موسم الإنكار على منكري المنكر

موسم الإنكار على منكري المنكر | مرابط

الكاتب: عمرو عبد العزيز

362 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

أي بؤس أن يظلنا زمان يجرؤ فيه مخربو العقيدة على الإنكار الغليظ في وجه المسلمين المظهرين للحق، مستثمرين سيادة فيض العواطف بمقتل مظلوم غير مسلم؟!
يشيعون مقالات أترعوها بالسفول والسخرية من المصلحين، ويبثون تعليقات أطفحوها بالإرهاب والبطش بالمُنكرين!
وقد جاء بعض ذلك من أناس محسوبين على نصرة الشريعة! وأخس به زمان تُطلب فيه إغاثة ملة الفقه بالأغمار، وإعانة شرعة الأنفة بالمستخذين!
أفإن أغضبنا انتهاككم دين الله وتمردكم الصريح على الشرع، وأغاظنا تبجُّح ابتداعكم واستهزاؤكم بالإجماعات، وأحفظنا استعداؤكم العامة والسوقة على أهل الحق؛ صرختم: انظروا أولئك الشياطين! أين الرفق وأين اللين؟!

 

أف لكم يا أبالسة.. وأف لمكركم الدنيء!
إن دين الليبرالية هو أكبر قضايا المسلمين في حاضرنا، وتتبع صوره المتنوعة، وكشف موالجه للنفوس، واجب على ذوي العلم.
وكل خبيثة دسها الليبراليون قبلا بخضوع المستضعفين، يوجبون الآن طاعتها بصلف الجبارين!
وكل شرعة غمروها قبلا بنسبية المؤولين، يبطلونها اليوم بوعيد الطاغين!

 

ومسلكهم الرئيس في الأعوام الأخيرة واحد لا يتغيَّر، لا يفوت لبيب دركه بعد ترداده الموسمي - وما أكثر مواسم الليبراليين – ألا وهو استغلال كل شحنة عاطفية، من مهيجات حزن، أو مثيرات فرح، لغرس اعتقادهم المرذول، وطمس إيماننا المكلوم: فحين هلكت فتاة وهبت حياتها لحرب الله، والقضاء على الإسلام، نهقوا بأن واجبنا الدعاء لها بالجنة، لا الحكم عليها! فعجبنا من سُخفِ حجتهم، أولها وآخرها! أما أولها فطلب الدعاء بالجنة لمن كان يستعلن الحرب على الله ورسوله، فكيف نناقش ذاك الهذر؟ وأما آخرها، الذي هو جوهر القضية كلها، وجذر الليبرالية المفسدة الرئيسي؛ فهو الإنكار على المُنكرين بحجة وجوب عدم إنكار كل فعل صادر من حر مهما خالف رأيك! أعذرني على ذاك التركيب المنطقي الأعوج، وأعد قراءة الجملة السابقة حتى تقف على معناها المذهل!

 

أرأيتم الخطل؟ ذاك هو المنطق الوضيع لزماننا! يطلبون شنقك لأنك خالفت رأيهم في قولك أن الإنسان ليس حرا في عرض اعتقاده بإطلاق، وفي إيمانك أن بعض الناس مخطئين! يصرخون غضبا: اسكت يا وغد! لا يوجد أي مخطئ سواك! بل أنت المجرم المستبد وحدك لا شريك لك! ونضالنا أن نُخرِس صوتك، ونُشوِّه صورتك، ونلعنك في البكور والعشي، ونعلمك أن لا تكون ضد حرية الرأي! ذاك هو هزل الليبرالية الشهير، والتي لولا سلطان أربابها المنافقين، لصارت هُزأة الصبيان، ولتكبر على نقاش سخفها كل ذي لُبٍّ! ومن لم يتُب منها بعد حرب أوكرانيا، وجلاء نفاق الليبراليين وازدواجيتهم بله افتخارهم بها، فليس للرشاد إليه من سبيل.

 

وقد تلا هلاك عدوة الله الأولى، إهلاك لوطية مصرية نفسها، بعدما حاربت الإسلام في أعوامها الأخيرة، وأثار المتعلمنون نفس الجدل، واستُعمِلَ نفس الحجاج، وتباكوا يستدرون العطف من الناس، وبين موجة الحزن العالية، يحقن اللئام نكدهم، ويفسدون على الناس دينهم، انتظارا لموسم جديد!
وقد صيروا رمضان الابتهاج، والعواطف المشحونة، والأسر المضمومة، إلى مناسبة لتبديل دين المسلمين، تارة بتوجيه الضحكات، وتارة بتغزير الدموع!
أما القهقهة فعلى الشرائع الأضحوكة، والسخرية من أهل الدين المجانين، وأما الدموع فعلى نضال العلمانيين، والانتحاب على صبر المصلحين!

 

ومن تابع رأى كيف أن رمضان صار عيدا للعلمانيين الليبراليين؛ فيعملون طواله بلا كلل لإبطال الإسلام، ومحاربة شرائع المسلمين، وجل منتوجاتهم تستعمل الحجاج العاطفي بأنواعه: من ملطقة يظلمها زوجها فتطلب تغيير الأحكام الشرعية، إلى لوطية معذبة في جسد أنثى وتطلب السماح بجراحات التخنث والترجل (التي يزعمون أنها لتغيير النوع)، إلى بيان قسوة الحدود الشرعية بإظهار غلاة يستعملونها جورا في حق مساكين، إلى مساخر هازئة بتنفيذ أحكام الشريعة، ومتهمة الفقهاء بالكبت الجنسي، وإلى آخر ما شاهده الناس، وبلغنا خبره، من مكائد أبالسة أمصار العرب والمسلمين.

 

ولما صار رمضان بهذه الصورة، أجبر في الأعوام الأخيرة الكثير من المصلحين، الذين كانوا يعتادون التفرغ للعبادة فيه، واعتزال الناس وأخبارهم، إلى ترك عادتهم تلك، والتوثب لصد الشبه وفضح الزغل، بعدما انتبه أكثرهم لتلك الحقيقة: أن أبالسة الإنس حولوه لموسم الدجل الأكبر!

 

إن المشترك بين كل تلك الوسائل هو استدرار العواطف، وانتظار مواسم شحنها، واستغلالها سريعا.
ومن بارز مواسمهم، التي يحققون فيها نجاحات فائقة، موت شخص غير مسلم، لا يُعرف باستعماله العنف البدني ضد المسلمين!
نعم، والله ما وجدت معيارا صالحا إلا هذا وحده!
فلطالما آذت الهالكة نوال السعداوي المسلمين عمرها كله، سواء بقلمها أو بصوتها أو بصورتها! لكن لما كانت لم تقتل مسلما بيدها خنقا، دعوا لها بالرحمات، ورجوا لها أعلى الجنات!

 

وكذلك علت الشجون حينما هلك عدو الله والأديان ستيفن هوكنج الذي كان أحد أركان شهرته التدليس في زعمه تكذيب الفيزياء لسرديات الخلق والوجود، ودُعيَ له بالخلد مع الشهداء والصديقين، إذ مات صابرا على مرضه الأليم، ولم يحارب الله سوى في كتاباته فقط! فقط كتابات في محاربة الله وتكذيب الأنبياء؛ فلم لا ندعو له بالفردوس الأعلى؟

 

والحال وإن كان مع أولئك ظاهر، ويلقى مقاومة إلى اليوم من الناس، إلا إنه أنجح لليبرالية مع منافقي المسلمين وكبار فساقهم، وأوفق مع صالحي غير المسلمين، ممن أنصفوا الإسلام، أو شاطروا المسلمين مظالمهم، كنصارى فلسطين، ويساريي الغرب الرافضين لبلطجة أمريكا، فهنا يجد الليبراليون عادة مبتغاهم الأعظم، وينتهزون فرصتهم الأفضل، خاصة إن كان المتوفى ذي شعبية بين المسلمين!

 

ففي وسط حزن المسلمين على موت أحد أولئك، يخرجون على الفور لبدء الموسم بلا إبطاء: رحمه الله، وغفر له، ذاك الشهيد، نسأل الله له درجة الأنبياء والصديقين! إن كنت تظنني أمزح، فأنت لم تر ما قيل يوم وفاة صحفية الجزيرة المسيحية شيرين أبو عاقلة، وقبلها يوم مقتل العاملين المسيحيين في ليبيا! لقد قيل في تلك الأيام ما لو قيل في الأئمة الأربعة لاعتبره بعضنا غلوا! وكل ذاك بنفس الأداة، وتحت نفس المسميات، وبنفس الحجاج!

 

والليبراليون يزدادون موسما تلو الآخر، فالبعض يسلم لرائجهم باسم المراجعة، والبعض إمامه أزهره، إن أصلح متفقها استقام، وإن أفسد متعلمنا انتكس! والبعض الآخر يُغيَّبُ إما قهرا في ظلمات الجب، وإما طوعا نؤيا عن جعجعة العوام، واستدبارا لفتن الدهماء!
والباقون في كل درب من مسالك الدفاع عن الشرع ينقصون حاليا، ولا أيأس من رحمة ربي أننا في نكسة، وأن حشود الحق ستملأ الأحياء في يوم قريب، ولست ممن يقولون أنها النهاية، بل لعلها تكون نهاية ليبراليتهم وعلمانيتهم بإذن الله.

 

أخيرا، في ذاك الواقع المظلم، نجد من يعجب: لم تغضبون؟! لم تتصدرون في أوقات ثوران العوام في حزن أو فرح؟
لمثله أقول: إن كنت لا تدري ما يجري في زماننا من جانب العلمانيين فأنت غافل، والغافل يُنشِّط نفسه، ويصمت متربصا، حتى يعلم أصدق مقالنا أم كذب. أما إن كنت تدري فالمصيبة فيك أعظم!

 

نعم سنغضب ونقاوم! وسنكون أول المتصدرين في مناسبات الأتراح والأفراح معا، لا نتحدث منذ اللحظة الأولى إلا عن قضايا المعتقد والفقه، بعدما صيرها العلمانيون سلسلة من مواسم إبطال العقيدة بابتزاز العواطف، وتوهين العقول بضعف النفوس.
ولتخسأ تصنيفات المفسدين بين إرهابي ومتطرف، وتكفيري وإقصائي، فوالله ما علمنا أشد إرهابا من ساستكم، ولا أوغل تطرفا من ليبراليتكم، ولا أفجر تكفيرا من نشطائكم، ولا أفحش إقصاءا من منظريكم! أما متلبرل الإسلاميين، فليس إلا ضراط أعدائنا بيننا، ولا عجب أن ذاع في الناس ريحه وصوته، فنحن في زمن فساد الفِطَر، ورواج كل كريه!

 

إننا نسأل الله أن يبقينا أعداءً لخصوم دينه، وأن يستخدمنا في التنقير عن مكائدهم في كل شق، والتنقيب عن مطاعنهم في كل غيهب. وأن يُبقي المصلحين للمفسدين شهابا رصدا.

 


 

المصدر:

مدونة الأستاذ عمرو عبد العزيز

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية #إنكار-المنكر
اقرأ أيضا
شبهة حول ما ورد في القرآن عن خلق الإنسان | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة حول ما ورد في القرآن عن خلق الإنسان


يعطي القرآن معلومات مختلفة عن خلق الإنسان من ماء مهين 77: 20 1 من ماء 21: 30 من نطفة 36: 77 من طين 32: 7 من علق 96: 2 من حمأ مسنون 15: 27 ولم يك شيئا 19: 67 فكيف يكون كل ذلك صحيحا في نفس الوقت المقال الذي بين يدينا يقف بنا على هذا التساؤل أو هذه الشبهة ليرد عليها ويستوضح مكمن الخلل فيها

بقلم: محمد عمارة
2380
من معاناة المرأة الغربية | مرابط
المرأة

من معاناة المرأة الغربية


أما حال النساء العاملات فأكثر ما يشتكين منه هو التحرش! وهذا أمر شائع ولا تكاد تجد امرأة لم تتعرض له والعكس صحيح أيضا فلديهم نساء يتحرشن بالرجال ويسترزقن من وراء ذلك بالتهديد برفع قضايا في المحاكم لابتزاز الرجل. تحرش يحصل في أرقى المؤسسات الحكومية والدولية وحتى في مراكز التعليم وكل مكان! واقع بائس تقضي المرأة حياتها تعمل ومرات حتى في العطل لأجل أن تعيش

بقلم: د. ليلى حمدان
401
الاستعداد النفسي للانحراف: لماذا يتأثر بعض الناس بمحمد شحرور | مرابط
فكر مقالات

الاستعداد النفسي للانحراف: لماذا يتأثر بعض الناس بمحمد شحرور


ما سبب تأثر بعض الناس بمثل محمد شحرور مع ما يقدم من مناقضة صريحة لأصول الإسلام وقراءة عبثية لنصوص الشريعة وأحكامها لو طلب مني أن أحدد أهم سبب في ذلك فسأقول: هو الاستعداد النفسي للانحراف هو القابلية للانحراف لدى بعض الناس فعندهم استعداد نفسي ومقتض ذاتي فلو لم يتأثر بشحرور فسيتأثر بشخص آخر وفي هذا المقال يقف الكاتب على أهم عوامل الاستعداد النفسي للانحراف ومآلاتها

بقلم: فهد بن صالح العجلان
1906
مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج1 | مرابط
فكر مقالات الديمقراطية

مراجعات نقدية للخطاب المدني الديمقراطي ج1


من المقدمات المنهجية الأساسية التي ينبغي التنبه لها في البدء أن قضايا النهضة والإصلاح والتغيير يجب أن يكون منطلقها منطلقا إسلاميا شرعيا وإذا كان المنطلق غير إسلامي ولا شرعي فإنه لن يتحقق شيء من ثمراتها بمعناها الشامل والمشروع والمرضي لله تعالى وربما تتحقق بعض المكاسب الدنيوية والانتصارات المؤقتة لكنها ليست النهضة والإصلاح المطلوبة من المسلم

بقلم: الدكتور عبدالرحيم بن صمايل السلمي
1136
حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الأول | مرابط
فكر مقالات

حياتنا بين هموم الدنيا والآخرة الجزء الأول


السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الهم الأول الذي يسيطر على حياتنا هل هذا الهم من هموم الدنيا أم من هموم الآخرة حاول أن تكتب الهموم التي تهمك في ورقة وانظر أهمها لديك وأكثرها شغلا لبالك ثم انظر كم من هذه الهموم للدنيا وكم منها للآخرة قال علي بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل

بقلم: د منقذ بن محمود السقار
2837
اللسان العربي: بين التعميم والاستثناء | مرابط
لسانيات

اللسان العربي: بين التعميم والاستثناء


من فصيح الكلام وجيده الإطلاق والتعميم عند ظهور قصد التخصيص والتقييد وعلى هذه الطريقة الخطاب الوارد في الكتاب والسنة وكلام العلماء بل وكل كلام فصيح بل وجميع كلام الأممفإن التعرض عند كل مسألة لقيودها وشروطها تعجرف وتكلف وخروج عن سنن البيان وإضاعة للمقصود وهو يعكر على مقصود البيان بالعكس

بقلم: محمد علي يوسف
311