صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان

صفحات تاريخية مشرقة من سيرة القائد ألب أرسلان | مرابط

الكاتب: علي محمد الصلابي

367 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغر بيك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُرِّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلًا سار في الناسِ سيرة حسنة، كريمًا رحيمًا، شفوقًا على الرعية، رفيقًا على الفقراء، بارًّا بأهلهِ، وأصحابهِ، ومماليكهِ، كثيرالدعاء بدوام ما أنعم بهِ عليه، كثير الصدقات، يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقًا بهم.

 

كان ألب أرسلان  كعمه طغرل بك ـ قائدًا ماهرًا مقدامًا، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمهِ في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، قبل التطلع إلى إخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته، كما كان متلهفًا للجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدول المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن، وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان، وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيمًا للجهاد، وحريصًا على نصرة الإسلام، ونشره في تلك الديار، ورفع راية الإسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية.(عبد الله، 1995، ص20)

 

وضع السلطان ألب أرسلان نصب عينيه تحقيق هدفي السلاجقة، وهما: التوسع باتجاه الأراضي البيزنطية، وطرد الفاطميين مِنْ بلاد الشام، والحلول مكانهم، ثم استخلاص مصر منهم، وقد أثاره احتمال تقارب بين البيزنطيين والفاطميين، فحرص على أن يحمي نفسه من بيزنطة بفتح أرمينية، والاستقرار في ربوعها قبل أن يمضي في تحقيق الهدف الثاني، وهو مهاجمة الفاطميين.

 

والواقع أنه كان من الصعب على السلطان السلجوقي، من الناحية العسكرية والسياسية أن يتجاوز محور الرها إلى جنوب بلاد الشام، ثم مصر دون تقدير الموقف البيزنطي من جهة، ومواقف أمراء الجزيرة وبلاد الشام من جهة أخرى؛ إذ إن أي اضطراب في العلاقة مع هذه الأطراف من شأنه أن يهدِّدَ بقطع خط الرجعة على جيشه الذي سيكون بعيدًا عن قواعد الخليفة (مصطفى، 1998، ج2، ص131)

 

لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسع خارجي، وعندما اطمأنَّ على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم، والبلدان الخاضعة له؛ أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية (العبيدية)  في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنية ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشًا كبيرًا اتجه به نحو بلاد الأرمن، وجورجيا فافتتحها، وضمَّها إلى مملكته، كما عمل على نشر الإسلام في تلك المناطق. (عبد الله، 1995، ص20)

 

وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة (414 هـ)، وأجبر أميرها محمود بن صالح ابن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي، بدلًا من الخليفة الفاطمي العبيدي سنة (462 هـ) ، (شبارو، 1994،ص25) ثم أرسل قائد الترك أتسز بن أوق الخوارزمي، في حملة إلى جنوب الشام؛ فانتزع الرملة، وبيت المقدس من الفاطميين العبيديين، ولم يستطع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول إلى مصر، وبذلكَ أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي، والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس (بن قزاغلي، 1951، ص161)

 

وفي سنة (462 هـ)  ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم إلى السلطان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم وللسلطان، وإسقاط خطبة مصر (العبيدي، وترك الأذان بحي على خير العمل)، فأعطاهُ السلطان ثلاثين ألف دينار، وقال له: إذا فعل أميرُ المدينة كذلكَ أعطيناه عشرين ألف دينار، وكان حريصًا على إقامة العدل في رعاياه، وحفظ أموالهم وأعراضهم. بلغه: أن غلامًا من غلمانهِ أخذ إزارًا لبعض التجار، فصلبه فارتدع سائر المماليك به خوفًا من سطوته، وكتب إليهِ بعض السُّعاةِ في نظام الملك، فاستدعاه.

 

وقال لهُ: إن كان هذا صحيحًا فهذّب أخلاقكَ، وأصلح أحوالك، وإن لم يكن صحيحًا فاغفر لهم زلتهم بمُهمٍّ يشغلهم عن السعاية بالناس.(ابن كثير، 1998،ج16، ص39) وكان كثيرًا ما يقرأ عليهِ تواريخ الملوك وادابهم، وأحكام الشريعة، ولمَّا اشتهر بين الملوك بحُسن سيرته، ومحافظته على عهوده؛ أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصي ما وراء النهر إلى أقاصي الشام.(ابن الأثير، 1978، ج6، ص253)

 

ومن الدروس مما مضى: أهمية دراسة التاريخ للقادة السياسيين، وزعماء الأمة، فمن خلاله يتعرفون على  سنن الله، وعوامل نهوض الدول، وأسباب سقوطها، فقد كانَ ألب أرسلان مهتمًا بدراية تاريخ الأمم.

 


 

مراجع البحث:

  1. علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، ص 89-92
  2. شمس الدين أبي المظفر يوسف بن قزاغلي،مراة الزمان في تاريخ الأعيان، الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الهند 1370هـ  1951م.
  3. ابن كثير، البداية والنهاية، مركز البحوث والدراسات بدار هجر مصر، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998
  4. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط دار الفكر، بيروت، 1398 هـ  1978م.
  5. عبد اللطيف عبد الله، قيام الدولة العثمانية، الطبعة الثانية، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.1416 هـ  1995م.
  6. شاكر مصطفى.في التاريخ الشامي، دار طلاس للدراسات والنشر، 1419-1998م.
  7. عصام محمد شبارو، السلاطين في المشرق العربي، دار النهضة العربية بيروت، لبنان.1414ه-1994م.
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#ألب-أرسلان
اقرأ أيضا
تعظيم الأمر والنهي | مرابط
تعزيز اليقين فكر اقتباسات وقطوف

تعظيم الأمر والنهي


ومن العلل التي توهن الانقياد أن يعلل الحكم بعلة ضعيفة لم تكن هي الباعثة عليه في نفس الأمر فيضعف انقياده إذا قام عنده أن هذه هي علة الحكم ولهذا طريقة القوم عدم التعرض لعلل التكاليف خشية هذا المحذور وفي بعض الآثار القديمة: يا بني إسرائيل لا تقولوا: لم أمر ربنا ولكن قولوا: بم أمر ربنا

بقلم: ابن القيم
1222
هالة البعيد | مرابط
مقالات

هالة البعيد


الوعي أحيانا بحقيقة وتفاهة اللذائذ المادية ذاتها .. وإدراك شيء من زيف ظاهرها الخلاب .. يمنحك قوة مضاعفة في مواجهة الفتنة وهذا هو سر الشيء المدهش في عبارة ابن مفلح .. فبدلا من أن يقدم موعظة خالصة .. عمد إلى تفتيت وهج الفتنة ذاتها.. حيث يقول ابن مفلح في عبارته المركزة: وليحذر العاقل إطلاق البصر فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه.!!

بقلم: إبراهيم السكران
500
الإسلام والإيمان | مرابط
اقتباسات وقطوف

الإسلام والإيمان


ملخص: مقتطف من كتاب جامع العلوم والحكم يفسر فيه ابن رجب الحنبلي رحمه الله معنى الإسلام ومعنى الإيمان عند إفرادهما وعند الجمع بينهما فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإسلام هو الأعمال الظاهرة كلها والإيمان هو الأعمال الباطنة وأهل السنة يقولون: الإيمان قول وعمل أي أن الإيمان داخل فيه العمل فكيف هذا يجيبنا ابن رجب رحمه الله على السؤال

بقلم: ابن رجب الحنبلي
2105
شبهة هل الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين الذي مدحه القرآن | مرابط
أباطيل وشبهات

شبهة هل الإسكندر الأكبر هو ذو القرنين الذي مدحه القرآن


تقول الشبهة: يمدح القرآن الإسكندر الأكبر ذو القرنين كعبد صالح يؤمن بالله بينما على الجانب الآخر نجد أن جميع مؤرخى الإغريق يجمعون على أنه كان من عبدة الأوثان فكيف يصح ذلك وهذه الشبهة تعتبر مدخلا للتشكيك في القرآن وإثارة الأباطيل حوله من بوابة التاريخ وبين يديكم الرد على هذه الفرية

بقلم: محمد عمارة
987
دعوى مظلومية المرأة | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات المرأة

دعوى مظلومية المرأة


اطلعت على بعض المقاطع المعدة بأسلوب درامي مؤثر يرسم صورة الأنثى كمظلومة تحت مظلة الإسلام وقد نجحت مثل هذه الرسائل في استمالة ضعيفات الإيمان إلى ظلمات الشك ثم الإلحاد وكثيرا ما يدخل المشككون في الإسلام من باب المرأة يستثيرون بذلك عواطف المسلمات اللاتي لم يعرفن دينهن حق المعرفة وفي الحقيقة فإن خطابهم التشكيكي هذا لا يعدو أن يكون غشا و تدليسا

بقلم: أحمد يوسف السيد
2779
القدر والأسباب | مرابط
تعزيز اليقين اقتباسات وقطوف

القدر والأسباب


الإيمان بالقدر لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها وبين يديكم مقتطف سريع لابن عثيمين يدور حول هذه المسألة

بقلم: ابن عثيمين
385