فقه الواقع: بين النسوية والدعاة

فقه الواقع: بين النسوية والدعاة | مرابط

الكاتب: أسامة لعايض

407 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

بعض الدعاة والشيوخ يخدمون النسوية وإن ادعو محاربتها، كما خدم عدنان إبراهيم الإلحاد وسأشرح كيف:

نموذج عدنان والإلحاد

عدنان إبراهيم دجال، ولكن لنفترض لوهلة أنه كان حسن النية وصادقا في طرحه. نلاحظ أن عدنان إبراهيم كان له ردود على الملاحدة، وبعض الدعاة استحسنها فعلا. ولكننا لم نسمع بكثير من الملاحدة اهتدو بسبب ردود عدنان إبراهيم، بل على العكس، سمعنا بشباب كثير ألحدو بسبب استماعهم لعدنان إبراهيم، لماذا؟

معظم الشباب الذين يلحدون تجدهم مصابين ببعض أمراض العصر، كانبهارهم بالغرب، أو تعظيمهم للدنيا فوق كل اعتبار أو تأثرهم بفكرة نسبية الحقيقة وتكافؤ الأدلة، وهذا هو الأغلب فيهم. حيث أن معظم من يلحد، لا تجده يقضي وقتا في التفكر في بعض الأصول كنشأة الكون والإبداع في الكون.... إلخ، بل تلاحظ تأثير أمراضه النفسية في حواراته التي يناقش فيها الفرعيات دائما.

وعدنان إبراهيم كان يزيد من استحكام هذا المرض في خطاباته لأنه هو بنفسه معظم للغرب ولمركزية الدنيا. فيجعل متابعيه معظمين للغرب أكثر مما هم فيه، ويجعل أمور الدنيا عندهم فوق كل عقيدة وكل اعتبار.

زد على هذا طيش الشباب وحب تميزهم وكثرة الشهوات والشبهات التي يتعرضون لها كل يوم، فهذا يزيد من حيرتهم وكثرة تخبطهم.
هذا الشاب، عندما يشاهد خطبة لعدنان إبراهيم، لن يشاهدها ليزداد علما، إنما غرضه الاحساس بالطمأنينة في منهجه عبر التقاط شبهة حول حجية السنة، أو طعن في صحابي، أو إلقاء اللوم على الفقهاء عبر العصور واتهامهم بالتشدد... الخ.

وحتى لو ألقى عدنان إبراهيم، سلسلة محاضرات تأصيلية في الرد على الإلحاد، فإن الشاب الملحد لن يتأثر بشكل كبير بخطاب عدنان إبراهيم، لأن الحقيقة بالنسبة له ولعدنان إبراهيم غير مطلقة، وأن الملحد يمكنه أن يكون خيرا من المسلم ويدخل الجنة، إذ أن الادلة بالنسبة له متكافئة، والنقاش في أصل الوجود عويص، ويعذر فيه الانسان مهما كانت النتيجة التي توصل إليها. أليس عدنان إبراهيم هو نفسه الذي اخترع حوارا خياليا بين ستيفن هوكنغ والله تعالى؟

أليس عدنان إبراهيم هو الذي قال أن لا مشكلة عنده في الترحم على ستيفن هوكنغ ولا يترحم أبدا على سيدنا معاوية بن أبي سفيان؟ فما الفائدة من التأصيل في أمور الإلحاد إذا؟ على الأقل، اذا كنت ملحدا، سيرأف بك عدنان إبراهيم ويبحث لك عن أعذار، أما إذا أسلمت، فأنت معرض للشتم والتهم وجلد الذات الذي يلقيه عدنان إبراهيم في أسماع المسلمين ليل نهار.

الدعاة والنسوية

نرجع لبيت القصيد... المرأة اليوم، متأثرة كما الرجل بمحدثات الثقافة الغالبة، وغالبا، لن تجد امرأة إلا وهي متأثرة بفكرة المساواة مع الرجل إلى حد ما، أو فكرة الاستحقاقية بحيث ترى أن أعظم شيء تمتلكه هو كونها امرأة، وفكرة المظلومية... الخ

فتجدها محملة بالعديد من الأفكار المسبقة وتعتبرها مسلمات، ونظرا لأنها تحب الدين، فهي تحاول أن تجد نقطة اتصال بين تلك الأفكار والشرع، وهنا يأتي دور الداعية الذي لا ينتبه لمداخل العصر، ولا لأمراض الناس النفسية، فلا يستطيع أن يعالج مشاكل الناس بشكل جذري بسببها، هذا إن كان يفهمها أصلا.

فهو عندما يرى مجموعة من النساء يستمعن إليه، يعتقد بسذاجة أنهن جئنه ليتعلمن أمور دينهن مبدئيا، وهذا غير صحيح... المرأة المحملة بأفكار العصر لا تحتاج منك أن تشرح لها الدين كما يجب، بل هي تحتاج منك أن تكلمها عن:

-تكريم الإسلام للمرأة، حتى لو لم تتكلم بالتفاصيل، هي ستتكلف بذلك.
-حقوق المرأة في الإسلام، وتحدث بشكل عام وهي ستتكلف بملئ الفراغات في كل ما يمكن تصنيفه في جانب الحقوق.
-ظلم الرجال للمرأة عبر التاريخ.
-تكلم عن بعض القصص التي كانت فيها المرأة ضحية لبطش الرجل حتى نبرر بها بعض حالات النشوز والطيش.
-تكلم عن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، ليس لتعليم الرجال كيفية التعامل مع زوجاتهم، فالتعدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم جريمة، وليس للتعلم من أخلاق أمهات المؤمنين، ولكن لإضفاء صيغة شرعية تمكن المرأة من تأنيب زوجها لعدم موافقته زوج الأحلام الذي صنعته لها المسلسلات.

الأمثلة لا تحصر في هذا السياق ولكن عموما، أغلب النساء اللاتي يتابعن الدعاة، ليس لهن هم في معرفة أحكام المرأة في الإسلام بشكل متجرد، إنما هن يلتقطن ما يحتجنه في حياتهن لإضفاء الصيغة الشرعية على تصرفاتهن دون الشعور بالذنب. ولهذا تجد الواحدة منهن لا تعرف عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تحفظ كل الآيات والأحاديث التي تحض على الحرص على المرأة وحفظ حقوقها. بل تستحضر هذه الأدلة بشكل تلقائي عند الحوارات، لان المسألة بالنسبة لها مشروع عمر وليس نقاشا عابرا كما توهمت أيها الساذج.

ولذلك، الدعاة الذين لا ينتبهون لهذه العقد والأمراض، ولا يهتمون بمعالجتها لا ينتبهون أن خطاب الترغيب والمداهنة الذي يستعملونه لا ينفع إلا في جلب جمهور نسائي ليستفيد من مادته بالشكل الذي يرغب فيه. واذا لم تعجبه مادة، تحول الجمهور إلى داعية آخر.

حتى لو ادعى هذا الداعية أنه يحارب النسوية وأنه سجل موادا في ذلك، فإن هذه المواد عموما لا يكون لها أثر على أرض الواقع. فالمرأة المريضة بداء الاستحقاقية والمظلومية، وإن تكلمت لها عن واجباتها في الإسلام بشكل عام، تستطيع أن تأول كلامك بما يتلائم مع مظلوميتها واستحقاقيتها:

- فهي تشعر أن من الواجب عليها، عذر المجتمع الذي لم يعاملها كأنها ملكة ولم يذقها حياة الترف التي تستحق.
- هي تشعر أن من الواجب عليها الصبر على كون زوجها لا يشبه ألفريدو الذي كانت تتابعه في المسلسل الأخير.
- هي تشعر أن من الواجب عليها السكوت عن بعض الظلم تشعر به كل يوم، الظلم الذي في عقلها طبعا.

هذا يتعلق بالخطاب الدعوي اليوم، وإلا فهناك جانب مهم لا يجب إهماله وهو تراكم أساليب الخطابات الدعوية في القرنين الأخيرين. إذ أن المسلمين غيرو من أساليبهم الدعوية في التعامل مع الجماهير وذلك تأثرا بالإرهاب والضغط الذي وجه إليهم من قبل الغرب وأذناب المستشرقين. وبكثرة الإتهامات بالغلو واضطهاد المرأة التي وجهت إليهم مرارا وتكرارا، اتخذ الخطاب الدعوي موقفا دفاعيا فأصبح الشغل الشاغل لكل الدعاة إظهار تبرئهم من أي فكر يضطهد المرأة أو يتشدد في امرها (من خلال وجهة نظر غربية). وهذه المسألة، يفهمها كثير من الدعاة ولكنهم سرعان ما يقعون في مثلها بدون ان يشعرو بسبب تأثير العوامل الخارجية فيهم. ولهذا فكلامي هذا لا أتهم فيه النيات بقدر ما أتهم فيه فهم الواقع وعدم التنبه للتغيرات المحيطة بالشخص. 

مع أن النيات تلعب دورا مهما في هذا الموضوع، إذ أن كثيرا من المتصدرين تكون لديهم رغبة ملحة في جمع الجمهور وذلك لكي تصل كلمته إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ومع المدة تتحول وسيلة التجميع إلى غاية في حد ذاتها فيفتن الداعية بالجماهير ويجد حرجا في معارضة أهواء من يتشوقون لسماع كلامه.

لهذا عندما نقول أن بعض الدعاة يساهمون في نشر النسوية، لا نقصد أنهم يدعمون الفكر النسوي مباشرة أو يتلقون دعما من منظمات نسوية ضرورة، إنما قد يكون داعما لها دون أن يشعر، هذا إن كان سليم النية طبعا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#النسوية #الدعاة
اقرأ أيضا
الميزان المقلوب الجزء الأول | مرابط
تفريغات

الميزان المقلوب الجزء الأول


فقد ورد في بعض الأحاديث: أن رجلا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم فسأل صحابيا عنده: ما تقول في هذا -وكان رجلا وجيها في قومه وصاحب مال وله مكانة في نفوس أهل الدنيا- فقال: هذا حري إن خطب أن يزوج وإن شفع أن يشفع ثم مر رجل آخر فقير فسأله عنه فقال: هذا حري إن خطب ألا يزوج وإن شفع ألا يشفع فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من مثل ذاك أو كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه

بقلم: عمر الأشقر
622
التغريب: الأهداف والأساليب ج3 | مرابط
فكر تفريغات أبحاث

التغريب: الأهداف والأساليب ج3


التغريب مصطلح يطلق على الانسياق وراء الحضارة الغربية سواء في الاعتقاد أو الاقتصاد أو غير ذلك وقد سعى الغرب في تغريب الأمة الإسلامية بشتى الوسائل والتي منها: الاستعمار العسكري والفكري ونشر مدارس التغريب في بلاد المسلمين والابتعاث ولكون التغريب يشكل خطرا على المسلمين في دينهم وجب مواجهته بشتى السبل والتي منها: التمسك بالإسلام الحق وفضح مدارس التغريب ونشر العلم الشرعي وما أشبه ذلك

بقلم: عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
2077
شرح حديث إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة | مرابط
تفريغات

شرح حديث إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة


عنأبي هريرةقال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة قال: ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: كيف إضاعتها قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة

بقلم: أبو إسحق الحويني
1450
لماذا لا نستمتع بالنعم | مرابط
فكر مقالات

لماذا لا نستمتع بالنعم


حديث رائع للدكتور إياد قنيبي يدور حول استشعار النعم التي وهبنا الله إياها وأحاطنا بها وكيف أن كثيرا من المسلمين لا يدرك هذه النعم أو يشعر بها فقد بهتت أدوات استشعار النعم في داخله وبات لا يولي نظره إلا لأهدافه التي لم يحققها أو فشل في تحقيقها فيغيب عن ناظريه قدر النعم العظيمة التي ما زال يملكها

بقلم: د إياد قنيبي
2426
الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص | مرابط
تفريغات

الاحتجاج بالخلاف في مواجهة النص


تفريغ لمحاضرة للشيخ إبراهيم السكران يتحدث فيها عن موضوع الخلاف وكيف تحول في زماننا إلى حجة يقفون بها أمام النص فكلما ذكرت لأحد نصا أو أمرا شرعيا يقول لك فيه خلاف وهذا الخلاف عنده يساوي الإباحة أي أن هناك الكثير من الأحكام الشرعية قد تعطلت بحجة الخلاف وهذا ما يناقشه الشيخ في المحاضرة

بقلم: إبراهيم السكران
2957
الحياة العريضة | مرابط
مقالات

الحياة العريضة


إن كثيرا من الناس إذا ذكرت عنده البركة انصرف ذهنه إلى بركة المال والولد ويغفل عن البركة في العمر فمن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة

بقلم: د. طلال الحسان
340