الشيوعية والإسلام

الشيوعية والإسلام | مرابط

الكاتب: عباس محمود العقاد

2264 مشاهدة

تم النشر منذ سنتين

الشيوعية وعداء الأديان

كلمة الشيوعية ترجمة عربية لمذهب «كارل ماركس» في حالة التطبيق؛ لأنه يزعم أن مذهبه ينتهي إلى إباحة كل شيء على الشيوع أو المشاع، ولكن أصحاب المذهب جميعًا يسمونه بالمادية التاريخية أو المادية الثنائية الحوارية تمييزًا له عن جميع مذاهب الاجتماع والفلسفة، وعنوانه هذا هو خلاصة كافية لقواعده التي يقوم عليها، وهي الإيمان بالمادة دون غيرها وإنكار كل ما عداها من عالم الغيب أو عالم الروح.
 
ومن البديهي إذن أن المذهب ينكر الأديان ويكفر بجميع الأنبياء والرسل، ولا يدع أصحابه هذه الحقيقة للفرض والاستنتاج بل يصرحون بعقيدتهم ويقولون عن الدين إنه «أفيون الشعوب» لأنه يخدر أتباعه بالأمل في الآخرة فلا يطلبون الإنصاف ولا النعم في هذه الدنيا.
 
وهم يسوون بين الأديان جميعًا في هذه الصفة، وقد حاربوا المسيحية والإسلام والصهيونية حربًا عنيفة، في مبدأ قيام الثورة الروسية، ودأبوا على معاداتها وتعطيلها إلى أيام الحرب العالمية الثانية التي اضطرتهم إلى الاعتراف بقوة الدين في تثبيت العزائم والاستخفاف بالخطر، فصالحوا رجال الدين وعاهدوهم على تبادل المعونة، وكفوا عن حملتهم على العقائد الدينية إلى السنة الماضية، ثم بدا لهم أن الشعب الروسي يثوب إلى التدين ويندفع إلى معاهد العبادة فجددوا تلك الحملة وعادوا إلى إدارة المتحف الذي أنشئوه من قبل باسم «متحف الدين والإلحاد» وخصصوه لنشر المساوئ التي تنفر الناس من الإيمان بالله.
 

الحقد الدفين تجاه الإسلام

إلا أن الشيوعية قد تصبر على المسيحية ولا تطيق الصبر على الإسلام إلا ريثما تتحفز له وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة؛ لأن المسيحية دين العديد الأكبر من الروسيين والشعوب التي تدخل في حوزة الدولة الروسية، ولأن المسيحية من الجهة الأخرى تدع شئون الدولة للدولة ولا تتعرض للنظم الاجتماعية أو لإقامة المجتمع على أساس جديد. وقد نشأت المسيحية كما هو معلوم في بلاد تخضع للسلطة الرومانية في الشئون الدنيوية ولسلطة الهيكل الإسرائيلي في الشئون الدينية فاجتنبت نقض «الناموس» وأوصت بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
 
أما الإسلام فهو نظام اجتماعي له منهجه في علاج المسائل التي تتصدى لها الشيوعية، وهو يواجه مشكلة الفقر بحلوله المتعددة ولا يقصر مواجهتها على فرض الزكاة لمستحقيها كما يسبق إلى الظن لأول وهلة. إذ هو ينكر الإسراف والترف والاحتكار ويأبى أن تكون الأموال «دولة بين الأغنياء» ولا يصدق عليه قولهم إنه أفيون الشعوب لأنه يأمر المسلم ألا ينسى نصيبه من الدنيا ويحثه على دفع المظالم ومنع الشرور، ويعلم المسلم أن يقدس الحرية ويثور على المذلة والاستعباد فلا يتسنى للحاكم الأجنبي أن يخضعه لغير معتقده أو يسومه الهوان في أمور الدنيا والدين.
 
لهذا وصفوه في دائرة المعارف الشيوعية بالرجعية وتأييد الاستغلال وحاربوه بكل وسيلة من وسائلهم الظاهرة والخفية لإضعاف سلطانه الروحي، وتشتيت المسلمين وتمزيق كل وحدة تجمعهم في البلاد التي يحكمونها، وهدم المعالم الدينية في جميع تلك البلاد.
 
والمسلمون التابعون للحكومات الشيوعية يعلمون حق العلم عداوة الشيوعية لدينهم وسعيها الحثيث في طمس معالمه وأركانه، ويعرفون حقيقة ما يذاع عن حرية المعتقدات بين الشعوب التي يسيطر عليها الروسيون، ولكن المسلمين في كل أرض يستطيعون أن يعرفوا هذه الحقيقة من عدد الحجاج الذين تسمح لهم الحكومة بأداء الفريضة كلما سمحت لهم بذلك من حين إلى حين. فإنهم على قلتهم يحاطون بالرقابة الشديدة بينهم ومن حولهم، ولا يؤذن لهم بالتحدث إلى غيرهم في أمر من أمورهم الدينية أو الوطنية.
 
والكلام المكتوب يكشف من أسرار الدعوة الشيوعية كل ما تحاول ستره والمغالطة فيه. فإن المسلمين في حوزة الشيوعية قد حرمت عليهم كل رابطة يرتبطون بها غير قيود الحكم الروسي وثقافة اللغة الروسية، فلا جامعة إسلامية ولا جامعة طورانية ولا قراءة للغة العربية، ومن يشتغل بشيء من ذلك يتهم في إخلاصه للدولة ويعامل معاملة الجواسيس المسخرين للائتمار بها والثورة عليها.
 

صحيفة برافدا

فصحيفة الدولة «برافدا» تعلن في عددها الصادر بتاريخ ٧ أكتوبر سنة ١٩٥٢ من مقال رسمي نشرته على الصفحة الرابعة أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي منعت «سموم الجامعة الإسلامية» التي يروجها كتاب من قبيل الكتاب المسمى «ديد كركوت» عن أذربيجان.
 
وقد شنت صحيفة الدولة هذه حملتها الشعواء على المؤرخ القاجاتي «سليمانوف» في مقال نشرته في الثالث عشر من شهر يناير سنة ١٩٥٣ لأن هذا المؤرخ تكلم عن الثقافة التركية المشتركة بين الشعوب الطورانية، وأوعزت الحكومة إلى ذنب من أذنابها المسمى يوسبوف لينفي وجود وحدة ما بين الترك في آسيا، وينادي بانفصال كل شعب منها عن سائرها في شئون الثقافة ولا سيما الأزبكيين. وقد أعلنت صحيفة «أزفستيا» قبل ذلك (في الثاني من شهر سبتمبر سنة ١٩٥١) حملة كهذه على مجمع العلوم بأزبكستان لأنه يجنح إلى إحياء تراث الإسلام، وحملت هذه الصحيفة نفسها (في السادس من شهر يونيو سنة ١٩٤٩) على أمم آسيا الوسطى لولعها بالمخطوطات العربية الرثة وغلبة النفوذ الثقافي العربي على أدبائها وعلمائها، ولا يمكن أن تكتب صحيفة من الصحف الروسية حرفًا واحدًا عن الثقافة العامة بغير علم الحزب وإيعازه وتكليف الحكومة وإشرافها، وبخاصة حين يمس الرأي أمما ترسم لها سياسة مقررة في جميع هذه الشئون.
 
وهؤلاء الذين ينادون بهدم العصبيات الوطنية ينعون عليها في حالة واحدة، وهي حالة الأمم التي تنهض للاستقلال عن الدولة المسيطرة عليها. أما عصبية القومية الروسية، واللغة الروسية والثقافة الروسية فهي مفروضة على أبنائها، وغير أبنائها من عبيد الكرملين «المتحررين» من ربقة الأسلاف الرجعيين، وقد وقف باجيروف عضو لجنة الحزب خطيبًا من الخطباء المقررين في مؤتمره التاسع عشر ليحمد الفرصة السعيدة التي أنقذت المسلمين على أيدي القياصرة بضمهم إلى الحظيرة الروسية الواسعة، ولم ينس أن يقول إنه لا يحمد القياصرة، ولا ينكر مساوئهم، ولكنهم ولا ريب قد يسروا لشعوب المسلمين فرصتها الوحيدة بالدخول في زمرة الروس والاستعداد للتقدم بفضل اللغة الروسية.
 

عداوة الشيوعية للإسلام

إن عداوة الشيوعية للإسلام عداوات متكررة وليست بعداوة واحدة. فإنها تعاديه معاداة الخوف من منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه، وتعاديه معاداة الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلاله، وتعاديه أخيرًا معاداة الشعور بالخطر والإفلاس على أثر إخفاق التجارب الماركسية واحدة بعد الأخرى خلال السنوات الأخيرة. فقد اعترفت الدولة على كره بحق الملك والتوريث، واعترفت بالفوارق بين الأجور وأحوال المعيشة، واعترفت بفصل الجنسين في معاهد التعليم، واعترفت بالأسرة ومواثيقها، وبالوطنية وقوتها الفعالة في الدفاع عن الأمة والارتفاع بها إلى مطامحها العليا.
 
في مثل هذه الحالة يشعر الأقطاب الشيوعيون بتقدم الإسلام وتقهقر المادية الماركسية، ويعلمون أن النزاع المقبل إنما هو نزاع بين ما يسمونه «الأيديولوجي» الماركسي والأيديولوجي الإسلامي. إذ ليست الديمقراطية دينًا ينازع الشيوعية في ميدانه، وغاية ما يرجى منها أنها دعوة مانعة لسوء الحكم، ومانعة للحجر ومانعة للقيود الجائرة في تقسيم الأعمال والأرزاق، وأما التطبيق «الإيجابي» فليس من رسالة الديمقراطية في عصر من العصور، ولكنه من رسالة الإسلام بغير جدال في هذا الزمن على الخصوص؛ لأنه زمن يتقدم فيه المسلمون، ويتعلمون فيه كيف يطبقون الإصلاح الاجتماعي موفقًا بين مطالب المادة ومطالب الروح ومقتضيات العلم الحديث.
 
ولا هوادة في هذا النزاع. ولا يبغض الشيوعيون بين أمم الشرق الأسيوي نفوذًا روحيًّا أو فكريًّا أخطر عليهم من نفوذ الإسلام، وعدة أبنائه تناهز في القارة الأسيوية ثلاثمائة مليون.
 
هذه حرب حياة أو موت، وقد عاش الإسلام وماتت عداوات كثيرة ناصبته الحرب منذ مئات السنين، وسيعيش مئات السنين والشيوعية وأمثالها في خبر كان.

 


 

المصدر:

  1. عباس محمود عقاد، أفيون الشعوب، ص61
تنويه: نشر مقال أو مقتطف معين لكاتب معين لا يعنى بالضرورة تزكية الكاتب أو تبنى جميع أفكاره.
اقرأ أيضا
واجب المرأة عند الفتن | مرابط
تفريغات المرأة

واجب المرأة عند الفتن


اشتغال المرأة بوظيفتها في الحياة أما أو أختا أو زوجة أو بنتا قال الله تعالى نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ومن وجوه هذه القسمة أن الله سبحانه وتعالى جعل منا -ذرية آدم- رجالا وجعل منا نساء وجعل للرجل وظائف وجعل للنساء وظائف.والمرأة في الحياة تكون أما وتكون أختا وتكون زوجة وتكون بنتا فينبغي أن تعي وظيفتها في هذه الحياة وما الذي رتبه الشرع الحكيم في تلك الوظيفة المناسبة لحالها حال كونها أما أو كونها أختا أو كونها زوجة أو كونها بنتا.

بقلم: صالح العصيمي
763
دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

دلالة القرآن على أن السنة وحي الجزء الأول


نعلم أن سهام منكري السنة تتوجه في الغالب إلى السنة النبوية ذاتها سواء في متنها أو سندها أو حتى حجيتها من الأساس فهم لا يؤمنون بأنها وحي من عند الله وفي المقابل يدعون الإيمان بالقرآن وما جاء فيه ومن هنا ندرك أهمية الوقوف على حجية السنة النبوية من نصوص القرآن الكريم وفي هذا المقال يقدم لنا الكاتب أحمد يوسف السيد أدلة قرآنية تثبت أن السنة النبوية هي وحي من عند الله

بقلم: أحمد يوسف السيد
2357
العنصرية الأمريكية ضد العرب 2 | مرابط
اقتباسات وقطوف

العنصرية الأمريكية ضد العرب 2


مقتطف من كتاب الحروب الهمجية يتحدث فيه الكاتب عن الرؤية الأمريكية للعرب والتي تقوم على العنصرية أو التعصب إذ يعد هذا هو المحرك الأبرز في التعامل مع كافة الأحداث ومن هنا توصف أعمال العنف التي يرتكبها الأمريكان أو إسرائيل على أنها دفاع عن النفس بينما أي عنف يرتكبه العرب يقع تحت وصف الإرهاب

بقلم: ستيفن سالايتا
660
القيمة الاجتماعية لأفكار القرآن | مرابط
تعزيز اليقين مقالات

القيمة الاجتماعية لأفكار القرآن


إذا أردت أن تشهد العبقرية الاجتماعية للتشريع الإسلامي عليك أن تتوقف أمام أزمة الخمر في المجتمع العربي قبل وبعد الإسلام وترى كيف تم التدرج في تحريمها بداية من العامل النفسي وصولا إلى التحريم الصارم ثم تقارن كل هذا بمحاولة أمريكا في القرن الماضي للتغلب على أزمة الخمر في مجتمعها وترصد الفوارق الشاسعة بين الطريقتين وهذا بالضبط ما يقدمه المقال

بقلم: مالك بن نبي
2116
المجتمع المشهدي والاستهلاك | مرابط
فكر

المجتمع المشهدي والاستهلاك


وبتحويل العلاقات الإنسانية إلى أشياء فأصبح من الممكن للمنظومة عرض هذه الأشياء كسلع وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة معدل الاستهلاك لهذه السلع لا من أجل ما تحويه هذه السلع من منافع بل من أجل الاستعراض بغية إثبات الوجود والحصول على الاهتمام المرجو من المجتمع.

بقلم: محمد علي فرح
784
الأغنياء | مرابط
فكر مقالات

الأغنياء


ألا إن هذا المال نعمة من نعم الله التي استخلف الإنسان عليها في الأرض وفي الحياة الدنيا ألا وإن المال عصام هذا الكون الممتلئ بأسراره العجيبة التي لا يقضى من أعاجيبها عجب ألا وإنه للنظام الطبيعي الذي يجعل من قانونه سر الحياة الإنسانية التي لا تسمو إلا بالمنافسة والرغبة فيها والإصرار عليها ألا وإنه لأعجب شيء في الحياة إذ يكون هو كل شيء ثم هو ليس بشيء على الحقيقة وإذ يكون في وهم الفقير القلق سر السعادة ثم يكون عند الغني المسترخي فلا يعرف به ظاهر السعادة

بقلم: محمود شاكر
1657