ويجعلها في زيها الجميل الذي نراه الآن، والدين كله كان في الجزيرة العربية.

 

والعرب في الجزيرة العربية ينقسمون إلى عرب الشمال، وعرب الجنوب، ويسمى عرب الجنوب العرب العاربة وهم القحطانيون ومنهم الذين في اليمن أما عرب الشمال الذين هم من ولد إسماعيل وهم العدنانيون، واللغة التي كانت تجمعهم هي اللغة العربية، لكن كان هناك اختلاف في اللهجات، ولذلك نزل القرآن على سبعة أحرف كلها في اللغة العربية مع اختلاف ظاهره ( فتثبتوا ) كانت تقرأ ( تبينوا ) و(لامستم) تقرأ (لمستم)، و(أماناتهم) تقرأ (أمانتهم)، فهذا هو الخلاف في القراءات، ويجمعها أصول اللغة العربية.

 

ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد، ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فحدث الجهاد مع الأعاجم، ثم حصل السبي للعبيد والإماء، فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن، فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب، وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا، ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية؛ حتى لا يحدث اللحن في ديننا وفي كتاب ربنا، وهذا الذي أهال عمر بن الخطاب عندما جاءه أعرابي يطلب منه أن يقرأ عليه القرآن..

 

فأخذه رجل ليعلمه القرآن فأضاعه، فقرأ في سورة براءة قوله تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] بخفض لرسوله) فقال الأعرابي: أبرأ ممن برأ منه الله جل في علاه، أي: يبرأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه التي تهدم الدين بأسره، فلما قال الأعرابي ذلك وسمعه عمر قال له: لا تقرأ هكذا، فقرأ عليه  أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] فقال: أبرأ ممن برأ منه الله ورسوله، ففهم الأعرابي لما شكل له التشكيل الصحيح فهمًا صحيحًا.
من هنا قال العلماء: إن عمر بن الخطاب أمر أبا الأسود الدؤلي أن يبدأ في وضع قواعد النحو والصرف.

 

وبعض العلماء قال بأن علي بن أبي طالب هو أول من أشار على أبي الأسود أن يضع القواعد في اللغة، ولا مشاحة في ذلك، فاللغة قد وضعت لها القواعد سواء بأمر عمر أو علي أو بسبب أبي الأسود الدؤلي. وأشهر النحاة الذين انبروا في ساحات اللغة عند أهل الإسلام منهم أبو الأسود الدؤلي وأيضًا أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وتلميذه العظيم في اللغة سيبويه وهذا الاسم فارسي، سيب معناه: التفاح، وويه: الرائحة، فإذًا سيبويه : رائحة التفاح، ونفطويه رائحة النفط أي: رائحة البترول، فأشهر النحاة سيبويه وأيضًا والفراء والكسائي.
ومهبط وضع قواعد اللغة كان في البصرة، وأهل العراق عندنا فرسان الميدان في اللغة وفي غيرها، فاللغة أصالة مهبطها البصرة، ولذلك ترى كثيرًا من المتمكنين يقولون: واختلف في هذه المسألة البصريون والكوفيون فأول علماء اللغة برعوا في البصرة، ثم تتلمذ على أيديهم أهل الكوفة، وأصبح الخلاف بين أهل الكوفة وأهل البصرة.


المصدر:

محاضرة شرح المقدمة الآجرومية

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#اللغة-العربية
اقرأ أيضا
هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟ | مرابط
أباطيل وشبهات

هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته؟


قالوا: النص القرآني تعرض للتغيير والتحريف الذي طرأ عليه بسبب خطأ الرواة والنساخ واستدلوا لذلك بما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ أفلم يتبين للذين آمنوا فقيل له: إنها أفلم ييأس الذين آمنوا الرعد: ٣١ فقال: إني أرى الكاتب كتبها وهو ناعس.. وبين يديكم رد على هذه الشبهة بقلم الدكتور منقذ السقار.

بقلم: منقذ السقار
652
أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأسرة والزواج | مرابط
مقالات النسوية

أبرز آراء النسوية الراديكالية: رفض الأسرة والزواج


كرد فعل لوضع المرأة في الغرب وكرد فعل لقوانين الأحوال الشخصية المسيحية القاسية وكرد فعل لقسوة الرجال وعنفهم وكتحقيق للرغبة الجنسانية المستشرية في الغرب وابتغاء للفردية وعدم التقيد وهروبا من أعباء البيت ومسؤوليات الأسرة واعتقادا بأن الأسرة قيد وعبء ولا ضرورة لها وتصنف المرأة في درجة أدنى واحتجاجا على حصر دور المرأة في الإنجاب والأمومة دون غيرها من الأدواركل هذه الأمور أدت ببعض أجنحة هذه الحركة إلى السعي للتخلص من الأسرة والزواج

بقلم: مثنى أمين الكردستاني
1934
من ثمرات التوحيد | مرابط
مقالات

من ثمرات التوحيد


قال بعض الشيوخ: إنه ليكون لي إلى الله حاجة وأدعو فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضي انصرفت

بقلم: ابن مفلح
523
شروط لا إله إلا الله | مرابط
تعزيز اليقين إنفوجرافيك

شروط لا إله إلا الله


روى البخاري عن وهب بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله قال: بلى ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح وبين يديكم إنفوجرافيك يوضح لنا شروط لا إله إلا الله والتي هي بمثابة أسنان هذا المفتاح الذي به نرجو أن يفتح الله لنا بابا من أبواب الجنة

بقلم: حافظ بن أحمد الحكمي
1265
تصوير المبشرين للإسلام والمسلمين | مرابط
أباطيل وشبهات فكر

تصوير المبشرين للإسلام والمسلمين


وطريق التبشير لتوهين المسلمين لم يكن الدعوة إلى المسيحية والعمل على ارتداد المسلمين إلى النصرانية مباشرة وإنما كان طريقه لتشويه الإسلام ومحاولة إضعاف قيمه ثم تصوير المسلمين في وضعهم الحالي بصورة مزرية بعيدة عن المستوى الحضاري في عصرنا الحاضر

بقلم: محمد البهي
429
السلفية السائلة: مفهوم السلفية في مسارب ما بعد السلفية ج2 | مرابط
مناقشات

السلفية السائلة: مفهوم السلفية في مسارب ما بعد السلفية ج2


حين بدأت بمطالعة كتاب ما بعد السلفية كنت حريصا على أن تتخلق في نفسي انطباعاتي الذاتية عن الكتاب بعيدا عن ضغط تأثير انطباعات الآخرين خصوصا وأنا أعلم أن الكتاب سيكون كتابا جدليا بامتياز وسيحدث جدلا في المشهد الفكري والشرعي بشكل عام وفي الداخل السلفي بخاصة والذي ستتشكل فيه بؤر ممانعة ذاتية طبعية من النقد والمراجعة فبعض النفوس قد لا تحتمل النقد وبعضها قد تحتمله ولكن لا تحتمل أن يكون معلنا وأجدني -بحمد الله- كما أجد غيري ميالا إلى استيعاب الممارسة النقدية واسع الصدر لها بل داعيا ومرحبا بها كونها...

بقلم: عبد الله العجيري
1315