الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج1

الليبرالية السعودية والتأسيس المأزوم ج1 | مرابط

الكاتب: سلطان العميري

1502 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

نظرة عامة على التيار الليبرالي

يلحظ المراقب للحالة الفكرية في الداخل السعودي نشاطا مكثفا للتيار الليبرالي، فقد أخد بكل ما أوتيه من قوة يعرض نفسه للناس في محافل كثيرة، ويبدو بأصوات متعددة، ويظهر في أشكال مختلفة، باحثا بكل ذلك عن موطئ قدم يبني عليه مشروعه الفكري والاجتماعي.
 
وقد تناول عدد من المثقفين مخرجات التيار الليبرالي بالتوصيف والتمحيص والنقد، وجاء هذا المقال ليتناوله من جهة معرفية بحتة، وليحاكمه إلى الشروط التي يجب توفرها في كل مشروع ناضج منتِج، وليقارنه بالمشاريع التي استطاعت أن تقدم للمجتمعات حلولا حقيقية تخرجها مما تعانيه من أزمات، وتعيشه من إشكاليات.
 
وإذا حاول المراقب أن يتعاطى مع التيار اللبيرالي السعودي بهدوء وأن يتعامل مع منتجه الفكري والثقافي بمهنية في التحليل وإتقان في التوصيف.. ليتعرف على مقدار ما يمتلكه من مؤهلات معرفية وفكرية وسلوكية تؤهله للعيش والنمو في الحالة السعودية.. سيخلص منذ المرحلة الأولى من التحليل إلى نتيجة مفادها: أن التيار الليبرالي يعاني من أعراض مرضية حادة تحول بينه وبين أن يكون مشروعا رائدا أو مخلصا أو ملبيا لحاجيات العقل الواعي الذي يميل إلى الانضباط في الاستدلال والعمق في التحليل والاتساق مع المبادئ واحترام القيم وتعظيم التمسك بها.
 
فالمراقب الواعي إذا تجول في مخرجات التيار الليبرالي وسار في جنباته ووقف على أبرز محطاته التي برز فيها للعيان، وسلط الأضواء على مرتكزاته المعرفية، تصيبه الدهشة بسبب ما يراه من الفقر الشديد في مؤهلات النمو الصحي، وبسبب ما يلحظه من الهشاشة الكبيرة في مرتكزات شرعية وجوده في الساحة الفكرية.
 
وسيكتشف أن الليبرالية السعودية تعاني من أزمة فكرية ومنهجية عميقة، أزمة في المصطلح، وأزمة في الخلفيات الفلسفية، وأزمة في السلوكيات اليومية، وأزمة في الالتزام بالقيم، وأزمة في الاتساق مع المبادئ، وأزمة في الاطراد، وأزمة في التوافق بين أسس الليبرالية وبين قطعيات الشريعة الإسلامية.
 
وقد استفحلت تلك الأعراض حتى وصلت إلى حالة مهلكة خرجت عن السيطرة، وتسببت في إنهاك جسده ووصوله إلى حالة مرضية خطيرة، وأضحت تلك الأعراض معوقات حقيقية للحيلولة دون نموه بشكل صحي.
وحتى لا تكون هذه النتيجة مخالفة للواقع، أو متصفة بالاستعجال والتهور، أوالتسرع في استخلاص النتائج، فإنا سنبرز أعقد تلك الأزمات التي اتصف بها التيار الليبرالي، وتسببت في تشوه صورته وتعرقل مسيرته، وسنمارس معها التحليل المنبسط والتفكيك المسترسل والهادئ حتى نتحقق من صدق تلك النتيجة.

 

الأزمة الأولى: إشكالية التأسيس:

تبدى التيار الليبرالي وهو يحمل اسما نشأ في بيئة مختلفة وتربى في محاضن فكرية مغايرة، ومع هذا فهو يعاني في أصله من اضطراب وقلق في انضباط مفهومه، ومصاب بغموض شديد في تحديد مقصوده، ومشبع بمضامين فكرية وفلسفية تتقاطع مع الإسلام تقاطعا ظاهرا.
 
فليس خافيا على أحد من المثقفين أن الليبرالية نشأت أول ما نشأت في الفكر الغربي تحت ظروف فكرية واجتماعية محددة وفي أحوال دينية خاصة، وقد تضمنت في حالتها الغربية مبادئ أساسية لا تنفصل عنها، كمبدأ الحرية المطلقة ومبدأ الفردية ومبدأ العقلانية، حتى غدت من المتلازمات في ذهنية القارئ.
 
وهي بهذه المبادئ تتضمن القول بنسبية الحقيقة وتدعو إلى العلمانية وفصل الدين عن الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها، وتقرر المساواة بين الأديان وحرية التنقل بينها، وتسمح بحرية مزاولة المحرمات القطعية في الشريعة، وتقطع الأخلاق والمبادئ عن الأساسات المرجعية لها سواء الدينية أو غيرها، وتعتقد أن الحرية المطلقة هي المبدأ والمنتهى والباعث والهدف والأصل والنتيجة في حياة الإنسان.
 
ولما كانت الليبرالية الغربية بهذه الصورة حدث انفصام نكد في التيار الليبرالي السعودي، فقد انقسم في موقفه من حالة الليبرالية الغربية إلى قسمين ظاهرين:
 
القسم الأول: من لم يبد الإنكار لتلك المضامين، وقرر ما تقوله الليبرالية الغربية من أنها الانفلات المطلق والحرية الكاملة،والتحرر من كل قيد، وكرر بعض منتجاتها، كالقول بنسبية الحقيقة وتاريخية الأحكام الشرعية، والانفتاح الكلي لدلالات النصوص وقابليتها لكل التأويلات.
وفي ضمن هذا القسم ظهرت لنا الليبرالية في مظاهر شاذة جدا، ومقالات شنيعة، وصلت إلى درجة إنكار وجود الإله، والاستخفاف بالنبي والاستهزاء الفاضح بالإسلام ووصفه بكل ذميمه، كل هذا ظهر تحت مسمى "شبكة الليبرالية السعودية".
 
القسم الثاني: من ادعى الخصوصية السعودية في مفهوم الليبرالية، وأخذ يقول بأن الليبرالية السعودية تتميز عن غيرها في كل شيء، حتى في المفهوم نفسه، ورفعوا شعار "الليبرالية السعودية ليس كمثلها ليبرالية".
 
فقد أدرك هذا القسم فضاعة ما تؤدي إليه الليبرالية في نسختها الغربية الأصلية من مناقضة للإسلام وأصوله، فاضطر إلى أن يمارس نوعا من التهذيب ويجري عمليات تجميلية عديدة؛ حتى يتخلص من الموروث الغربي لها، ويتوصل إلى نسخة مخففة جدا، فأبقى على المبادئ الأساسية لليبرالية، وأخذ يبحث عما يمكن أن يوافقها في النصوص الشرعية، وغدونا نسمع بأن الليبرالية تعد من صميم الإسلام؛ لأن الإسلام يحفظ للفرد حريته ويحترم له علقه.
 
وهذه العمليات التجميلية للمنتجات الغربية ليست جديدة على الساحة العربية، فقد مورست من قبل في الدعوة إلى الحداثة والدعوة إلى البنيوية وغيرها من المناهج النقدية الغربية، وقوبلت بإنكار شديد من قبَل عدد من كبار المفكرين العرب، وعدوا ذلك تشويها وتحريفا مغلفا.
 
وها هو الحال يتكرر في الليبرالية السعودية، فيبدوا أن عمليات التجميل لم ترض كثيرا من كبار المثقفين، فأنكروا دعوى الخصوص السعودية ووصفوها بالخدعة والأكذوبة، ووصفوا من مارسها بأنهم أدعياء ومتسولون.
 
وقد أبدى بعض المراقبين تحفظا من جهة أخرى، وهي أن الليبرالية السعودية ادعت الخصوصية، ولم تبين لنا معالم تلك الخصوصية ولا الحواجز الفاصلة بينها وبين النسخة الأصلية، ولا القيم التي تقوم عليها ولا الأسس الفكرية التي تستند إليها، وإنما غاية ما ذكروه ممارسات يومية مشتتة يجمعها وصف واحد وهو المضادة للتوجه الشرعي في السعودية.
فغدت الليبرالية السعودية بدون أسوار ولا أبواب يدخل فيها كل من يريد.
 
وبهذا كله ازدادت الليبرالية غموضا إلى غموضها وقلقا إلى قلقها واضطرابا إلى اضطرابها، مما يؤكد مدى الأزمة التي تعاني منها في بناء مشروعها وعمق الإشكالية التأسيسية التي أصيبت بها منذ اللحظة الأولى من ولادتها، وهذا كله كانت له أبعاد كثيرة في كيفية توصيفها وفي منهجية تصنيفها.
 
 


 

المصدر:

http://www.saaid.net/mktarat/almani/90.htm

تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.

الكلمات المفتاحية:

#الليبرالية #السعودية
اقرأ أيضا
طريقة مخالفي الرسل | مرابط
اقتباسات وقطوف

طريقة مخالفي الرسل


وقد علم بالاضطرار أن الوجود لا بد له من موجد واجب بذاته غني عما سواه قديم أزلي لا يجوز عليه الحدوث ولا العدم فوصفوه بما يمتنع وجوده فضلا عن الوجوب أو الوجود أو القدم وقاربهم طائفة من الفلاسفة وأتباعهم فوصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق

بقلم: شيخ الإسلام ابن تيمية
738
خطر البدعة الإضافية على الشرع | مرابط
تفريغات

خطر البدعة الإضافية على الشرع


لا فرق عند العلماء بين إخراج الحق من الدين وبين إدخال الباطل فيه لأن كلاهما بخلاف مراد الشارع فإخراج الحق من الدين يساوي إدخال الباطل فيه ونحن بمناسبة الكلام على البدعة وعن أثرها في تأسيس محنة المسلمين اليوم لابد أن نلقي ضوءا جليا واضحا على جيل الصحابة وكيف كانوا يواجهون البدع

بقلم: أبو إسحق الحويني
1262
اهتمام السلف بالعربية | مرابط
تفريغات لسانيات

اهتمام السلف بالعربية


لقد كانت تربية السلف لأولادهم على النطق باللغة العربية وإتقانها أمرا عجيبا وذلك لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الولد لن يفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا إذا أجاد اللغة العربية وكانوا يحاربون اللحن والخطأ في اللغة جدا وكان أمرهم شديدا في هذه المسألة فقد قرأ بعضهم يوما قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر:28 العلماء فاعل فهم الذين يخشون الله فقرأها: إنما يخشى الله من عباده العلماء فقال له قائل: كفرت أتنطق بالكفر؟ جعلت الله يخشى العلماء!

بقلم: محمد صالح المنجد
357
لماذا يكرهون ابن تيمية؟ | مرابط
فكر

لماذا يكرهون ابن تيمية؟


من أجل هذا ونحوه يصدكم أهل الأهواء ودعاة الشرك بالله عن القراءة لابن تيمية لأنه لا يسلم بالمحدثات وهم المحدثون المبتدعون ولأنه يسأل كل قائل عن إسناده إلى الله أو رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت عبادة ودينا مما يسع فيها الاختلاف.. فكيف إن كان الأمر جنة ونارا وشركا وإيمانا مما لا يجوز فيه اختلاف ولا نزاع؟

بقلم: خالد بهاء الدين
573
لا تمض في الحياة سبهللا | مرابط
تفريغات ثقافة

لا تمض في الحياة سبهللا


مما ذكر في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: إني أكره الرجل يمشي سبهللا لا في أمر الدنيا ولا في أمر الآخرة .. إذا سألتك ما هو هدفك أو أهدافك خلال الأسبوع أو الشهر الحالي ولم يحضر في ذهنك شيء محدد بسرعة فأنت على خطر من أنك تمضي في الحياة سبهللا فارغا.. بشكل قد يضيع عليك الدنيا والآخرة.

بقلم: علي محمد علي
889
الغلو نبتة سلفية | مرابط
أباطيل وشبهات فكر مقالات

الغلو نبتة سلفية


يقولون: أن الغلو هو نبتة سلفية أو ظاهرة سلفية أو منتج سلفي أو غيرها من عبارات تصاغ للتعبير عن فكرة واحدة وهي: أن السلفية سبب لظهور الغلو وهي التي تتحمل تبعاته وآثاره وذلك أن الغلاة ينتسبون إلى السلفية ويستدلون بأصول السلفية ويستندون إلى رموزها ومقولاتها وهذا يعني أن المشكلة في السلفية نفسها وبين يديكم مقال هام للرد على هذه الفرية

بقلم: فهد بن صالح العجلان وعبد الله بن صالح العجيري
706