موقف شحرور من وجود الله

موقف شحرور من وجود الله | مرابط

الكاتب: يوسف سمرين

2583 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

"الإيمان بالله لا يمكن البرهنة عليه علميًّا"

يقول شحرور: الإيمان بالله عندي تسليم، وأنا مسلّم بوجود الله واليوم الآخر، وهذه مسلّمة، والمسلّمة هي أمر لا يمكن البرهان عليه علميًّا، كما لا يمكن دحضه علميًّا، ولهذا لا يجوز للملحد المنكر لوجود الله أن يقول: أنا ملحد لأن الإلحاد موقف علمي، ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي، وعندي أن الإلحاد أو الإيمان خيار يختاره الشخص بنفسه ولنفسه. (1)

فيُقال: إن عنى بالبرهنة علميًّا بالتجربة المباشرة فهذا ما تفتقده كُتبه، فعليه يكون قد أقر على نفسه بأنها غير علمية، وأنه لا يملك دليلا ولا برهانا في سطر مما سطره في كتبه، وهذه معضلة الفكر الوضعي بشكل عام أن يرفض ما لا يقبل التجربة، ثم يكون نفس ضابطه فلسفيًا لا علميًا، فيعود على أصله بالإبطال.

وإن عنى بقوله "علميًا" ما هو أوسع من هذا بما يشمل حجج العقول فهذا الموقف الذي يقوله شحرور مجرد متابعة منه لإيمانويل كانط، إذ إن "كانط لما كان يرفع البحث في الله فوق القدرة العقلية ليسلم له اللاهوت من أي نقد سدّ على نفسه باب الاستدلال العقلي عليه من جهة أخرى، فالتزم كلامه إلى آخر نتائجه، وسلم بأن إثبات الله عن طريق العقل المحض مستحيل، فكانت طريقته له وعليه، فمن جهة قام بتقزيم دور العقل حتى لا يطال الإله بالنقد لكونه لا يمكن أن يقع عليه الحس، ومن جهة أخرى، فقد منع عن العقل المحض الاستدلال على إثبات الله"(2)

حجج المؤمن والملحد تتكافأ

ومعنى هذا أن حجج المؤمن والملحد تتكافأ، ولا يمكن معرفة الصحيح منها من الباطل، وبالتالي يضحي الموقف متساويا من حيث العلمية، سواء كان إيمانا أو إلحادًا. وما قاله كانط غير صحيح، فللعقل قدرة على معرفة الحق من الباطل، والأصل الذي انطلق منه كانط غير مسلّم، إذ إنه انطلق من أن الإله موضوع غير قابل للحس بتاتا، وليس هذا محل بيان زيف هذا الكلام، إلا أنه ورث هذا من اللاهوت الكنسي، وأقام فلسفته لينقذ اللاهوت من النقد، فامتنع عليه الاستدلال عليه، إلا أن هذا يُظهر أن شحرورًا يسلّم بالإيمان عاريًا عن أدلة، في موقف يقابل الإلحاد، فيتساويان وفي هذا، وانظر إلى قوله "ولا يجوز للمؤمن بوجود الله في المقابل أن يقول: أنا مؤمن لأن الإيمان موقف علمي" (3)

فهل هذا يعني أن شحرورا يتحدث في موضوع غير علمي؟ يقول عما يكتبه في الدين "المنهج الذي اعتمدناه يُبنى على أسس علمية" (4) فمنهجه علمي ولكن إثبات وجود الله غير علمي، مع أن شحرورًا يتكلم في القرآن الذي هو فرع على إثبات وجود الله، فهل هذا الرجل يعني ما يخطّه؟

ويمتد الأمر معه ليقول "ويجب على المسلم أن يكون عنده ذرة شك في وجود الله، والملحد عنده ذرة شك في الإلحاد"(5)

الشك في ميزان الإسلام

فإن كان وجود الله عنده حقيقة، وأن له وجودًا موضوعيا خارج الذهن، وأنّ من نفاه كابر الحق فلم إذن يقول لمن اعتقد بهذه الحقيقة عليك الشك بها، وعلى من أنكرها وكابر أن يشك أيضًا؟ فهل يطالب معتقد الحقيقة بالشك فيها حتى يطالب منكرها بالشك بإنكاره؟ أم إن شحرورًا لا يعتقد أصلا أن وجود الله حقيقة، وأنه قد قامت عليها دلائل العقل، واستقرت في فطر الناس، ولذا يطالبهم بالشك في هذا؟ أليس من شروط الإيمان "اليقين المنافي للشك"(6)؟ فأين هو من قوله تعالى "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا"

فإن قيل: إن الشك خطوة في البحث عن الحقيقة، فيل له: فإن كنت تسلّم بأن وجود الله حقيقة فمن اعتقد بوجوده فقد وصل إلى المطلوب، فمتى كان الشك وسيلة إلى هذه الغاية، فهو قد وصل إلى الغاية فلم يهدم الغاية ليحقق الوسيلة، وهي ليست مطلوبة لذاتها؟

فإن "الشك والحيرة ليس محمودًا في نفسه باتفاق المسلمين، وغاية ما في الباب أن من لم يكن عنده علم بالنفي ولا الإثبات يسكت، فأما من علم الحق بدليله الموافق لبيان رسوله فليس للواقف الشاك الحائر أن ينكر على هذا العالم الجازم المستبصر المتبع للرسول العالم بالمنقول والمعقول" (7) فكيف يقال: على الإثنين أن يشكا؟

"الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي"

ويبرز هنا سؤال: إيمان شحرور دون دليل بالله كيف يجعله يتصور وجود الله؟ وهو القائل "الله في ذاته كينونة فقط، أي أنه وجود قائم بذاته" (8)

يوضح شحرور نظرته إلى الوجود الإلهي بشكل صريح، فيقول "الوجود الموضوعي خارج الوعي هو الوجود الإلهي" (9)

فالوجود الموضوعي خارج الذهن هو الوجود الإلهي عنده، وهذا يعني أن كل الوجود خارج الذهن هو الله! فالله ليس موجودًا وجودًا موضوعيًا خارج الذهن، بل ما هو موجود خارج الذهن عنده هو الوجود الإلهي!

وعلى هذا، فالقاذورات والنجاسات والشياطين والكفار وكل ما في الوجود حقه وباطله، هو الوجود الإلهي عند شحرور، وهذا يفوق كلام النصارى، بل إنهم ينكرون على قائله، فيسألون إنكارًا: هل يُحصى الصانع مع مصنوعاته؟ وكيف يبدو وكأنه أحد المصنوعات التي صنعها هو نفسه؟ (10)

وهذا ليس إلزاما له حتى يقول: لا ألتزمه ولازم المذهب ليس بمذهب، بل يوضحه موقفه من كلام الله.


الإشارات المرجعية:

  1. الإسلام الأصل والصورة، محمد شحرور، طوى للنشر والثقافة والإعلام، ص5
  2. موقف ابن تيمية من المعرفة القبلية وشيء من آثاره الفلسفية، يوسف سمرين، ص18
  3. الإسلام الأصل والصورة، ص5
  4. الإسلام والإنسان من نتائج القراءة المعاصرة، محمد شحرور، ص205
  5. دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، ص60
  6. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ص91
  7. القاعدة المراكشية، ابن تيمية، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد-رضا بن نعسان معطي، ص55
  8. نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي، ص37
  9. الكتاب والقرآن، ص72
  10. شرح الإيمان المسيحي، 31/1

المصدر:
يوسف سمرين، بؤس التلفيق: نقد الأسس التي قام عليها طرح محمد شحرور، ص41

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#محمد-شحرور #وجود-الله
اقرأ أيضا
العبودية الباطنة والظاهرة | مرابط
اقتباسات وقطوف

العبودية الباطنة والظاهرة


إن لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية وعلى لسانه وجوارحه عبودية فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة مما لا يقربه إلى ربه ولا يوجد له الثواب وقبول عمله

بقلم: ابن القيم
445
الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع | مرابط
تفريغات

الطفل الإسلامي والطفل الغربي الجزء الرابع


فتى بريطاني يرفع دعوة على أمه ليتلقى منها وقتا كافيا توجه إلى المحكمة يرفع قضية على أمه لأنها لا تجلس معه وقتا كافيا تذهب خارج البيت وتتركه وأقر القاضي فعلا أن الحق معه وألزم الأم بالبقاء مع الطفل حتى الأساسيات غير موجودة عندهم فليس هناك حضانة ولا حق في الرضاعة يعطى للطفل ولا حنان يرتضعه يترك ويرمى ويهمل

بقلم: محمد المنجد
670
طبيعة التصرفات النبوية | مرابط
تعزيز اليقين

طبيعة التصرفات النبوية


الأصل في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته أنها حجة وأنها تشكل بمجموعها مفهوم السنة النبوية وأنها منبع يصدر عنه في تقرير الأحكام وبيان التشريعات وقد نبه الإمام ابن عبد البر إلى طبيعة الإطلاق في الإطلاقات الشرعية الآمرة بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع أمره فقال: وقد أمر الله جل وعز بطاعته واتباعه أمرا مطلقا مجملا لم يقيد بشيء كما أمرنا باتباع كتاب الله

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري
521
من أبواب العقل والراحة | مرابط
اقتباسات وقطوف

من أبواب العقل والراحة


باب عظيم من أبواب العقل والراحة: وهو طرح المبالاة بكلام الناس واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل بل هو باب العقل كله والراحة كلها من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن ألمتها في أول صدمة

بقلم: ابن حزم
216
عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني | مرابط
مقالات الجندرية

عوامل الصعود اللوطي الجزء الثاني


تستند الموجة اللوطية الجديدة على عدد من العوامل في صعودها السريع وانتشارها الملحوظ في بعض المجتمعات ومن أبرز هذه العوامل: التقدم الطبي الذي أتاح للشواذ واللوطيين إجراء تعديلات جسدية وتجميلية وظاهرية موافقة للميول الجندرية الجديدة وكذلك الإتخام الجنسي وإتاحته بكل الصور في كل مكان عبر الشبكة مثلا أحدث نوعا من الملل والتخمة لدى مشاهدي ومدمني البورنو وهو كا دفعهم إلى أشكال جديدة من الجنس مثل اللوطية وفي هذا المقال يناقش الكاتب عمرو عبد العزيز هذه العوامل وغيرها بشكل موجز

بقلم: عمرو عبد العزيز
2132
كلام محرج للاختلاطيين | مرابط
مقالات المرأة

كلام محرج للاختلاطيين


هل مجرد وجود الرجال والنساء في مكان واحد بغير تقارب لا يدخل في الاختلاط المحرم؟ هل المقصود بالاختلاط المحرم في كلام العلماء هو الامتزاج والتلاصق وتقارب الرجال بالنساء وذلك مثل ما يوجد في عامة الأفراح أو ما يوجد في الجامعات المختلطة من التقارب والتلاصق أو ما يوجد في الموالد؟ هل مجرد وجود النساء والرجال تحت سقف واحد بغير تقارب بأن يكون هؤلاء في جانب وهؤلاء في جانب ليس هو الاختلاط المنهي عنه في كلام العلماء أصلا؟ يجيبكم الشيخ قاسم اكحيلات.

بقلم: قاسم اكحيلات
486