دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الثاني

دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الثاني | مرابط

الكاتب: أحمد يوسف السيد

2577 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الوجه الثاني من وجود دلالة القرآن على أن السنة وحي:

 

تكفل الله ببيان القرآن، وإخباره عن رسوله بأنه يبين للناس ما نُزل إليهم.
 
المقصود بهذا الوجه: الإثبات بأن للقرآن بيانًا تكفل الله به، وأنه جعل هذا البيان على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أنه من عنده سبحانه، خاصة وأن من هذا البيان الثابت عن رسوله ما لا يحتمل أن يكون محل اجتهادٍ منه، كتحديد عدد الصلوات وركعاتها ومواقيتها.
 
و تكفُّل الله ببيان القرآن جاء بقوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:١٧-١٩]

 

قال ابن كثير:

 

"ثم إن علينا بيانه”: أي بعد حفظه وتلاوته نبيِّنُه لك ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا.

 

وإخبارُه بأن رسوله مبين للقرآن جاء بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

 

قال القرطبي:

 

“لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك; فالرسول صلى الله عليه وسلم مبين عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة, وغير ذلك مما لم يفصله.

 

وسأكتفي هنا بهذا العرض المجمَل، لاشتراك هذا الوجه مع ما سيأتي في الطريق الثالث من طريق دلالة القرآن على حجية السنة، وسأفصل في ذلك الموضع -إن شاء الله تعالى.

 

الوجه الثالث من وجوه دلالة القرآن على أن السنة وحي:

 

الآيات الدالة على نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في مقامات معينة بأحكام وأخبار ليست مذكورة في نص القرآن. 

 

والاستدلال بهذه الآيات على درجتين:
الأولى: عدم انحصار الوحي في القرآن -وهذا مهم في الرد على المنكرين-.
الثانية: أن من سنة النبيصلى الله عليه وسلم ما هو وحي.

 

وسأكتفي بذكر أربعة مواضع من القرآن تدل على ذلك:

 

الموضع الأول: دلالة آيات الإخبار بنزول الملائكة في بدر:

 

جاء في سورة آل عمران أن النبي وعد صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الله سيُمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزَلين، وذلك يوم بَدْر فقال:{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ}
 
ولا شك أن هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا يكون إلا بوحي، لأنه لا محل فيه للاجتهاد والتخمين، والإيحاء بهذا الخبر ليس مذكورًا في القرآن؛ وإنما هو مما أوحاه الله إلى النبي خارج النص القرآني.

 

قال الطاهر بن عاشور:

 

والمعنى: إذ تعِد المؤمنين بإمداد الله بالملائكة، فما كان قول النَّبي صلى الله عليه وسلم لهم تلك المقالة إلاّ بوعد أوحاه الله إليه أن يقوله.

 

الموضع الثاني: دلالة آيات تحويل القبلة:

 

من المعلوم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتوجه أولَ الإسلام في صلاته إلى الشام، حتى بعد هجرته إلى المدينة، مع تطلعه إلى أن تكون الكعبةُ قبلتَه، وما كان يمنعه من التحول إلى القبلة التي يتطلع إليها إلا أنه مأمور من الله بخلاف ذلك، حتى نزل عليه قول الله سبحانه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة : ١٤٤]. والقبلة التي يرضاها هي الكعبة كما هو معلوم؛ فإن تتمة الآية {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} والسؤال المتوجه هنا هو: أين الأمر الإلهيُّ له باستقبال القبلة السابقة للكعبة؟
 
ومن المعلوم أن هذا الأمر ليس مذكورًا في القرآن، فيكون هذا دليلًا على أن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ليس منحصرًا في النص القرآني، والله أعلم.

 

وقد جرى لي موقف طريف مع أحد منكري السنة إنكارًا كلّيًا في دلالة هذه الآيات على المعنى المذكور، فحين سألته أين الأمر الأول باستقبال الشام فوجئتُ به يقول:
إن القبلة لم تتحول أصلًا، وإنما هذا قول السفهاء! يعني قول الله سبحانه {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا}[البقرة:١٤٢]
 
فقلت له: إن السفهاء لم يدّعوا تحوّل القبلة ابتداء وإنما كان سؤالهم وتشغيبهم في سبب التحول، فقالوا {مَا وَلاَّهُمْ} أي لأيّ شيء تولّوا وتحولوا؟ وهذا ظاهر جدًا، وبعد منازعة طويلة منه في ذلك، انتقل إلى المطالبة بأمر فرعي ليس متعلقًا بأصل الاستدلال، وهو الإثبات بأن القبلة كانت إلى الشام، فقلتُ له: ليس الشأن في أنها كانت إلى الشام أو إلى اليمن، وإنما الشأن في أنها كانت إلى غير الكعبة، وفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راغبًا في أن تكون إليها، ولم يمتنع من تحقيق رغبته إلا لأنه مأمور بخلافها، حتى نزل عليه قول الله (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) فالسؤال متوجه إلى البحث عن الأمر الإلهي الأول باستقبال جهة لم تكن الكعبة أصالةً، وليس متوجهًا إلى تحديد تلك الجهة عينًا!
فلم يزد على تكرار سؤاله هاربًا من مأخذ الاستدلال الحقيقي، ولم يكن ذلك غريبًا لمن عرف حال القوم وما سلبهم الله من الفهم الصحيح.

 

الموضع الثالث: دلالة آيات سورة التحريم: 

 

قال الله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم: ٣]
وموضع الشاهد من الآية، قوله سبحانه: (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) وقوله: (قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)
ومن المعلوم أن إنباء الله نبيه -بالوحي- بما نبّأت به زوجته ليس مذكورًا في نص القرآن، فدلّ ذلك على دلّت عليه الأمثلة السابقة من أنّ الوحي النازل على رسول الله أوسع مما حُفِظ بين الدفتين.

 

الموضع الرابع: دلالة فتح مكة مع آيات تحريمها:

 

من المعلوم أن الله سبحانه قد حرّم مكة، وجعلها آمنة، وسماها: المسجد الحرام، وذكر هذا في كتابه العزيز في مواضع كثيرة، منها قوله:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل ٩١]، ثم نجد أنه قد تواتر في نقل العامة والخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حاصر مكة بجيشه وسلاحه بعد أن نقض المشركون العهد معه، ثم فتحها ودخلها، وقد تواتر عنه أنه قام يوم فتحها في الناس قائلًا: (إن الله قد أحلّها لي ساعة من نهار) ثم نجد أن الله في كتابه أثنى على هذا الفتح بقوله (إذا جاء نصر الله والفتح) [النصر: ١].
 
والسؤال: أين ورد الإذن من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بفتح مكة بالسلاح بعد أن نصّ سبحانه على تحريمها في القرآن؟
والجواب: أن ذلك ليس مذكورًا في نص القرآن، بل المذكور الثناء على الفتح بعد أن وقع وتمّ، فالإذن بذلك-إذًا- مما أوحى الله لنبيه، والوحي أعم من أن يكون منحصرا فيما نزل من القرآن فقط.

 


 

المصدر:

  1. أحمد بن يوسف السيد، تثبيت حجية السنة ونقض أصول المنكرين، ص24
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#حجية-السنة
اقرأ أيضا
منهج عبادة | مرابط
مقالات اقتباسات وقطوف

منهج عبادة


من أبرز سمات المنهج الإسلامي أنه منهج عبادة ولكن العبادة في هذا المنهج ليست مقصورة على مناسك التعبد المعروفة من صلاة وصيام وزكاة وإنما هي معنى أعمق من ذلك جدا إنها الصلة الدائمة بالله هذه الصلة في الحقيقة هي منهج التربية كله تتفرع منه جميع التفريعات وتعود في النهاية إليه

بقلم: محمد قطب
2104
من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج2 | مرابط
فكر مقالات المرأة

من الذي اخترع لفظ الاختلاط ج2


يعتبر الاختلاط بين الجنسين من أكثر المناطق الشائكة التي يصطدم فيها المنهج الإسلامي مع المنهج العلماني بين القبول والرفض بين الإباحة والمنع ونحن في هذا المقال نقف على عدد من التساؤلات والنقاط هل لفظ الاختلاط دخيل على الإسلام هل صحيح أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تعرف مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل فعلا المجتمع الغربي لا يعرف فكرة الفصل بين الجنسين وما هي ملامح أزمة الاختلاط في واقعنا المعاصر وغير ذلك من النقاط الهامة

بقلم: إبراهيم السكران
1343
وضوح عقيدة الإسلام في الخالق | مرابط
تعزيز اليقين

وضوح عقيدة الإسلام في الخالق


إن الإسلام قد تميز على سائر الديانات بوضوح العقيدة في الإله من جهة الكمالات المتعلقة به ولذا فإن العقل لا يجد تكلفا في قبول الاعتقاد الإسلامي في الله سبحانه بخلاف الخرافات والأساطير الموجودة في تصورات كثير من البشر تجاه الإله وهذه القضية من أظهر القضايا في دين الإسلام والاستدلال عليها لا يحتاج إلى كبير عناء فالقرآن من أوله إلى آخره تمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى والسورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعظم سورة في القرآن هي السورة التي تبدأ بحمد الله والاعتراف بأنه رب العالمي...

بقلم: أحمد يوسف السيد
1171
حاجة النبي للوحي وتأخره: دليل على مصدرية القرآن | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

حاجة النبي للوحي وتأخره: دليل على مصدرية القرآن


إذا تأملت الحالات والمواقف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى نزول الوحي ولكنه كان يتأخر ستدرك بشكل قاطع أن هذا القرآن ليس من عند النبي كما ادعى أولياء الشيطان زورا وظلما وبهتانا ولكنه وحي من عند الله وإلا لو كان غير ذلك لسهل على النبي -حاشاه- أن يصدر كلاما من تلقاء نفسه وينسبه للوحي وهذا الكلام المقتطف للدكتور محمد عبد الله دراز يناقش إحدى الحوادث التي كان فيها النبي في حاجة للوحي ولكنه تأخر

بقلم: محمد عبد الله دراز
1999
الإخلاص والنية | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإخلاص والنية


كتاب الإخلاص والنية من أهم ما نقل إلينا عن أبي بكر بن أبي الدنيا ففيه روايات وأخبار كثيرة كلها تدور حول نية العبد وكما نعلم فالنية هي أشق شيء على المؤمن لكي يضبطه ويحدد بوصلته في كل أعماله والأعمال بالنيات وبين يديكم اقتباسات موجزة من هذا الكتاب الماتع

بقلم: ابن أبي الدنيا
795
حارب إعلامهم بابتسامتك | مرابط
فكر

حارب إعلامهم بابتسامتك


زرت بيت جدي فكان يتابع مسلسلا يظهر مجموعة من الملتحين بمظهر منفر يتحدثون بالفصحى بتشدق تابعت 15 دقيقة من المسلسل فلما خرجت إلى الشارع أصبحت إن رأيت ملتحيا كرهته لا شعوريا هذا مع أني ملتح ولم أتابع إلا 15 دقيقة فكيف بمن يعيشون مع هذه المسلسلات

بقلم: د إياد قنيبي
676