وبدأ الانحراف يسبل إزاره

وبدأ الانحراف يسبل إزاره | مرابط

الكاتب: إبراهيم السكران

501 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أولًا وقبل كل شيء... أسأل الله أن يثبتنا وإياك على دينه.

حالات الانحراف عن التدين كثرت هذه الأيام... وبينها تفاوت كبير... فبعضهم مشكلته (علمية) بسبب رهبة عقول ثقافية كبيرة انهزم أمامها... وبعضهم مشكلته (سلوكية) بسبب ضعفه أمام لذائذ اللهو والترفيه... وإن كان الأمر دومًا يكون مركبًا من هوى وشبهة لكنه يكون أغلب لأحدهما بحسب الحال.

تدبر القرآن

وأنا إلى هذه الساعة على كثرة ما تعاملت مع هذه الحالات لا أعرف علاجًا أنفع من (تدبر القرآن) فإن القرآن يجمع نوعي العلاج (الإيماني والعلمي) وهذا لا يكاد يوجد في غير القرآن، فالقرآن له سر عجيب في صناعة الإخبات في النفس البشرية {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج من الآية:54]... وإذا تهيأ المحل بالإيمان لان لقبول الحق والإذعان له كما قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:23].

وفي القرآن من بيان العلم والحق في مثل هذه القضايا المنهجية ما لا يوجد في غيره، ومفتاح الهداية مقارنة هدي القرآن بسلوكيات التيارات الفكرية.

أعني أنه إذا رأى متدبر القرآن تفريق القرآن بين المعترف بتقصيره حيث جعله قريبًا من العفو {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة من الآية:102]، وبين تغطية وتبرير التقصير بحيل التأويل الذي جعله الله سببا للمسخ {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65]، ومجرد المعصية بالصيد في اليوم المحرم لا تستحق المسخ فقد جرى من بني اسرائيل ما هو أكثر من ذلك ولم يمسخهم الله، ولكن الاحتيال على النص بالتأويل ضاعف شناعتها عند الله جل وعلا.

تعظيم مرجعية الصحابة

وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- تعظيم القرآن لمرجعية الصحابة في فهم الاسلام، وربطه فهم الإسلام بتجربة بشرية، كقوله تعالى {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} [البقرة من الآية:137]، وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} [التوبة من الآية:100]، وقوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة من الآيتين: 6-7]وقوله تعالى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبإ من الآية:24]، وقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ} [البقرة من الآية:75].

وقوله تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء من الآية:83]، ففي مثل هذه الآيات البينات يكشف تعالى أن الوحي ليس نصًا مفتوحًا، بل هو مرتبط بالاهتداء بتجربة بشرية سابقة، فيأمرنا صريحا أن نؤمن كما آمن الصحابة، وأن نتبع الصحابة بإحسان، ويأمرنا بكل وضوح أن نرد الأمر إلى أولي العلم الذين يستنبطونه، وهذا كله يبين أن الإسلام ليس فكرة مجردة يذهب الناس في تفسيرها كل مذهب... ويتاح الفهم لكل شخص كما يميل... بل هناك تجربة بشرية حاكمة للتفسيرات.

تفاهة الدنيا

وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- بيان القرآن لتفاهة الدنيا، وكثرة ما ضرب الله لذلك من الأمثال كنهيه نبيه عن الالتفات إلى الدنيا {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه من الآية:131]،  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب من الآية:28].

وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- ما في القرآن من بيان الله لحقارة الكافر وانحطاطه حيث جعله القرآن في مرتبة الأنعام والدواب والحمير والكلاب والنجاسة والرجس والجهل واللاعقل والعمى والصمم والبَكم والضلال والحيرة الخ من الأوصاف القرآنية المذهلة التي تملأ قلب قارئ القرآن بأقصى ما يمكن من معاني ومرادفات المهانة والحقارة، كقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد من الآية:12]، وقوله {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال من الآية:55] وقوله {كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام من الآية:125] وأمثالها كثير.

التحفظ في العلاقة بين الجنسين

وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين، كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب من الآية:53]، وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب من الآية:33]، ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب من الآية:32]، ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشيء من زينة المرأة {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} [النور من الآية:31] ونحو ذلك.

تصوير العبودية

وإذا رأى متدبر القرآن -أيضًا- عظمة تصوير القرآن للعبودية كتصويره المؤمنين في ذكرهم لله على كل الأحوال{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ} [آل عمران من الآية:191]، وحينما أراد أن يصف الصحابة بأخص صفاتهم قال {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح من الآية:29]، وكيف وصف الله ليلهم الذي يذهب أغلبه في الصلاة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل من الآية:20].

والمراد أنه إذا رأى متدبر القرآن هدي القرآن في هذه القضايا وأمثالها، ثم قارنها بأحوال التيارات الفكرية المعاصرة، ورأى ما في كلام هؤلاء من تأويلات للنصوص لتوافق الذوق الغربي، والإزراء باتباع السلف في فهم الإسلام، وملأ القلوب بحب الدنيا، ولهج بتعظيم الكفار، وتكسير للحواجز بين الجنسين، وتهتك عبادي ظاهر، الخ. إذا قارن بين القرآن وبين أحوال هؤلاء انفتح له باب معرفة الحق.


المصدر:
الطريق إلى القرآن، إبراهيم السكران

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#إبراهيم-السكران
اقرأ أيضا
طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4 | مرابط
تفريغات

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة ج4


من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله فقاموا بتفنيد هذه الشبه وفضح أهل البدع بكل ما أوتوه من قوة وبيان

بقلم: أبو إسحاق الحويني
941
سبيل السعادة على أيدي الرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

سبيل السعادة على أيدي الرسل


لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم.. فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به. فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال.

بقلم: ابن القيم
191
من جماليات الإسلام | مرابط
اقتباسات وقطوف

من جماليات الإسلام


من جماليات الإسلام إنه لا يكبت طاقة عندك أبدا كلما كبت شهوة أو منع محرم جعل تصريفها في مستحب تؤجر عليه! تأمل مثلا حين كبت شهوة اللسان وأمرك بحفظه كيف أتاح لك صرف الرغبة المحمومة في إطلاق لسانك باستحضار معية الله؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
343
من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2 | مرابط
أباطيل وشبهات مقالات

من مكايد الشيطان: الفتنة بالقبور وأهلها ج2


مقال تأصيلي محكم حول مسألة القبور والأضرحة وما وقع فيه عوام المسلمين من المفاسد العظيمة في تعظيم هذه القبور والتمسح بها والدعاء عندها والصلاة إليها بل وحتى الحج إليها واعتقاد أن أصحابها يملكون نفعا وضرا وسعادة وشقاء وعزة وذلا وغير ذلك من الأمور التي لا يملكها إلا الله وحده.. وهذا التأصيل مقتطف من كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم وفيه رد على كل الشبهات المحيطة بهذا الموضوع وتبيين للعقيدة الصحيحة في هذا الباب.

بقلم: ابن القيم
426
قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام | مرابط
فكر مقالات

قصة العلمانية التي لا تعارض الإسلام


هل كان يدور بخلد الفقيه المالكي شهاب الدين القرافي ت684 ه أن اسمه سيتردد بعد وفاته بقرون في محاولة التلفيق بين النظام السياسي الإسلامي والعلمانيهل كان القرافي يريد في حديثه عن تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة والقضاء ما ذكره بعض المعاصرين عنه أن دليل على أن الأحكام الشرعية السياسية تصرفات غير ملزمة وإنما هي مرتبطة بالأئمة يقيمونها بحسب الأصلح

بقلم: فهد بن صالح العجلان
758
العلاج النفسي موضة العصر | مرابط
اقتباسات وقطوف ثقافة

العلاج النفسي موضة العصر


إن موضة الاضطرابات النفسية أصبحت متقلبة مثل شعبية نجوم الغناء والمطاعم ورحلات السفر ويحكي فرانسيس: خلال عملي في مجال علم النفس لمدة 35 عاما لم أجد متخصصا واحدا يسعى إلى تقليل عدد مرضاه فالطفل الأكثر حركة في الفصل لم يعد مجرد طفل نشيط بل أصبح مريضا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ويحتاج إلى تناول عقار والحزن على وفاة أحد أقاربك لم يعد مجرد حزن بل هو اكتئاب حاد يجب أن تخضع للعلاج النفسي من أجل التغلب عليه

بقلم: إسماعيل عرفة
433