علمنة العلاج النفسي

علمنة العلاج النفسي | مرابط

الكاتب: د. إياد قنيبي

454 مشاهدة

تم النشر منذ سنة

المسلم له تميزه في تناول القضايا كلها، لأن الإسلام (صبغة الله) كما وصفه ربنا، فسيصبغ حياتك كلها بلونه الخاص. من ذلك موضوع العلاج النفسي، سواء الدوائي منه أو اللادوائي. والإسلام في هذا الموضوع متوازن، بخلاف تَوَجُّهَين متطرفين:

1. توجُّهٍ يقول: الأدوية والجلسات العلاجية كلام فارغ ! أقبِل على القرآن والدعاء والطاعات وسوف تتعافى من الأمراض النفسية.

2. وفي المقابل توجُّهٍ يركز على الأدوية والجلسات العلاجية مع إهمال الرسائل الإلهية في الابتلاء بالأمراض النفسية.

(وكان بين ذلك قَوامًا)...فالأدوية هي من الأخذ المشروع بالأسباب، وكذلك الجلسات العلاجية اللادوائية إذا حسُن استخدامها كما وضحت في كلمة (فكرة عن العلاج النفسي اللادوائي)، ولم يكن المعالِج متأثرًا بنظرةٍ للنفس مخالفة للنظرة الإسلامية، وهو أمرٌ ليس بالسهل 

لكن في مقابل إنكار الأخذ بالأسباب المشروعة، يقع كثير منا لا شعوريًا فيما يمكن وصفه بـ"عَلْمَنة العلاج النفسي"، بحيث تصبح هذه العلاجات "مُخَدِّرات" عن رسائل الله في أقداره.

الأمراض النفسية ابتلاءات، والكروب النفسية التي قد لا تصل إلى حد تشخيصها بالأمراض هي ابتلاءات كذلك. وهذا لا يتعارض مع وجود أسباب عضوية ومشاكل في التنشئة والتربية وكل ما يذكره النفسيون وتدل عليه الدراسات من عوامل لهذه الأمراض، كما بينتُ في كلمة (الغم والاكتئاب: ابتلاء أم اضطرابات فسيولوجية؟).

فهي في النهاية من أقدار الله، والله يحب لعباده أن يفهموا مُرادَه من أقداره، وأن يتفاعلوا معها بالعبوديات المناسبة لها: (لعلهم يضَّرَّعون)..فيريد الله من العبد أن يلجأ إليه ويتضرع ويراجع حساباته ويتخلص من ذنوبه ويتذكر الغاية من حياته ويعمل لآخرته.

هذا المعنى يغيب عادة في عملية العلاج النفسي، ويكون الهدف في العلاج إعادة المريض إلى "دنياه"، ليؤدي أدواره فيها، أو ما يُعَرِّفونه بالـ (Functionality)، أي أنْ يكون قائمًا بوظائفه "الدنيوية" أبًا كان أو أُمًا أو موظفًا أو طالبًا…

لكن تقع الغفلة عن أن يفقه المريض رسائل الله إليه من أقداره، لينفعه هذا البلاء في العمل لآخرته.
المعالج يريد أن يُخَلص المريض من المشاعر السلبية، وأن يوجد لديه الدافعية ويُحَسِّن إنتاجيته وانسجامه مع المجتمع، والمقياس في هذا كله عادة: الدنيا...أن نعيد المريض إلى "دنياه".
هذا كله مطلوب، لكن إذا غاب البعد الأخروي في الموضوع، فالعلاج يصبح مخدرًا ! بحيث يمر البلاء ولا تُفهم الرسالة الربانية !

حتى المعالج المحب لدينه قد يَذْكُر للمريض آيات وأحاديث لرفع معنوياته وإزالة كآبته، لكن المعنى المسيطر عنده وعند المريض  هو تسخير ذلك كله لـ"دنيا" المريض فحسب. بينما النظرة المتوازنة تتطلب أن يُجعل هذا البلاء مُسَخرًا لنفع المريض في دينه وآخرته مع الأخذ في الوقت نفسه بأسباب تخليصه من مرضه.

إذا فهمنا ما تقدم فإنا نستطيع أن نفصل في النزاع القائم بين التوجُّهين المتطرفين:

التوجُّه المسخف للأدوية والعلاجات، والتوجُّهٍ الذي يعيد المريض إلى "دنياه" ويخدره عن أن يفقه رسائل ربه إليه من البلاء.
التعارض ليس موجودًا ابتداء حتى نختار أحد الطرفين ونهمل الآخر.

- وجهنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى التضرع والدعاء والطاعة لكشف الكربات كالأمراض، وإلى الاعتبار بموت من مات، وفي الوقت ذاته كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تأمر بالتلبين للمريض والمحزون على الميت، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن التلبينة تُجمُّ المريض (أي: تريح قلبه)، وتذهب ببعض الحُزن) (البخاري). والتلبينة سبب مادي، ومع ذلك فلا يتعارض مع الدعاء والعظة والاعتبار.

- عامة هذه الأفكار هي أخي المشتغل بالطب النفسي، الدكتور آدم الصقور، حيث أرسلها لي بعد كلمة ألقيتها بعنوان: (فكرة عن العلاح النفسي اللادوائي) لتكتمل الصورة. فجزاه الله خيرا.

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#العلمانية #العلاج-النفسي
اقرأ أيضا
قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج1 | مرابط
فكر مقالات

قصة الله محبة وموقف الأناجيل منها ج1


وقال لى أحدهم وهو يحاورنى: إننا نرى أن الله محبة على عكس ما ترون فأجبت ساخرا كأننا نرى الله كراهية إن الله مصدر كل رحمة وبر وكل نعمة وخير وصحيح أننا نصفه بالسخط على الفجار والظلمة والأمر فى ذلك كما قال جل شأنه ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين أفليس الأمر كذلك لديكم إنكم تخدعون العالمين بذكر هذه الكلمة وحدها ووضع ستائر كثيفة على ما عداها من كلمات تصف الجبروت الإلهى بأشد مما ورد فى الإسلام

بقلم: محمد الغزالي
707
حيثما كان العدل فثم شرع الله | مرابط
تعزيز اليقين فكر مقالات

حيثما كان العدل فثم شرع الله


وليس للمسلم أن يطرح حكم الشريعة طلبا للعدل استقلالا عنها فإن هذا فاسد من جهة الدين والذي يلزم المسلم بالاحتكام للشرع وليكن على ثقة أنه متى التزم حكم الشريعة فسيؤول به الأمر إلى تحقيق العدل وأنه متى خالفها فسيقع في مناقضة العدل إذ اطراح الحكم والحالة هذه اطراح للعدل أيضا

بقلم: عبد الله بن صالح العجيري وفهد بن صالح العجلان
2403
الإسلام والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام والإيمان


ملخص: مقتطف من كتاب جامع العلوم والحكم يفسر فيه ابن رجب الحنبلي رحمه الله معنى الإسلام ومعنى الإيمان عند إفرادهما وعند الجمع بينهما فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها والإيمان هو الأعمال الباطنة وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل أي أن الإيمان داخل فيه العمل فكيف هذا يجيبنا ابن رجب رحمه الله على السؤال

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2105
وظهر الدجال | مرابط
فكر

وظهر الدجال


بت أستشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى حالة المجتمع الذي سيظهر فيه الدجال ويتلقى دعوته بالحفاوة والترحيب وكأني به يطوف بلاد العالم ويفرش له السجاد الأحمر باعتباره أحد أقطاب الإصلاح الاقتصادي والنهضة الحضارية. أشعر وكأن بعض المنتسبين إلى العلم والدعوة في عالمنا الإسلامي البائس سوف يتصدرون المشهد ويقودون حملته المضللة بالتلبيس على العوام بطرائق شتى سيكون منها بلا شك مهرجانات الرحمة للجميع !!

بقلم: د. جمال الباشا
291
الإنسانية في أصدق معانيها | مرابط
فكر

الإنسانية في أصدق معانيها


فالعالم العالم بحجة الشرع والقوي قوي بالله والمرحوم مرحوم بالتسليم والطاعة والغني غني بالافتقار إلى الله والواصل واصل بتدبير الله.. فمن جعل الإنسانية دينا جعل الإنسان إلها على الحقيقة! أي إنسانية يدعون إليها؟!

بقلم: محمد وفيق زين العابدين
349
المراحل التي مر بها الإرجاء | مرابط
تفريغات اقتباسات وقطوف

المراحل التي مر بها الإرجاء


والحقيقة أن الإرجاء مر بمراتب مر بمراحل يعني هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة هناك تطورات حدثت على مذهب المرجئة حتى وصلوا إلى مرحلة الغلو التي تحدث عنها العلماء وفي هذا المقتطف من محاضرة الشيخ محمد صالح المنجد يتحدث عن هذه المراحل أو التطورات بشكل مختصر

بقلم: محمد صالح المنجد
1200